الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
رغم ان الكثيرين لا يعلم عنه الكثير الا انه طراز معماري فريد تميز بمفرداته وخصائصه الرائعة العمارة اليمنية تلك العمارة والحضارة التي تضرب بجذورها في التاريخ.
الطراز المعماري اليمني ينفرد عن غيره بطابع خاص ذي سمات فنية وتنوع هندسي فريد يغري ناظره بالتأمل طويلاً لمبانيه التي تشع منها مسحة جمالية توشي ثوبها خضرة مستديمة ، وتمثل اليمن نمطاً معمارياً متفردا في العالم القديم، ، وتتجلى هذه العمارة في صنعاء القديمة، وصعدة، وشبام، وثلا وغيرها من المدن اليمنية الآهلة بالحضارة،وتعد مدينة صنعاء القديمة واحدة من اكبر مدن العالم القديم التي لا تزال قائمة وقد صنفت كإحدى اكثر عواصم العالم تميزا بطابعها المعماري الفريد الذي جعل منها درة من درر التراث الإنساني والعالمي.إذ تضم المدينة سلسلة مترابطة متلاصقة من المنازل والمعالم القديمة تقدر بـ14 ألف منزل أثاري قديم على مساحة تقدر بـ3700 مترا.
مدينة شبام |
مدينة صعدة |
والناظر إلى المدينة أو الزائر لها يدرك من الوهلة الأولى، اللمسات الخاصة لإبداع فن العمارة ،التي تستشف ببساطة من تلك المقاييس الدقيقة، وذلك التناسق العجيب في الزوايا والمقاطع المختلفة التي يتألف منها البناء، إضافة إلى ذلك الاستعراض الممتع لشتى فنون الزخرفة الحجرية والطوبية والجبسية، التي حولت واجهات المباني والمنازل القديمة إلى تحف فنية شديدة الإتقان.
إن أهم ما ميّز عمارة اليمن القديم هو تعدد وتنوع موارد تقنيات البناء على امتداد الأرض اليمنية، فتوافر المواد الخام من أحجار وطين واختلاف المناخ والطبيعة الجغرافية والجيولوجية قد أدى إلى انتشار تقنيات مختلفة للبناء، ولتقنيات البناء طرق وأساليب عدة، تجتمع معاً في الكثير من الخصائص وتتباين بشكل محدود وفقاً لعامل التأثر الطبيعي « المكاني » من ناحية والنوعية الوظيفية للمنشأ أو المبنى وأنظمة التصميم المعماري من ناحية أخرى، وأهم تقنيات بناء جدران المباني:
1 ـ بناء الجدران بالحجارة غير المشذبة ودون استخدام مونة ربط.
2 ـ بناء الجدران المزدوجة بالحجارة غير المشذبة ودون استخدام مونة ربط.
3 ـ بناء الجدران المزدوجة بالحجارة المشذبة المرتدة ودون استخدام مونة ربط.
4 ـ بناء الجدران المزدوجة بالحجارة المصقولة ودون استخدام مونة ربط.
5 ـ بناء الجدران المزدوجة بالحجارة المصقولة وربطها بحجارة منحوتة كهيئة الأسفين أو باستخدام مونة ربط.
6 ـ بناء الجدران بالحجارة غير المشذبة باستخدام مونة ربط.
7 ـ بناء الجدران بقوالب الطين المجفف بالشمس « الّلبن » باستخدام مونة ربط.
8 ـ بناء الجدران باستخدام هياكل خشبية تُملأ بالطوب الطيني وملاط الطين.
