فجأةً.. بدأ الكثيرون يتحدّثون عن دَورهم في تحقيق الانتصار الكبير الذي تحقّق في القدس المُحتلّة، وتمثّل في رُضوخ السّلطات الإسرائيليّة، وإذعانها، وإزالة البوّابات الإلكترونيّة التي زرعتها في بوّابات المسجد الأقصى للتجسّس على المُصلّين، ابتداءً من السلطة الفِلسطينيّة، ومُرورًا بالعاهل السّعودي، وانتهاءً بما قيل أنّه صفقةٌ أردنيّة.
نقولها وبصوتٍ عال، ومن على صَدر هذا المِنبر “رأي اليوم” أن من حقّق هذا الانتصار كُلّه، ودون أي نُقصانٍ، هم أهل الرّباط في المدينة المُقدّسة، الذين وقفوا وقفتهم الشجاعة الراسخة، ورَفضوا كُل الحلول الوسط، وتصدّوا لقوّات الاحتلال وأجهزتها القَمعيّة، برباطة جأش افتقدها، ويَفتقدها كل الزّعماء العرب وجُيوشهم الجرّارة دون أي استثناء.
من قدّم الدّماء دِفاعًا عن القُدس وهويّتها العربيّة الإسلاميّة، هُم المُرابطون الأبطال نساءً ورجالًا وشُبّانًا وأطفالًا، هؤلاء هم الذين أجبروا بنيامين نتنياهو المَغرور المُتغطرس الإرهابي على التّراجع عن قراراته ومَواقِفه الإرهابيّة، وحرّروا المسجد الأقصى من بوّاباتِه الإلكترونيّة وحواجز جُنوده.
الذين فشلوا أو أفشلوا اجتماعًا إنشائيًّا تضامنيًّا لوزراء الخارجية العرب في جامعة ذليلة معزولة ومُهمّشة لا يَحق لهم أن يتمسّحوا بالمسجد الأقصى والقُدس المُحتلّين، وأن يدّعوا النّصر، أو الوقوف خلفه، أو مُشاركة أهل الرّباط فيه، فإذا كان الحِصار الإلكتروني والعَسكري قد تم رفعه، فذلك ليس بسبب أمريكا وتدخّلها، أو نتيجة اتصال هذا الزّعيم أو ذاك، ولا بـ”تهريب” السلطات الأردنية للإرهابي القاتل وأعضاء السفارة الإسرائيليّة في عمّان، وإنّما بسبب الوقفة البطوليّة لأهل القُدس والمُدافعين عنها وكرامتها ومُقدّساتها بدمائهم، واستعدادهم الرّاسخ بالمُضي في المُقاومة حتى نُقطة الدم الأخيرة، وخَوف جميع هؤلاء، أمريكا وإسرائيليين وعَرب، من الانفجار الكبير الذي كان مُتوقّعًا من جراء انتفاضة الكرامة هذه على دولة الاحتلال وعَرب التّخاذل.
لم يُدن زعيم عربي واحد هذا الإرهاب الإسرائيلي في القُدس المُحتلّة، والتطاول على المسجد الأقصى، خوفًا ورُعبًا من غضب “الصديق” نتنياهو، ولم يُصدر بيانًا واحدًا ولو على استحياء من “التحالف العربي” أو “الحِلف الإسلامي”، فإذا كانت القُدس وأقصاها لا تستحق بيانًا من “حِلف الضرار” هذا، مُجرّد بيانٍ إنشائي فمن يَستحق إذاً؟
أهلُ الرّباط في القُدس المُحتلّة لا يَحتاجون أحلافكم، ولا جُيوشكم، ولا قواعدكم العسكرية، ولا طائراتكم الأمريكيّة الحديثة المُتطوّرة التي لا تقتل إلا أهلنا في اليمن، لقد سقطتم في اختبار الكرامة مرّةً ثانية وثالثة ورابعة.
اتركوا القُدس لأهلها الرّجال.. اتركوا البيت للذين يَحمونه بدمائهم وأرواحِهم، فأنتم لستم أهلًا له، لأنّ ضمائركم جفّت، هذا إذا كانت موجودة أصلًا.. وبتّم أقرب إلى إرهاب المُحتل مِنكم إلى تضحيات وأخلاق وشهامة ورباطة جأش أهل الرّباط.
أنْتم الزّبد الذي يَذهب جفاء.. أمّا ما ينفع النّاس فيَمكث في الأرض، ويتمثّل في قِصص البطولة والصّمود في الدّفاع عن المُقدّسات التي سطّرها هؤلاء الذين لم تَغمض لهم عين، وهم يُرابطون أمام بوّاباتها، وقد حوّلوا سجّادات صلاتِهم إلى أكفانٍ لهم ولشُهدائهم، ولله درّهم.