الصباح اليمني_مساحة حرة
حلفاء واشنطن وأصدقاؤها، هم وحدهم من يتقلبون على جمر تقلبات سياستها الخارجية، ويدفعون أبهظ الأثمان، فالإدارة الأمريكية تستخدم “قسد” حالياً كأدوات مثالية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة سواء لإثارة المتاعب لحكومة ذلك البلد أو لتحقيق أهداف أخرى مختلفة ، وفي النهاية ستتخلى أمريكا عن قوات سورية الديمقراطية كغيرها من الحلفاء الذين اعتادت الولايات المتحدة بيعهم والتنكر لخدماتهم.
وإثر غياب ملامح استراتيجية أمريكية في سورية، تدور العديد من الأسئلة في حال تخلّت واشنطن عن قوات سورية الديمقراطية (يقودها تنظيم “ب ي د”، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني)، ما الخيارات التي ستكون أمامهم؟
من دون شك، لا صداقة مع أحد تدوم ولا وفاء لأحد يستمر، هذا هو المنطق السياسي الأمريكي في التعامل مع الأنظمة الحاكمة ، منطق الغدر هذا لا يستثني أحدا، ليس فيه مكان لحليف أو صديق، الجميع سواسية، المعيار الوحيد هو المصلحة.
فعلتها واشنطن من قبل بفيتنام عام 1973، عندما سحبت قواتها لتسقط سايجون بأيدي الشيوعيين عام 1975، ثم عاودت الكرّة مع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 لتترك الشاه يتسول لجوءاً سياسياً رفضت منحه له ليعيش بمصر حتى وفاته. والانسحاب من أفغانستان بالتفاوض سراً مع طالبان، وهي الآن تحاول النفاد بجلدها من سورية بسبب اشتداد المقاومة ضدها لتترك الكرد لمصيرهم في مواجهة الترتيبات الجديدة.
على قسد أن تستيقظ، وتقرأ المشهد الراهن، بكل تحولاته، وأن تقرأ بدقة ، الصمت الأمريكي، تجاه العمليات العسكرية التركية السابقة، التي أدت إلى احتلال عفرين وغيرها بكل يسر، وتحت مرأى ومسمع من الجيش الأمريكي المرابط هناك. فأمريكا وبالقطع لن تواجه تركيا الحليف التاريخي، من أجل عيون، “قسد”، استثمرت فيها أمريكا عند الحاجة، لأن العلاقات بين الدول، هي أقوى وأهم من علاقات الدول مع الحركات المسلحة، لذلك كان على الانفصاليين الأكراد، أن يتوقعوا اقتراب زمن التخلي الأمريكي عنهم.
على المستوى الدبلوماسي، أن روسيا وإيران، الدولتين المتفاهمتين مع تركيا في (أستنا)، بشأن الحفاظ على استقلال سورية، ووحدة أراضيها، لا يمكن أن تناصران (قسد) لأنها تتحالف مع أمريكا، عدوة كل من روسيا، وإيران، كما أنها ليست على توافق تام مع تركيا.
على هذه المنحنى تسعى كل من تركيا وإيران وروسيا إلى تحقيق هدف مشترك، ألا وهو لجم الطموحات السياسية الكردية. ومنعهم من تحقيق الاستقلالية الفيدرالية ، مع رفض أي تمثيل فعلي للأكراد في المفاوضات التي تتعلق بالحل السياسي في سورية.
فضلاً عن ذلك تعد “قسد” حركة انفصالية، والتي حرمت الشعب السوري، من أهم مصادره الحياتية الأساسية، من خيرات الجزيرة السورية، سلتها الغذائية، كما عملت بالاشتراك مع القوات الأمريكية بسرقة ونهب الثروات الوطنية وتدمير البنى التحتية وتفكيك وسرقة قضبان السكك الحديدية.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين لو كانت أمريكا ترغب فعلا في مواجهة الإرهاب في سورية كما تزعم، لاختارت أسهل وأقرب الطرق إليه، ومدت يدها إلى الجيش السوري وحلفائه، والذين يرغبون في القضاء على تنظيم داعش وأدواته، أصبح ذريعة لتدخلات دولية في سورية.
ومن الواضح أن واشنطن ستبدأ عملية عودة قواتها المسلحة إلى وطنها بعد انهاء جرائمها على الأراضي السورية وستترك الشعب الكردي في مواجهة المسائل المعلقة كما تركت الشعب الأفغاني في مواجهة مسلحي طالبان. ويجب على الشعب الكردي بأكمله وقادته أن يدرك وضعهم كـ “ورقة مساومة” في أعين البيت الأبيض فيجب عليهم أن يتفهموا عدم جدوى المزيد من التعاون والمساعدة للجانب الأمريكي على أمل حل مشاكلهم، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير عملائها أبداً.
أخيراً…إننا اليوم ومن خلال مراجعة الحال السياسية للدول والأطراف التي راهنت على الولايات المتحدة في ظل أزمات المنطقة المُفتعلة، يمكن رؤية أمثلة كثيرة وجديدة، على من باعتهم واشنطن في بازار التوافقات، أو استغنت عنهم لأجل مصالح وأهداف خاصة، وهذا ما يلخص السياسة الأمريكية بشكل واضح وبسيط “المصالح الأمريكية أولا”، لذلك على (قسد) أن تعود إلى حضن الوطن، لأن الحكومة السورية هي التي ستوفر الأمن والأمان لها.
وفي إطار ذلك يجب أن يتكاتف السوريون في هذه المرحلة الحساسة وأن يوحدوا صفوفهم من أجل تحقيق الأمن والإستقرار لوطننا الغالي “سورية” والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على سورية وشعبها وبناء مستقبلها الزاهر. وفي تقديري فإنه في هذا العام سنشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
وليكن “الوطن فوق الجميع” هو شعارنا دوماً وأبداً، ولنعمل جميعاً من أجل المصلحة الوطنية في هذه المرحلة الراهنة.
خليك معنا