اهم مفردات العمارة اليمنية :
المباني الطينية :
تميزت العمارة اليمنية القديمة باعتمادها على الطين كمادة أساسية في البناء والتشييد ولم يكن ذلك اعتباطا ولكن لاسباب لها مدلولاتها في تأكيد خبرة ومهارة وتفرد البناءون اليمنيون القدامى ، إذ ان الطين أساساً ناتج عن تحلل الصخور النارية، وهو لذلك مركَّب من دقائق صغيرة متبلورة من سيلكا الألومونيوم، ومن خواصَه الطبيعية اللزوجة عند إضافة الماء إليه، أما لون الطين فيعتمد على المركبات المعدنية المكونة له ؛ ولذا نراه يتدرج من الأبيض الفاتح إلى البني الغامق، ويبلغ وزن الطين ما بين 1400 إلى 1800 جرام في المتر المربع حسب درجة التماسك .كما يعد الطين من أفضل المواد العازلة للحرارة ويتكون النقي منه أو ما يطلق عليه “الصلصال” من حوالي 46.5 بالمائة من سيلكا الألومونيوم ( ثاني أكسيد السيلكون )، و 39.5 بالمائة من ثلاثي أكسيد الألومونيوم، بالإضافة إلى حوالي 14 بالمائة من الماء، فهو تشكيل معقد من السيلكون والألومونيوم والهيدروجين.
و يظهر استخدام الطين في الكثير من المدن اليمنية لاسيما في صعده و مأرب وحضرموت وشبوه والمهره والبعض منها لا يزال موجودا في صنعاء التاريخية وحول محيطها مثل الروضة – سنع وقد تميزت مدينة شبام حضرموت بوجود ناطحات السحاب الطينية ، وهو أسلوب بناء قلما يتكرر وأدرج ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي بعد أن قادت اليونسكو حملة دولية لصيانة مدينة شبام عبر قرار اتخذته بهذا الخصوص عام 1980م.ومن أهم تقنيات البناء اليمني القديم نشأة وتطور البناء البرجي باعتماد القطب – Core – كتقنية أساسية في تقنيات البناء، والتركيب للمباني البرجية العالية « متعددة الطوابق » وهناك العديد من القصور ترتفع إلى سبعة أدوار ويصل ارتفاع كل دور منها إلى ثلاثة أمتار تقريباً كما في القصر الملكي في شبوة، وفي مستوطنة ريبون، وقصر غمدان، ويعود أقدمها إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتشكل نماذج لهذه التقنية اليمنية القديمة التي تتمثل الآن في ناطحات السحاب الحديثة، ويرجح أنها أخذت عن العمارة اليمنية القديمة بطرز عمارتها البرجية .
القمرية :
وظهرت كأحد العناصر الوظيفية والجمالية في العمارة اليمنية في وقت مبكر على هيئة قرص دائري أو نصف دائري شفاف من حجر الالباستر بسمك 1سم . بينما كان المرمر يستخدم حتى العقد الثالث من هذا القرن حينما بدأ يظهر الزجاج في مدينة صنعاء في القمريات الجصية التي طعمت في بداية الأمر بالزجاج الأبيض ثم بالزجاج الملون وأصبحت لوحات فنية غاية في الإبداع والجمال لا يكاد يخلو منها مبنى في العاصمة صنعاء سواء أكان المبنى قديما أم حديثا .
لقد رافق تطور القمرية ظهور القمرية المزدوجة التي هي عبارة عن قمريتين منفصلتين بينهما مسافة من 16 إلى 20 سم إحداهما مطعمة بالزجاج وتكون من الداخل والثانية بدون زجاج وتكون من الخارج وقد بدأ الآن استخدام الزجاج للقمريتين الداخلية والخارجية معا. والوظيفة الأساسية للقمرية هو إدخال الضوء الطبيعي إلى داخل الغرف وإضفاء مسحة جمالية على المبنى من الداخل والخارج .
الشاقوص :
يمكن أن يطلق على الشاقوص اسم المكيف الطبيعي لأنه يقوم بهذا الدور على أكمل وجه وهو عبارة عن فتحة طويلة في أعلى جدران الغرفة وعلى مستوى القمرية وبأبعاد 20*50 سم تقريبا تفتح في الصيف ووظيفتها تجديد هواء الغرفة والسماح بمرور تيار نسيمي فيها.
