الصباح اليمني_مساحة حرة
خلال الحرب على سورية لم يترك الأميركي جبهة إلّا وفتحها من أجل الوصول إلى غاياته في تفكيكها، ولذا عندما نعيد قراءة الحوادث في الجنوب السوري، يتبين لنا أن أمريكا ومن خلفها كيان الاحتلال الإسرائيلي، كانت دائماً تسعى الى تقسيم الدول العربية الى كانتونات، وفق انتماءات طائفية ومذهبية أو حتى عرقية، لمنع توحد هذه الدول وطرد كيان الفصل العنصري الوحيد في العالم وهو إسرائيل.
ومن هذا المنطلق، نستطيع تفسير ما يجري من أحداث تحصل مؤخراً في السويداء، بل وسبق أن حصل عدة مرات في السنوات الماضية، هذه الأحداث لم تكن عبثية أو غير مدروسة، بل هي عبارة عن سيناريو معد بحرفية كاملة من قبل أمريكا وحلفاؤها التي تعلم جيداً أن حملتها الأخيرة ضد ما يسمى بداعش هي حملة غير مؤثرة ولن تصل بها إلى نتيجة، إلا أن الهدف من ورائها هو إقناع المجتمع الدولي والعالم أن لا حل إلا بتقسيم سورية، وهو المخطط الذي دافعت عنه وما تزال بشكل مستمر.
هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوستراتيجية، تمثل الجزء الآخر من منطقة الجنوب السوري، ما يعني أهمية كبيرة للكيان الصهيوني في الدرجة الأولى، كما إن موقع السويداء الجغرافي الواصل ما بين مدينة درعا وقاعدة التنف على الحدود الأردنية- السورية- العراقية يكسب المحافظة أهمية استراتيجية، حيث كان المطلوب تشكيل حزام متماسك يحيط بالأراضي السورية المحتلة، ابتداء من الحمة السورية وجبل الشيخ حتى أراض الجولان المحتل، بالمقابل تستثمر سلطات العدو الإسرائيلي هذه الاحتجاجات، لإحياء مطالب قديمة – جديدة، مؤدّاها فدرلة الجنوب، وتشكيل إدارة ذاتية درزية على حدود فلسطين المحتلّة
إذاً هناك لعبة خطيرة وقذرة على المستوى الطائفي أدارتها “أمريكا واسرائيل” بشكل مباشر، فالأغلبية الساحقة في السويداء هم من الطائفة الدرزية التي تنتشر فوق أربعة جبال استراتيجية ، من حوران الى جبل الشيخ الى الكرمل وجبل لبنان، التي تعرضت للتلاعب على المستوى الديني والسياسي، وتم التغرير ببعض “الزعران”، كما يعرفهم اهالي المنطقة، بالإضافة الى العصابات والمهربين والمحتكرين وتجار السوق السوداء عبر ربطهم بعملاء من الدول المجاورة، وهؤلاء حملوا مطالب سياسية كالقرار 2254 والانفصال، هذه المطالب ترمي لجعل إسرائيل محور مركزي في المنطقة، وتعزز تقسيم سورية، وبالتالي إضعاف الجيش السوري واستنزاف الاقتصاد بهدف تطبيق مشروع الفوضى الذى يسمح بظهور القاعدة في سورية.
كما أجرى النائب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي “فرينش هيل” اتصالاً بالشيخ حكمت الهجري ( دام أكثر من نصف ساعة) حول مناقشة الأوضاع في السويداء متمنياً بناء علاقة وطيدة معه، وهذا يعني دخول أمريكي على خط الأزمة في السويداء بشكل مباشر.
الأكيد أن هناك من يريد تحويل هذا الحراك المطلبي الاجتماعي (تحسين الأوضاع المعيشية بعد رفع الدعم)، لحراك بسقوف سياسية غير قابلة للتلبية ومحاولة خلق الفتن ومن ثم إثارة العنف، فالوسائل الإعلامية التي تدور في الفلك الأمريكي والدول العربية التابعة له، سرعان ما بدأت الترويج والتضخيم والتهويل، من أن الوضع في السويداء ذاهب الى الانفجار.
جاءت محاولة أمريكا وحلفاؤها في تفكيك الدولة السورية ونظامها وإبداله لأسباب تتعلق بحجمها وأهمية دورها في معادلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، علاوة على ذلك ضرب ومحاصرة فكر وثقافة المقاومة، فضلاً عن إرادة أمريكا في استراتيجيتها الاقتصادية الهادفة إلى تطويق منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، لتحريك عجلة التنمية والاقتصاد المتدهور لنظامها وأنظمة الدول الغربية الحليفة لها، وهذا ما ساهم في دفع بعض الدول لانتهاز الفرصة وتعزيز طموحاتها الاستعمارية في سورية والمنطقة، وإنطلاقاً من ذلك إن ما جرى ويجري ولربما هناك أمور وقضايا أخرى أكثر خطراً يجري التخطيط لها بالخفاء، كلها تؤكد سوء النوايا الأمريكية والغربية تجاه سورية وشعبها والتي تصب في النهاية لخدمة إسرائيل ومن يسير بركابهم، فالسؤال المهم الذي يفرض نفسه هنا هو: هل ينجح الأميركيون وأدواتهم في هذا المسعى ، أم إنهم سيجبرون على عدم التدخل بالشؤون الداخلية السورية والفرار بجلودهم بفعل اشتداد ضربات الجيش العربي السوري وتعاظمها وإصرارها على إلحاق الهزيمة بالمشروع الأمريكي في سورية؟
مجملاً…. ما صدر عن مشايخ العقل في المحافظة، يؤكد أنهم يخالفون بشكل كلّي توجهات المخربين ودعاة الانفصال، ومن هنا إن التوقعات التي خططت لها أمريكا وحلفاؤها في سورية، والتي وضعت بها كل إمكاناتها من أجل تأجيج الأزمة في السويداء وتفكيك الدولة السورية ، ستكون في غير صالحها وستفشل وتسقط كل أقنعتها ورهاناتها، وهنا كلي أمل بعد هذه الفترة العصيبة أن يصبح الحوار ضرورة لا بد منها للخروج من الأزمة ونزع فتيل الاضطرابات وحقن الدماء، ومازال الأمل معقوداً على الحكماء والعقلاء للجلوس إلى طاولة الحوار.
كما إني على يقين تام إن سورية ستنهض من جديد مهما حاولت أمريكا وعملائها من دعم المسلحين المتطرفين في المنطقة وستنتصر إرادة الشعب السوري، ولا رهان سوى على وحدتنا وثوابتنا الوطنية وانتمائنا لأرضنا، والوقوف صفاً واحداً لحل جميع مشكلات الوطن وتضميد جراحه، فهو السبيل الوحيد الذي يمكن للجميع من عبور هذه الأزمة ونتائجها.
خلاصة القول…أنا كمواطن سوري، ضد فكرة التقسيم شكلاً ومضموناً مهما تعددت الأسباب والمعطيات، ولكن في المقابل فإن إيمان المواطنين السوريين بوحدتهم وإرادتهم كشعب واحد هي قائمة بحد ذاتها لا يمكن إنكارها بأي شكل من الأشكال، بدليل صمود سورية وفشل المؤامرة عليها واندثارها.
وأختم بالقول…إن خريطة التقسيم الطائفية العنصرية هذه يجب أن لا تمر لأنها أخطر من العلم الصهيوني. .. ولن تمر !