الحقيقة التي يتجاهلها كثيرون، أو لا يريدون الإعتراف بها، هي أن قوة الحق باتت مع «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، وكذلك فإنه هو وحده من يتمتع بامتلاكه حق القوة. أينما يمّم المشككون والناعقون بالشر ضد هذا المجلس الذي ولد كبيراً وجوههم، سيجدون أمامهم هذه الحقيقة ماثلة، تحاصرهم متجسدة في قوة لا يمكن تجاوزها، بأي شكل من أشكال التجاوز أو التآمر.
للمرة الأولى، أجمع الجنوبيون على كيان واحد يمثلهم، ولأول مرة فوضوا باقتناع لا شك فيه قائداً من صفوفهم منحوه كل ثقتهم، وكان عند مستوى هذه الثقة على الأقل حتى هذه اللحظة. وانعكاساً لذلك، ولأول مرة، لمس الجنوبيون أن العالم أصبح مدركاً أن هنالك قوة جنوبية حقيقية يعتقد أنها تستحق أن يحاورها، ويستمع إليها في ما يتعلق بتقرير مصير الجنوب.
يستطيع الجنوبيون اليوم أن يقولوا بفخر إنهم قد قطعوا شوطاً مهماً في طريق الوصول إلى غايتهم في استعادة دولتهم، بعد سنوات طويلة من النضال والتضحيات التي أسست لكل ما يتحقق اليوم، وإن لم تكن تحظى بالتفاتة من هذا العالم الذي أشاح بوجهه عن الجنوب وتجاهله.
يستطيعون أن يظهروا للعالم صورة مثالية في إصرارهم على بلوغ هذا الهدف، بالتفافهم حول مجلسهم هذا، والانخراط فيه حتى مع احتفاظهم بحقهم في إصلاح أي اختلالات يعتقدون أنها رافقت إعلانه، طالما كان الجميع متفقين على أن الهدف واحد. في المقابل، يمكن للجنوبيين أن يظهروا للعالم صورة أخرى بإصرارهم على الاختلاف لمجرد الرغبة في المعارضة والاختلاف، وهنا فإن المعارضين وحدهم هم الخاسرون، أما المجلس فقد انطلق قطاره ولن يتوقف إلا في محطته الأخيرة.
لا شيء يبرر بالمطلق هذه المواقف المتحفظة التي يبديها البعض تجاه المجلس، والتي، وإن لم تعطّل انطلاقته، إلا أنها قد تثير حوله بعض الزوابع. فطالما كان الجنوبيون يؤمنون بالقضية نفسها التي يؤمن بها مجلسهم الإنتقالي، فليس هناك ما يستحق كثرة التساؤلات عن لونه واسمه وما بداخله، وكأنه بقرة بني إسرائيل.
المجلس الإنتقالي الجنوبي، وكما هو اسمه، هو الكيان الذي فوضته الملايين أمام الملأ، وهو كيان مؤقت، الهدف منه تحقيق هدف معين ينتهي بانتهاء المرحلة التي ينتقل بها الجنوب من مرحلة الضياع الحالية إلى مرحلة الدولة المنشودة.
وكما هو واجب على المجلس الإنتقالي الجنوبي أن ينفتح على الآخر الجنوبي، ويتقرب إليه، وأن يعترف بأي أخطاء رافقت أو ترافق عمله، فإنه يقع على القوى الجنوبية التي لم تلتحق به بعد رغم اتفاقها معه في الهدف، أن تبادر إلى مد يدها، وأن تدرك أن الأخطاء والتباينات موجودة، لكنها لا تساوي شيئاً أمام الصواب الذي يرافق عمل المجلس، ناهيك عن أن نقاط الإلتقاء والتوافق تتجاوز كثيراً جداً نقاط التباين.
صحيح أنه من المهم أن يضم المجلس قوى وشرائح المجتمع المختلفة، لكن الأولى والأهم والأسلم أن يضم ويلتئم مع الشركاء الأصليين في النهج والهدف ذاته منذ انطلاقة مارد الحراك والمقاومة بعد سنوات قليلة جداً من اجتياح الجنوب واحتلاله. وهذه مهمة هؤلاء الشركاء، والتي ينبغي أن ينجحوا في إنجازها.