الشاقوص هي تلك الفتحات الصغيرة التي توجد على جانبي القمرية |
المشربيات الخشبية:
وهي على شكل نسيج خشبي بأشكال زخرفية جملية ومتعددة الألوان تثبت على النوافذ الخارجية للمبنى فتضفي عليه مسحة جمالية مميزة وتحجب الرؤية عن المارة في الخارج وتيسرها للإحراج لمن في الداخل وتجدد هواء الغرف ثم تبرد مياه الشرب في الأواني الفخارية أو الجلدية التي توضع فيها و منها كذلك الشباك الخارجي المبني من مادة الياجور – الطوب اللبن والتبن المحروق في الافران التقليدية والمطلية بطبقة كثيفة من الجير الابيض – ومن هنا جاءت تسميتها بهذا الاسم أو ما يعرف باللهجة المصرية المشربية. يشيع وجودها في صنعاء بكثرة وفي المدن الساحلية وشبام وحضرموت مع وجود لها والمدن الأخرى في اليمن.
اشكال متعددة للمشربيات الخشب في اليمن |
النوافذ الكاذبة :
الانسجام والتناغم بين مستويات المبنى الرأسية أو الأفقية، إحدى مميزات العمارة اليمنية والتي توجد في الفتحات الجانبية للنوافذ والشبابيك. والنوافذ الكاذبة أسلوب اتخذ منذ القدم لمعالجة المسطحات في واجهات المباني والتي تظهر على شكل نافذة حقيقية بينما هي مجرد إطار كامل لنافذة مغلقة بالحجر أو الياجور ، تتخللها فتحة أو أكثر. ويتفاوت منسوبها مع بقية المناسيب ليعطي إيحاء بوجود نافذة وتسمى نافذة ميتة أو كاذبة .
المدل ( مبرد الماء ) :
لا تكاد ترى مسكنا في مدينة صنعاء القديمة يخلو من المدل الذي هو عبارة عن بروز على واجهة المبنى مرتكز على كتفين من الأخشاب أو الحجر يوضع عليهما مربوع خشبي يبنى عليه بالحجر أو الياجور بشكل فني يظهر من الخارج بشكل مشربية خلفه فراغ يعلق في الجزء العلوي منه لوح خشبي تتدلى منه سنانير تعلق عليها أواني الماء . وكون المدل المصنوع من الفخار يوضع عادة في الاتجاه الشمالي ( القبلي ) من المبنى أو المنزل المتميز بالبرودة فإن المياه الموضوعة في تلك الأواني تبرد بشكل سريع ودرجت العادات والتقاليد ( الصنعانية ) على أن يكون الماء مبخرا لإضفاء نكهة عليه يتحسسه كل من يتذوقه وهو أحد الطقوس المكملة لجلسات القات .
السنانير التي تعلق عليها اواني الماء |
زخرفة الواجهات :
الأشكال الزخرفية المتعددة التي تتردد في واجهة كل بيت تجعل العمارة اليمنية متميزة .فالحزام اليمني بخطوطه المتكسرة الذي يختتم كل بيت والقمرية الزجاجية الملونة التي تعلو كل نافذة يكاد لايخلو منها أي بيت يمني :كأنما هما لازمتان موسيقيتان تتردان بعد كل جملة موسيقية بإيقاعات خلابة دونما رتابة تستدعي السأم والملل. فالبنايات العريقة وناطحات السحاب كانت بوابتها المصنوعة من الخشب عبارة عن تحفة فنية ذات أيقونات مخروشة موزعة بإحكام بعضها يتخذ الوردة تارة ، ثم وردة ومربع معا ؛كأنها نوته موسيقية بعلامات حجرية تتحول الورود والدوائر والمربعات والأقواس إلى بستان. أما البيوت الفخمة فإن واجهاتها تستقي من فنون العمارة الإسلامية مما يثير الدهشة ويدعو إلى الإعجاب .
