نشرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” تقريرا لكل من نبيه بولص ولورا كنغ، يتحدثان فيه عن محاربة الفساد في السعودية، ويقولان إن الملك عبدالله كان مدركا قبل عقد من الزمان لطبيعة الحياة الذهبية التي يعيشها الأمراء والأميرات من آل سعود، الذين تصل أعدادهم إلى الآلاف، وبأن ذلك خرج عن السيطرة.
ويشير التقرير إلى أن برقيات أمريكية دبلوماسية مسربة وصفت محاولات الملك عبدالله كبح جماح التجاوزات لأفراد عائلته الأثرياء، لافتا إلى أن هناك تقارير تقول إن الملك، الذي كان قد دخل في الثمانينيات من عمره، قال لإخوته إنه لا يريد أن يأتي يوم القيامة “يحمل وزر الفساد” على كاهليه، ومات عام 2015.
ويقول الكاتبان: “الآن أعلن ولي العهد الأمير الشاب المتهور محمد بن سلمان، حربا جديدة على الفساد، وبناء على توصياته قامت السلطات السعودية بتوجيه التهم لمئات الأشخاص، بمن فيهم عدد من الأمراء الكبار، بجرائم تتضمن الفساد والارتشاء وغسيل الأموال”.
وتبين الصحيفة أن “هناك قصصا كثيرة حول مشاريع بنى تحتية طموحة تبخرت، لكن تكلفتها كانت عظيمة، وزادتها الرشاوى للمسؤولين، وتأخر إنجازها، أو لم يتم إنجاز أي جزء يذكر منها؛ بسبب المخالفات الكبيرة الوقحة”.
ويفيد التقرير بأن “نفقا في الرياض ونظام الصرف الصحي الموعود في جدة، وحتى توسعة الحرم المكي، كلها تحت المجهر للبحث بسبب الرشاوى والأموال المختلسة، وفي الماضي كان هناك صفقات سعودية أخرى، كصفقات السلاح المربحة، التي تورط فيها شركاء أجانب”.
ويعلق الكاتبان قائلين: “أما نظام الصرف الصحي في جدة فكانت له نتيجة تراجيدية، حيث قبل رجل أعمال سعودي كبير دفعة قيمتها عدة ملايين دولار لبناء نظام صرف صحي للمدينة، لكنه زعم بأنه أنهى المشروع، وهي كذبة كانت مكشوفة حتى للعامة، حيث وقع فيضان عام 2009 راح ضحيته أكثر من 100 شخص، وكان السبب غياب نظام الصرف”.
وتلفت الصحيفة إلى أن “الحياة المترفة التي يعيشها أفراد العائلة المالكة السعودية أصبحت حديث الناس في أنحاء العالم كله، من اليخوت والطائرات الخاصة إلى البضائع المصممة والشركات الكبيرة التي تشترى وكأنها لعب أطفال، إلى الشقق الفاخرة في لندن وباريس، واستئجار أجنحة كاملة في فنادق حصرية”.
وينقل التقرير عن السفير الأمريكي السابق لدى السعودية روبرت جوردان، قوله: “واضح أنهم يعلمون أن لديهم مشكلة فساد على مدى عقود، ويعلمون أن عليهم فعل شيء”، مشيرا إلى “ثقافة الابتزاز” التي عرفت بها العائلة المالكة وغيرها من النخبة. وينوه الكاتبان إلى أن “كثيرا من المراقبين السعوديين المخضرمين وعددا من المستثمرين القلقين لا يعرفون إن كانت حملة الأمير للتنظيف هي مجرد محاولة لتكريس السلطة في يده وتهميش المنافسين المحتملين، متبعا مثالا للزعماء المستبدين، مثل الرئيس الصيني زي جنبنغ، أو الروسي فلاديمير بوتين، وكلاهما سجن معارضيه بتهم الفساد”.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحللة لدى شركة “كنترول ريسكس” في لندن، أليسون وود، قولها: “هناك مخاوف من أن ما ستؤدي إليه هذه الإجراءات هي أن تجعل الرقابة على النفقة العامة مركزية، وأن تجعل الممارسات ذاتها تستمر، لكن بين مجموعة أقل من الناس”،
وأضافت أن “الاختبار الحقيقي” للتوجه ضد الفساد هو “ليس ملاحقة هؤلاء الناس بتهم الفساد فحسب، بل الحفاظ على مقاييس جديدة للشفافية أيضا”.
ويشير التقرير إلى أنه “حتى بعض المنتقدين للأمير يقرون بأنه أحسن قراءة مزاج الشارع، خاصة بين الشباب الأقل حظا، والاستياء العام بخصوص استيلاء العائلة المالكة على الأموال، الذي يشكل تهديدا في الوقت الذي يحاول فيه جيل جديد من القيادات تجاوز مرحلة اقتصاد النفط، الذي قامت عليه السعودية، وتحولت به من صحراء إلى بلد يعج بالطرقات السريعة والمولات الراقية”.
