مقتل أربعة جُنود إماراتيين نتيجة تحطّم طائرتهم المروحيّة في اليمن، كانوا يُؤدّون مهامهم في إطار التّحالف الدّولي الذي تتزعّمه المملكة العربية السعودية، حسب بيان بثّته وكالة “وام” الرسمية وللمرّة الأولى مُنذ بِضعة أشهر، يُوحي أن الحرب في اليمن بدأت تدخل مرحلةً جديدةً من التّصعيد ومن جانب التّحالف الحوثي المُؤتمري هذه المرّة، خاصّةً أن تحطّم هذه المروحيّة تزامن على استهداف بارجةٍ حربيّةٍ إماراتية في المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر بصواريخ أطلقها زورق صغير يُعتقد أنه تابعٌ للحوثيين.
ما يُمكن استقراؤه من بين سُطور هذه الأنباء، أن هناك تركيزًا مُتعمّدًا على استهداف الطائرات والبوارج الحربية الإماراتية، ربّما بسبب دور الإمارات المُهيمن على جنوب اليمن، وهذا لا يعني أن القوّات السعودية خاصّةً في الحُدود اليمنية الشمالية باتت في مأمن.
البيان الرّسمي الذي أصدرته القوّات المُسلّحة الإماراتية، أكّد أن المروحيّة سقطت بسبب خللٍ فنّي، ولكن هناك تقارير تُؤكّد أن التحالف الحوثي المُؤتمري حصل على صواريخ جديدة، وصَنّع أخرى، وبات يُهدّد بإطلاقها على أهداف التحالف العربي، كان آخرها في منطقة المخا، وهذه الصواريخ يُمكن أن تُحدث بعض التعديل في مَوازين القِوى لصالح الطّرف اليمني في الحرب.
***
كلّما طال أمد الأزمة اليمنية، كلّما ازدادت قوّةً وفاعلية الطرف اليمني الذي تستهدفه “عاصفة الحزم” وطائراتها وصواريخها، وعلى عكس ما كان يُخطّط له التحالف العربي وجِنرالاته وسياسييه، ومن الواضح أنه بعد عامين ونصف العام نجح التحالف الحوثي الصالحي ليس في امتصاص الصّدمة، والتعايش مع القَصف فقط، وإنّما أيضًا في توسيع دائرة الهُجوم، سواء بالتصدّي لطائرات وبوارج التحالف، أو بالتوغّل في عُمق الأراضي السعودية الجَنوبية.
استعانة التحالف السعودي بقوّات التدخّل السّريع السودانية يُؤكّد هذه الحقيقة، ويَكشف عن أزمة حقيقيّة في صُفوف هذا التّحالف، ونقصًا في العُنصر البشري المُقاتل على الأرض، ولكن لا نعتقد أن هذه القوّات السودانية ستُعدّل الكفّة، وربّما يُعطي وجودها نتائج عكسيّة في ميادين القِتال، وعلى الحُكومة نفسها التي زجّت بها في آتون المعارك، وعرّضتها لاتهامات مُتعدّدة بـ”الارتزاق” من هذهِ الحرب، الأمر الذي قد يُلحق إساءةً كبيرةً بسُمعة المؤسّسة العسكرية السودانية وهَيبتها.
إرسال قوّات التدخّل السريع السودانية إلى اليمن، يُؤكّد أن خَمسة آلاف جندي سوداني جرى إرسالهم مُنذ بداية الأزمة يتردّدون في القِتال ضد أشقائهم اليمنيين، ويُفضّلون الوقوف في المواقع الخلفية، ويُطالب بعضهم بالعودة أحياء إلى بلادهم وليس في توابيت، وهذا ما قد يُفسّر إرسال القوّات السودانية “النَخبوية” في الجيش السوداني إلى اليمن بطلبٍ سُعودي.
دول التحالف العربي ارتكبت أخطاء كارثية في حرب اليمن عندما شدّدت الحِصار، وأغلقت مطار صنعاء، واستهدفت المدنيين في قَصفها، مما أدّى إلى استعداء الشعب اليمني برمّته، وإضعاف حليفها الرئيس عبد ربه منصور هادي وجناحه في الأزمة، وتصاعد التعاطف الدولي مع اليمنيين المُحاصرين الذين تَفتك بهم المَجاعة وأمراض الكوليرا.
إغلاق مطار صنعاء من قِبل التحالف وتهديد الملاحة فيه في وقت الإجازات الصيفية، ودون أي مُبرّر أخلاقي أو قانوني، يَرتقي إلى مَستوى جرائم الحرب، والقرصنة الجوية، والتعمّد في إذلال المدنيين اليمنيين، وتحويل حياتهم إلى جحيم، حتى أن المَبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ المُتّهم بالتواطؤ مع التحالف السعودي، خَرج عن طَوره، وبات يُطالب علانيّةً بفتح مطار صنعاء، ويَرفض المطالب السعودية باشتراط إشراف الأمم المتحدة على المطار قبل تحقيق هذه المطالب.
***
اللواء يحيى محمد عبد الله صالح، ابن شقيق الرئيس السابق، وأحد أبرز قيادته العسكرية، هدّد بقَصف مطارات السعودية والإمارات كرد على استمرار إغلاق مطار صنعاء، وهذا التهديد يجب أن يُؤخذ بالجديّة القُصوى، لأنه لا يوجد للتحالف الحوثي الصالحي ما يُمكن أن يَخسره، ولكن أي صواريخ تُطلق باتجاه الطائرات السعودية والإماراتية سيترتّب عليها تداعيات خطيرة جدًّا، تصوّروا لو سقط أحد الصواريخ في مطار دبي أو جدة أو الرياض، حتى لو جَرى التصدّي له وإسقاطه؟ في ظِل أزمة خليجية خانقة انعكست خسائر مادية ومَعنوية كبيرة على طرفيها، ويكفي الإشارة إلى أن طيران الإمارات خسر حوالي 80 بالمئة من أرباحه السنوية، بينما بلغت خسائر طيران الاتحاد المَملوك لأبو ظبي حوالي 1.8 مليار دولار في العام الماضي فقط.
نَظرة التّحالف العربي وسياساته الخاطئة لحرب اليمن بحاجةٍ إلى مُراجعة جذريّة، قبل فوات الأوان، وتضخّم الخسائر، التحالف الحوثي المُؤتمري لن يَستسلم، وتزداد قاعدته الشعبية اتساعًا يمنيًّا وعربيًّا ودوليًّا، بينما تتراجع قاعدة الرئيس هادي وأنصاره، وبات من النّادر ذكر اسم الرجل حاليًّا، والدّفاع عن الحَرب التي تُريد إعادته إلى السلطة.
إفتحوا مطار صنعاء، عودوا إلى مائدة المُفاوضات بحثًا عن حل يُوفّر لكم المَخارج المَقبولة من قِبل الأزمة، ويُوقف النزيف البشري والمادّي، أما العِناد فلن يُفيد، وسيُعطي نتائج كارثيّة.. والأيام بيننا.