المفرج:
وظيفته استقبال الضيوف ويخصص للمناسبات الاجتماعية والجلسات الفنية ويتحول في كثير من المناسبات إلى منتديات فكرية وسياسية وهو عبارة عن غرفة في الأدوار العليا من المباني اليمنية تطل على أجمل المناظر المحيطة بالمسكن من البساتين وتتوزع على سقفه الزخارف والنقوش الجصية ذات الأشكال الدائرية ( المعاشر) والرفوف (الأصفف) المستطيلة بين جدرانه الأربعة وتضفي الأواني النحاسية الموضوعة عليه لمسة جمالية تبعث في النفس البهجة والانشراح. وتتسع نوافذه بحيث يستطيع القاعد مشاهدة المناظر المحيطة به دون تعب، وتزين تلك النوافذ بالقمريات الجملية بأشكالها الهندسية والنباتية خاصة عندما تنعكس أشعة الشمس من خلال القمرية وتتحول إلى ألوان قوس قزح.ويلعب المفرج الذي اتخذ تسميته من التفرج دورا مهما في حياة المجتمع اليمني ففيه تعقد الجلسات الفنية والأدبية والاجتماعية الخاصة برب البيت وكل المقربين إليه.
تهوية المطابخ :
المطبخ اليمني التقليدي جاء ليلبي احتياجات الفرد بأساليب محلية ومتميزة فقد وضعت فتحات على أشكال قبو فوق مواضع الطبخ بالإضافة إلى فتحات أخرى على الجدران الجانبية وبمجموع تلك الفتحات يتحقق الغرض في طرد الدخان وأبخرة الطبخ وتجديد الهواء ولم تخل واجهات المطابخ من إبداعات لمعالجات مواضع الفتحات على واجهات المطابخ بشكل يحقق الوظيفة والجمال التلقائي الذي يبدو واضحا للعيان من الواجهة الخارجية للمبنى .
لقد اجمتعت هذه العناصر والمميزات جميعا لتنتج عمارة مميزة وعريقة متاثرة بجذورها التاريخية ولكن مع التطور العمراني وتطور تكنولوجيا البناء والتوسع العمراني والزيادة السكانية بدأت العمارة الحديثة تاخذ طريقها في الانتشار داخل اليمن ونجد أن العمارة الحديثة في اليمن اتجهت اتجاهين مختلفين في تكوينها وهيئتها (الطابع المعماري) من حيث الشكل والوظيفة للأبنية وأيضا من حيث استخدام مواد البناء الحديثة، ويمكن تلخيصهما على النحو التالي:
– عمارة حديثة تختلف جذريا عن العمارة التقليدية والتراث الفني المعماري في اليمن ومن كل النواحي المختلفة سواء الشكل أو الوظيفة والاقتباس الكلي أو الجزئي لكل ما هو مستورد من العمارة الخرسانية.
– العمارة الحديثة التي تعتبر امتداد وتطوير للعمارة التقليدية ولكن بطراز حديث ونمط متطور وكذلك بمواد بناء حديثة ومتطورة مع الحفاظ على التراث المتميز والفن المعماري اليمني العربي والإسلامي. وإنشاء عمارة حديثة تتناسب مع التغيرات التي طرأت على المجتمع وتتلاءم مع البيئة المحلية والعادات والتقاليد.
ومع كل هذا يجب التعامل مع هذا التطور والتوسع العمراني على أساس التكامل والانسجام التام بين الطبيعة المحلية والنهضة العمرانية الحديثة، وعدم الانجراف إلى التقليد والنسخ من عمارة مستوردة ذات طابع معماري يختلف عن بيئتنا المحلية، حيث نجد أن بناء الإنشاءات الخراسانية في البلدان الحارة لا يعالج تأثير الطقس الحار على الخرسانة ولا يدرس ما تفقده من مميزات أساسية مثل: القوة، المقاومة، ومميزات أخرى من مميزاتها.
ونترككم مع رحلة ممتعه لليمن الجميل
المراجع :
- الدكتور/محمد حمود أحمد الكبسي .
- الدكتور / احمد ابراهيم حنشور .
- منتدى ابو شمس .
- مدونة ابن سبأ .
خليك معنا