ويستدرك الكاتبان بأن “المشكلة، بحسب الناقدين، هي أن الأمير وفرعه من العائلة المالكة هم من نظام الرعاية ذاته، الذي يجعل من تحركه ضد أخوته في العائلة المالكة ينطوي على تحديات أكبر، ويرى الناقدون له في الحملة عملية محاكمة انتقائية، يشنها شاب مدلل من العائلة المالكة، كان قد اشترى يختا بـ500 مليون دولار عندما كان في إجازة على الريفيرا عام 2015، وهو مرتبط بشركات تجارية يتوقع أن تستفيد من تغييب بعض من اعتقلوا”.
وتذكر الصحيفة أن علي الدوبيسي، الذي يعيش في منفاه الاختياري في ألمانيا، ويقود المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان، سمى حملة ولي العهد بالـ”كوميديا سوداء”، وقال: “إن هذا التحرك هو مسألة تنظيم للفساد أكثر (من أي شيء آخر).. ليكون في يد محمد بن سلمان وزمرته”.
ويذهب التقرير إلى أنه “في وقت تقوم فيه المملكة بتوثيق علاقاتها، التي كانت ضيقة على مستوى العالم، فإن الأرقام المتداولة تقلب الرأس، وهذه الأرقام ستزيد بشكل فلكي عندما تعرض أسهم شركة (أرامكو) العملاقة للبيع كجزء من التوجه نحو خصخصة الأصول الحكومية، بحسب خطة رؤية 2030”.
ويشير الكاتبان إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحاول إقناع السعوديين بتعويم “أرامكو” في نيويورك، بحسب تغريداته على “تويتر” قبيل الاعتقالات التي تمت خلال عطلة نهاية الأسبوع، وغرد بعد الاعتقالات قائلا إن بعض هؤلاء المعتقلين “حلب” بلده لسنوات، لافتين إلى أن موقف وزارة الخارجية كان أكثر حذرا، حيث أعربت المتحدثة باسم الخارجية هيذر ناويرت عن دعم الجهود في مكافحة الفساد، ودعت المسؤولين السعوديين للقيام بها “بشكل عادل وشفاف”.
وتنقل الصحيفة عن العديد من المحللين، قولهم إن على الإصلاحات أن تذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال إيجاد آليات ضبط شبيهة بتلك الموجودة في الغرب، فلا أحد يعرف حجم وطبيعة الممتلكات للعائلة المالكة، والطرق المتعددة التي تختلط فيها ثروة العائلة المالكة مع ميزانية الحكومة. وبحسب التقرير، فإنه لا أحد يعرف عدد أفراد العائلة المالكة، إلا أن العالم في مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية جوزيف كيتشيتشيان، يقدر العدد بأنه يصل إلى 20 ألف ذكر وأنثى، منهم 200 مؤثرين، ويقول كيتشيتشيان: “لا أحد يعرف حجم الثروة الجمعية (للعائلة المالكة)، لكنها ربما تكون بمئات المليارات”.
ويبين الكاتبان أن صندوق الاستثمار العام، الذي يفتقد أيضا إلى الشفافية، تقدر قيمته بـ 200 مليار دولار، مستدركين بأنه قد ينمو بشكل سريع؛ بسبب تعويم “أرامكو”، بالإضافة إلى إجراءات أخرى يعتزم ولي العهد اتخاذها. وتلفت الصحيفة إلى أنه كانت هناك لحظات صراحة على مر السنين، اعترف خلالها سعوديون بارزون بحجم التورط المالي للعائلة المالكة، إلا أنهم يبررون ذلك بأن العائلة المالكة ساعدت على بروز المملكة بصفتها قوة إقليمية وعالمية، حيث أن الأمير بندر بن سلطان، الذي كان لفترة طويلة السفير السعودي في واشنطن، قال في مقابلة مع “بي بي أس” عام 2001، إن ثلاثة عقود من التطور كلفت 400 مليار دولار، ربما ضاع ثمنها لقنوات غير مشروعة.
وتختم “لوس أنجلوس تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول الأمير: “إذا قلت لي إننا أسأنا استخدام أو كان هناك فساد بقيمة 50 مليار، سأقول لك نعم.. لكن.. هناك عدد كبير من الدول النفطية في العالم الثالث لا تزال متخلفة 30 عاما”، ثم أضاف: “نحن لم نخترع الفساد.. لقد حصل منذ آدم وحواء.. هذه هي طبيعة البشر”.
المصدر : موقع الميدان .
خليك معنا