يَبدو أن عصر الانفتاح، والترفيه، ورؤية 2030، وتوجّهات العلمانية المُنتظرة في بلاد الحرمين، بدأت تَترك آثارها على السعوديين، بكافّة توجّهاتهم، وأفكارهم، سلفيين كانوا، أم وهابيين، أم ليبراليين، وهناك بالطّبع من هو مُؤيّد للانسلاخ عن ضوابط الشريعة الصارمة، وهناك من يُحذّر من مغبّة اتباع أهواء الكفّار، والدّخول في جحر ضب، كما حذّر النبي محمد الكريم في أحد أحاديثه.
هذه المرّة، يَشتعل الجدل السعودي، حول الكتب الإسلامية التي تُدرّس في مدارسهم، وعبر منصّة “تويتر” للتدوينات القصيرة، منبر السعوديين الدائم، ينطلق وسم “هاشتاق”، #دمج_المواد_الإسلامية في الفضاء الافتراضي، ويُمسي محطّةً، لنقاشٍ جدليٍّ عميق، وحتى عقيم، ويفتح صفحات مطوية، عُنوانها تأثير كتب المدرسة وتحديداً الدينية، في صناعة الفكر “الداعشي”، أو تحويل المُتدينين إلى مُلحدين، ضمن منظومة سياسية دينية حَكمت البلاد منذ أكثر من 80 عاماً.
في العربية السعودية، وكما هو مُعلومٌ لمن تلقّوا تعليمهم المتوسط والثانوي في مدارسها، تُدرّس التربية الإسلامية، ضمن أربعة مواد تأتي في كُتبٍ مُنفصلة، وهي التوحيد، الفقه، التفسير، الحديث، بالإضافة إلى مادة القرآن، وتختلف أحجام الكُتب الدينية، وتفاصيلها العميقة في الثانوية العامة، أو آخر عامين أي الصفين الثاني ثانوي، والثالث ثانوي، حيث يَدرس طالب قسم العلوم الطبيعية (العلمي) مواد دينية خفيفة، بينما يدرس طالب قسم العلوم الشرعية والعربية، مواد دينية مُكثّفة، بالإضافة إلى كُتب اللغة العربية من نحو وصرف، بلاغة ونقد، الأدب العربي، والإملاء.
وزارة التعليم السعودية، أو وزارة المَعارف، كما كان يُطلق عليها سابقاً، استمرّت في تَدريس مَناهجها الدينية الصّارمة حتى العام 2005 ميلادي، وبدأت تدريجيّاً في تَخفيف حِدّة المناهج الدينية، بناءً على تعليمات أمريكية، للحَد من الأفكار المُتطرّفة، ومُحاربة الفكر الوهابي، والمملكة كانت على موعدٍ مع سلسلة تفجيرات دموية، استهدفت مناطق تجمّعات سكنية (Compound)، حيث يقطن فيها الأمريكيين وغيرهم، ودائماً ما كانت الاتهامات، توجّه للأفكار التي تعتبر غير المسلم خارجاً من الملّة، وكافر، وهي بالطّبع مُعتقدات ساهمت كتب الدين المدرسية في صناعتها، وتَرويجها بين الشباب السعودي.
وعَبر وسم “هاشتاق”، دَمج المواد الإسلامية، كان كل ذلك الجَدل الفِقهي اللّيبرالي حاضراً، حيث طالب بعض النّشطاء والمُغرّدين، بضَرورة دَمج الكُتب الإسلامية في كتابٍ واحدٍ يَحمل اسم التربية الإسلامية كما هو مَعمولٌ به في دولٍ عربية إسلامية أُخرى، بينما عارض آخرون فِكرة الدّمج، وحَذّروا من التخلّي عن الشريعة الإسلامية، وانفراط عقدها، إذا ما تم التخلّي عن الكتب، كالفِقه والتّوحيد، والتفسير والحديث.
خالد علّق على الدّمج قائلاً: “يُدرّسوننا قَتل الكُفّار والولاء والبَراء، ويَجب مُعاداة كل شُعوب الأرض، وإذا طبّقنا ما ندرس أصبحنا دواعش، ودخّلونا السجن، ليث سالم قال: “لولا مواد الدين، ما فَقهنا شي بالدّين وما عَرفنا الحلال من الحرام”، فيصل العتيبي أكّد أن دَمج الكُتب الإسلامية قرارٌ جيّد، وفيه تخفيفٌ للنصاب، وتخفيف من وزن الشنطة والتعب على الطالب، أما حساب ألينور فسَخرت من المناهج الدينية الحاليّة، وأوضحت أنها تُعلّم أن المرأة أداةٌ للجنس، ولو رَفضت المُضاجعة، فإن الملائكة تَلعنها.
مراقبون، لا يَستبعدون أن تُقدم الحُكومة السعودية، على “دَمج” الكُتب الدينية بالفِعل، ومَسخها إلى كتاب تربية إسلامية، يَدعو إلى التّعايش واحترام الآخر، ويُحرّم قَتل الكُفّار، ويُجيز ربّما تبادل التهاني في أعيادهم، وهذا كما يرى مراقبون تماشياً مع خطّة الانفتاح، ومُتطلّبات العلمانية الحديثة، والتي يَجري الحديث عنها هذه الأيام بين الأوساط النخبوية من كُتّاب، ومُثقّفين، وصحفيين، علّها تُعيد إنتاج جيل شبابي مُعتدل، أو ربّما لا يَحمل فكراً إسلاميّاً مُتطرّفاً يُعادي الحليف الأمريكي، يقول مراقبون.