الصباح اليمني_مساحة حرة
إنّ الناظر اليوم إلى حال قطاع غزّة بعد أكثر من عام على الإبادة، يستطيع استقراء الوضع الذي تحضّره دولة الاحتلال للناس في قطاع غزّة. بات من الواضح للجميع أنّ إعادة احتلال قطاع غزّة قد أصبح أمراً واقعاً يراه القاصي والداني. وهذا الأمر يستدعي منّا كفلسطينيين في قطاع غزّة صناعة يومنا التالي بأنفسنا وخلق فرصة جديدة من هذا الواقع الذي وصلنا إليه بعد عملية السابع من أكتوبر. هذه الفرصة علينا أن نلتقطها بشكل حقيقي آخذين العبر من تجارب الفلسطينيين التي سبقت العمليّة، ونحاول بناء أُسلوب مقاومة جديد يأتي للناس بالنفع ويبعد الضرر.
اليوم التالي، علينا تحديده كفلسطينيين لا أن يُملى علينا:
ما بين عمليّة «تطهير» الشمال وإقامة مناطق عازلة على امتداد الشريط الحدودي لقطاع غزّة، يجب علينا النظر جدياً في أنّ هذه الإجراءات من المحتمل أن تكون إجراءات دائمة لا مجرّد ترتيبات مؤقتة. خصوصاً مع الحديث المتزايد عن إعادة الاستيطان في قطاع غزّة. ورغم أن إعادة الاستيطان في قطاع غزّة قد تبدو طرحاً خيالياً أو متوهّماً، إلا أنّه يحمل بين طياته الكثير من الواقعيّة بالنسبة إلى قطاع كبير من المستوطنين في المجتمع الإسرائيلي. وهذا الواقع الجديد يستدعي منّا كفلسطينيين أن نحوّله إلى فرصة حقيقيّة للعودة إلى الوراء خطوة وتحلّل حركة حماس والمقاومة من أعباء إدارة غزّة ومسؤولياتها التي تثقل كاهل الجميع في غزّة. والتحلل من أعباء الحصار التي فرضت منذ عام 2007 على الغزيين والتخلّص من تأثيره على المجتمع الفلسطيني في قطاع غزّة. وهذه الفرصة هي الفرصة المناسبة لتحميل الاحتلال كامل المسؤولية عن احتلال قطاع غزّة من جديد. أي العودة إلى المربّع الأوّل للصراع، وهو تحميل الاحتلال كامل المسؤوليات عن الشعب المحتل. ويأتي هذا الأمر كخطوة ناجعة لفرض واقع جديد لمصلحتنا خصوصاً مع التوجّة الاحتلالي الرافض لأي كيانيّة سياسيّة-إداريّة-تمثيليّة فلسطينية بما فيها السلطة الفلسطينية. هذه الفرصة تستدعي إعادة السياسة للمجتمع الفلسطيني في قطاع غزّة دون تمثيل كياني مشوّه كالمفروض في الضفّة الغربيّة هذه الأيّام.
إنّ هذا الطرح هو الطرح الأكثر واقعيّة لحل الكثير من المشكلات التي تواجه الغزّيين الآن، وتنبع أهميته من العودة إلى الإمساك بزمام المبادرة من جديد خصوصاً بعد هذا المنعطف التاريخي الذي تمر به القضية الفلسطينيّة. وعلينا أن نقف بمسؤوليّة أمام ما يحدث الآن ونأخذ العبر من تجاربنا السابقة. هذا الطرح ليس طرحاً جديداً، فإن تحميل الاحتلال أعباء احتلاله هي خطوة كانت يجب أن تكون في وقت سابق، واليوم أصبحت هناك فرصة حقيقيّة أمامنا يجب علينا أن نستغلّها لمصلحتنا.
اللجان الشعبية كحل
غُيّبت اللجان الشعبيّة لمصلحة مؤسسات السلطة بعد اتفاقيّة أوسلو القاضية بوجود «مؤسسات» حكوميّة تُنظّم حياة الناس. وهذا التغييب كان من صالح دولة الاحتلال. فرغم وجود مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينيّة إلّا أنّه كان من اللازم الاحتفاظ بهذه اللجان وتشكيلاتها المنظّمة لقيادة الجماهير الفلسطينيّة وصناعة جسم متين يواجه الاحتلال بشكل منظّم وفعّال. هذا التنظيم لا يتعلّق في القيادة بشكل عفوي، بل وجوده مهم لتشكيل القواعد الجماهيريّة القادرة على بناء بنية تحتيّة للمقاومة والصمود. حيث وفّر أداة التنظيم هذه تاريخياً وعي جمعي فلسطيني بُنيت عليه الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة. وعليه، فإن الرجوع لبناء اللجان الشعبيّة في قطاع غزّة مهم وأصبح ضرورة الآن. ولا تكمن أهميتها فقط في التنظيم المجتمعي أو تسيير حياة الناس، بل هي تلعب دوراً حيوياً في بناء الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة. فمن جهة تلعب هذه اللجان دوراً في تعزيز الهوية الوطنيّة والتضامن المجتمعي. وتلعب أدواراً كثيرة غير التنظيم المجتمعي، فهي تنظّم المقاومة الشعبيّة أيضاً وتصنع الهيكل التنظيمي المهم في صناعة التغيير السياسي وتخفّف آثار الاحتلال على المجتمع. وتلعب هذه اللجان دوراً في التنمية.
في النهاية، من المهم جداً أن نقف بمسؤولية أمام هذا المنعطف التاريخي في عمر القضيّة الفلسطينيّة. وعلينا أن نسأل الأسئلة الصعبة لإيجاد حل حقيقي ومدروس تتكاثف فيه الجهود لتجاوز الأخطاء التاريخيّة والمؤامرات الصهيونيّة التي تُحاك ضد الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافّة.
المصدر : الأخبار اللبنانية
خليك معنا