عدن هي أول عاصمة في العالم وربما الوحيدة التي تستقبل العيد هذا العام كاليتيمة، من دون رئيس، ومن دون حكومة، ومن دون محافظ، ولا كهرباء، ولا ماء ولا مشتقات نفطية، والأهم والأسوأ والأمرّ أنها تستقبل العيد من دون راتب.
واقع من المعاناة والألم غير المسبوقين تعيشه عدن التي تنتظر العيد، وعلى غير عادتها، بوجوه عابسة وأفكار شاردة، ومناظر مؤلمة، من الطوابير الطويلة على محطات البنزين والغاز المنزلي، مع أصوات ترتفع في بيوت المدينة العتيقة والضيقة، وهي تضج بالشكوى من معاناتها مع الإنطفاءات المتكررة للتيار الكهربائي، في ظل حرارة صيف لاهب وخانق وضعف تموين المدينة بمياه الشرب، مع استمرار طفح مياه الصرف الصحي التي تغطي شوارع مختلف أحياء المدينة، وهو ما بات يهدد السكان بجملة من الأوبئة والأمراض.
لا تدري عدن التي تُعامل كاليتيمة بأي ذنب تعاقب من قبل سلطة الشرعية، التي لم تقدم لأهالي المدينة منذ تحريرها قبل عامين سوى ضروب المعاناة، وقائمة طويلة من الوعود بجنة عرضها السموات الأرض، صيفها بارد وشتاؤها ربيع مزهر.
لأول مرة تبدو عدن منهكة حزينة. فهذه المدينة التي استطاعت في تاريخها أن تصبر في وجه المحن، تجد ذاتها اليوم في حال لا يساعدها على مواصلة الصمود، بعد أن انتقلت المعاناة إلى ممارسات ممنهجة من إذلال لأبنائها، وكأن الغاية هي عقابهم لأنهم قالوا لا للمليشيات ولا للفساد، وخرجوا لأكثر من مرة في تعبير سلمي وحضاري مطالبين باحترام وجودهم وهويتهم وثرواتهم وحقهم في إدارة أنفسهم.
في عدن المدينة التي أطعمت جياعاً كثراً في تاريخها، بات الكثير من أهلها اليوم مهددين بالجوع، ولولا عزة وأنفة أهلها لوجدت الكثير منهم يتسولون في الشوارع.
صباح الثلاثاء الماضي، كنت أتحدث إلى ضابط جنوبي كبير لم يستلم معاشه منذ أشهر، قال لي بألم: «أقسم بالله أن بيتي فارغ من كل مستلزمات المعيشة بعد أن نفد كل شيء»، وأكمل: «ديوننا تراكمت لأصحاب البقالات حتى بتنا نخجل من مقابلتهم، ولا توجد معاشات، وليس هناك إحساس من الدولة بمعاناتنا…
كل الأبواب موصدة في وجوهنا، وكأن هذه الحكومة تريد إحالتنا إلى مشاريع لصوص نشبه أولئك المسؤولين الذين أثبتوا فشلهم في كل شيء، إلا بامتلاكهم مهارات فائقة في النهب والفساد». في عدن المدينة التي تنبض بالحياة رغماً عن كل شيء، يتساءل كثير من الناس من ذوي التفكير السوي ما الذي بقي لهذه السلطة من مشروعية بعد كل هذا الفشل؟ ولماذا لا تستشعر الخجل وهي ترى ملايين البشر يعذبون بسبب عجزها وفسادها؟ كما يتساءلون ما الذي يجبر شعباً عانى كل هذا الويل والفقر والجوع على كل هذا الصبر؟ ولماذا لم يخرج شاهراً في وجه هذه السلطة الفاسدة سيفه، على الأقل ليجبرها على احترام وجوده وآدميته وتضحيات أبنائه؟
كل عام وعدن والعالم بخير.