أصبح الحديث عن توثيق العلاقات “السريّة” بين المملكة العربيّة السعوديّة وبين الدولة العبريّة خبرًا عابرًا و تحوّل التطبيع بين الدولتين إلى القاعدة، تاركًا الاستثناء على قارعة الطرق حيث المُتتبّع للشأن الإسرائيليّ يُلحظ بالعين المُجردّة أنّ هناك نقلةً نوعيّةً في التصريحات، فالإعلام الصهيوني ”أصبح ينشر الأخبار عن صنّاع القرار من المُستويين الأمنيّ والسياسيّ دون تحفظ ما يؤكد أن اللعب بات على المكشوف.
وفي السياق عرضت هيئة البثّ الإسرائيليّة “كان”، شبه الرسميّة تقريرًا عن “حميمية” العلاقات بين إسرائيل والسعودية، قالت فيه إنه يُخيّل في بعض الأحيان أنّ هناك هاتفًا مباشرًا بين الرياض وتل أبيب يتمّ عبره تنسيق التصريحات.
ويرى متابعون أن هذه التصريحات المتسارعة لوزراء في كيان العدو الصهيوني أطلقوا لأنفسهم العنان لإطلاق التصريحات بالصوت وبالصورة عن تحسّن العلاقات بين الرياض وتل أبيب، و ما كانوا ليفعلوا ذلك، لولا حصولهم على الضوء الأخضر من رئيس الوزراء كيان العدو الذي يرى في هذه العلاقة، مع ما يُسّميها قائدة العالم السُنّي ذُخرًا استراتيجيا لكيان العدو الذي يُعاني الأمرّين من العزلة الدوليّة المفروضة عليا بسبب سياسته العدوانيّة ضدّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ، الذي يرزح تحت نير الاحتلال منذ حوالي السبعين عامًا.
وفي سياق مقارنة التصريحات السعودية بالإسرائيلية، ولاسيّما وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ورئيس حكومة بنيامين نتنياهو، علق وزير الأمن السابق موشيه يعلون قائلًا: ليست صدفةً أنْ نسمع المتحدث السعودي يتحدث باللغة العربيّة ما نقوله نحن بالعبرية، نحن ببساطة ننظر إلى الإيرانيين على أنّهم عدوٌّ مشترك.
وحول إمكانية الكشف بشكلٍ علنيٍّ عن العلاقات بين السعودية وإسرائيل، قال يعلون:لن أتفاجأ إذا حصل ذلك في الفترة القريبة.
ورأت هيئة البثّ الإسرائيلية أن وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان يعتقد بأنّ لا مفرّ من المحادثات مع إسرائيل من أجل محاربة التوسّع الإيرانيّ، بحسب تعبير محلّلها للشؤون السياسيّة.
في سياق ذي صلةٍ، كشف وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس أنّ إسرائيل أجرت اتصالات سرية بالسعودية وسط مخاوف مشتركة بشأن إيران، وذلك في أول كشف من نوعه لمسؤولٍ إسرائيليٍّ عن اتصالات من هذا القبيل.
وفي ردّه خلال مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيليّ عن سبب إخفاء إسرائيل علاقاتها مع السعودية قال الوزير: لدينا علاقات مع دولٍ إسلاميّةٍ وعربيّةٍ جانب منها سريّ بالفعل ولسنا عادة الطرف الذي يخجل منها.
وأضاف: الطرف الآخر هو المهتم بالتكتم على العلاقات، أمّا بالنسبة لنا فلا توجد مشكلة عادةً، ولكننّا نحترم رغبة الطرف الآخر عندما تتطور العلاقات سواء مع السعودية أوْ مع دول عربيّةٍ أوْ إسلاميّةٍ أخرى، وهناك علاقات أكبر كثيرًا، لكننّا نًبقيها سريّةً.
الأسبوع الماضي قال قائد جيش الاحتلال الجنرال غادي إيزنكوت لموقع (إيلاف) السعوديّ إنّ إسرائيل مستعدة لتبادل معلومات مخابرات مع السعودية قائلا إن هناك مصلحة مشتركة بين البلدين في التصدي لإيران.
ورأى مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) إنّ المقابلة النادرة الشاذّة التي منحها آيزنكوت لوسيلة الإعلام السعودية ليست بادرة طيبة إسرائيلية، وأضاف: هذه بادرة طيبة سعودية، وهي جزء من عملية متواصلة لإعداد الرأي العام داخل السعودية نحو تحويل العلاقات السرية بين الدولتين إلى علاقات علنية.
وأوضح أنّه لإسرائيل حلم قديم للحديث علنًا مع السعوديين كجزءٍ من تحالفٍ إقليميٍّ، مؤيّد لأمريكا، في مواجهة التعاظم الشيعي، مُضيفًا: لم يرغب السعوديون في هذه العلنية، وها هم اتخذوا الآن خطوة صغيرة لها أصداء كبيرة: رئيس الأركان الذي ليس رجلاً سياسيًا لكنّه شخصية على مستوى وطني في إسرائيل، يتحدث مباشرة للجمهور السعوديّ عن المصالح المشتركة للدولتين، بما في ذلك التعاون الأمنيّ.
وشدّدّ المُحلّل على أنّه لا يمكن لهذا النص أن يكون مصادفة، فقد نُسق كلمة- كلمة بين إسرائيل والسعودية. فحتى ظهور رئيس أركان إسرائيلي في وسيلة إعلامية سعودية ليس مجرد دس أصبع في العين الفلسطينية بل وأساسًا توجيه الأصبع الوسطى للإيرانيين، السوريين وحزب الله.
وكشف النقاب عن أنّ خلف هذه المقابلة يختبئ حراك ما في خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط، التي يعدها منذ أشهر الثنائي غرينبلات وكوشنير، مبعوثا الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط. في آذار (مارس) سيتعين على ترامب أنْ يقرر إذا كان سيسير في هذه الخطة بكلّ قوّةٍ أمْ أنّه يأخذ الانطباع بألّا أمل في تحقيقها فيتخلى عنها، ولفت إلى أنّه نشأ قبل بضعة أشهر توافق ما، بوساطةٍ أمريكيّةٍ، بين إسرائيل والسعودية بشأن سلسلة من الخطوات لبناء الثقة بين الدولتين.
وطلب السعوديون من إسرائيل خطوتين تصريحيتين وخطوتين عمليتين: على المستوى التصريحي طلبوا أنْ تُعلن حكومة إسرائيل بأنها تقبل فكرة الدولتين للشعبين، من ناحيتهم لا يكفي التصريح القديم لنتنياهو في هذه المسألة، أمّا التصريح الثاني الذي طالبوا به فكان أنْ تعلن حكومة إسرائيل أنّها تقبل خطة السلام السعودية، مع التعديلات اللازمة، وهذا لم يحصل، نقل المُحلّل عن مصادره التي وصفها بالرفيعة جدًا في تل أبيب.
خليك معنا