لم تُفاجئنا التسريبات التي نشرت مَضمونها عدّة صُحف ومواقع عالميّة، مثل الإندبندنت، وغلوبال، وميديل ايست أي، حول مُحادثات جرت بين مسؤولين أمريكيين سابقين والسيد يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن، حول رغبة الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، بإيجاد مخرجٍ لبلاده من الحرب في اليمن، لسببٍ بسيطٍ، وهو أن “عاصفة الحزم” التي أطلقها الأمير بن سلمان، وزير الدّفاع أيضًا، لم تُحقّق أي من أغراضها التي انطلقت من أجلها، وأهمها فَرض الاستسلام على التحالف “الحوثي الصالحي”، وإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء.
ما لَفت نظرنا في هذه التسريبات التي وثّقت مُحادثات بين السيد العتيبة ومارتن انديك، السفير الأمريكي الأسبق في تل أبيب، وستيفن هادلي، مُستشار الأمن القومي الأسبق في عهد الرئيس جورج بوش الإبن، أن السيّد العتيبة وصَف الأمير بن سلمان بأنّه أكثر شخصيّة براغماتيّة في المملكة العربية السعودية، في إطار تأكيده على رَغبة الأمير الشاب للبَحث عن حُلول للحَرب في اليمن.
الجَولة التي قام بها السيد إسماعيل ولد الشيخ، المبعوث الأممي لليمن، وشَمِلت الرّياض ومسقط وانتهت في طهران، ربّما تكون جاءت بإيحاء وبتشجيعٍ، ولي العهد السعودي، وفي إطار رغبته في إخراج البلاد من المصيدة اليمنية، لأن الحوثيين يتّهمون المَبعوث الدّولي، بأنّه رجل السعودية ويَرفضون التّعاطي معه، بينما طالب السيد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السيد ولد الشيخ بأن تكون الأمم المتحدة غير مُنحازة في الأزمة اليمنيّة لأحد الأطراف، كشرطٍ أساسي للتوصّل إلى تسويةٍ سلميّةٍ، غامزًا في قناة مَبعوثها أثناء لقائه به.
الذّهاب إلى طهران يعني الاعتراف رسميًّا وأمميًّا بها كطرف فاعلٍ ومُؤثّرٍ في هذه الحرب، وشَهِدت الأيّام والأسابيع القليلة الماضية انفتاحًا سعوديًّا على الزّعماء الشيعة في العراق، أمثال مُقتدى الصدر، وقاسم الأعرجي وزير الداخلية العراقي، والسيّد حيدر العبادي رئيس الوزراء، وهُناك تقارير أفادت بأن السيّد الصدر يَحمل رسالةً من السعودية إلى الحوثيين، فهل سيكون هذا الانفتاح مُقدّمةً لوساطة بين هؤلاء والزّعماء والحوثيين في اليمن؟
التّحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، ربّما لم يَخسر الحَرب في اليمن، ولكنّه بالقَطع لم يَنتصر فيها بعد عامين ونِصف العام من خَوضها، وباتت هذه الحَرب تُشكّل نزيفًا بشريًّا وماليًّا لدُول التّحالف التي أطلقت رصاصتها الأولى، بحيث بات الاستمرار فيما مُكلفًا على الصّعد كافّةً.
لا نعتقد أن قرار إنهاء هذه الحرب في اليمن بات في يد التحالف العربي السعودي وَحده، أي من جانبٍ واحد، فالطّرف الآخر فيها الذي صَمد طِوال عاميها، رغم إمكانيّاته العسكريّة المُتواضعة جدًّا، له رأيه الحاسم، ومُوافقته على أي تَسويةٍ سياسيّةٍ أساسيّةٍ، بل حَتميّةٍ، ولا نعتقد أنّه بات مُستعدًّا لمِثل هذه التسوية، بدون مُفاوضاتٍ مُباشرةٍ تكون السعودية والإمارات مُنخرطتان فيها ومُستعدّتان للتّجاوب مع مُعظم الطلبات اليمنية أو كُلها، في التعويضات الماليّة العادلة، وإعادة إعمار اليمن، لأن هذا التّحالف، وبكل بساطةٍ، هو الذي أحدث كل هذا الدّمار، وتسبّب في مَقتل عشرةِ آلاف يمني، وإصابة أكثر من ثلاثين ألفًا، ونشر الأوبئة (الكوليرا)، والمَجاعة في أوساط مُواطني هذا البلد الكريم المِضياف، الذي لم يَعتد على أحد، وكل مَطالبه مَحصورةٌ في لُقمة عيشٍ مَعجونةٍ بالكرامةِ وعزّة النّفس.