عندما تختلف – سياسياً – مع أحدهم، فمن المنطق أن لا تدخل الله والشيطان، والتاريخ والجغرافيا، ولون الشعر والعينين، ونوع الجينات الوراثية… في المسألة. إلا إذا كنت «إخوانياً»! مع «الإخوان» تتجاوز الخلافات السياسية حول المصالح حدودها الطبيعية، ويصبح الاختلاف الروتيني صراعاً دينياً طائفياً مناطقياً عرقياً وجودياً سرمدياً… لا حل له إلا باجتثاث الآخر واستئصاله!
تماماً كما في موقفهم وخطابهم تجاه «الحزب الإشتراكي اليمني» إثر الوحدة اليمنية 1990م، الصراع السياسي الخالص بين شريكي الوحدة حينها، تحول على يدهم إلى صراع بين حق وباطل، وكفر وإيمان، وصولاً إلى إعلان الجهاد والإفتاء بجواز قتل الأطفال والنساء والشيوخ!
خلال هذه السنوات العصيبة الأخيرة فقط، أتخم «الإخوان» الوعي واللغة السياسية اليمنية بالكثير من المصطلحات والمفاهيم والممارسات العنصرية، ما انحرف بالوعي والأداء السياسي عن مساراته البناءة، إلى ما نعرفه من التهافت والتناحر والفشل والعدمية.
المصطلح العنصري المناطقي: «الهضبة»، والمصطلحات الطائفية الدينية التكفيرية: «زيود، مجوس، روافض»، والمصطلح القومي: «الفرس»، والمصطلح السلالي العرقي: «قريش، بنو هاشم»… لم تدخل معجم السياسة اليمنية، سوى في عهدهم هذا الغوغائي الراهن.
في الواقع، تمّ أحياناً، خلال آلاف السنين من التاريخ اليمني المثخن بلعنة الحروب الأهلية، إلباس الصراعات السياسية لبوسات دينية وطائفية زائفة.
لكنها كانت حالات شاذة عابرة. فيما الغش في اللعبة السياسية، بجلب أوراق مضروبة من خارجها، واللعب بقواعد مفتعلة لا تنتمي لها، أصبح الآن، بفضل «الإخوان»، ظاهرة منهجية سائدة.
أما لماذا؟ فكما في كل الأعمال المشبوهة، تتضمن القضية ابتزازاً ومكاسب غير شرعية، ودعاية شعبية وتلاعباً بالحشود، وميكيافيلية فجة. لكن في النهاية، كالعادة، يخسر مزيفو النقود كل شيء، بجانب خسارة أولئك الذين يتداولون عملاتهم المضروبة.
منذ بداية القرن الماضي، وخلال كل الثورات اليمنية 48، 55، 62م، لم تحاول أيٌّ من فصائل المعارضة الثورية، على كثرتها، استخدام السلاح الطائفي أو العرقي، أو المناطقي، ضد النظام الإمامي البائد.
كان ذلك سيلوث قضيتهم العادلة، ويحبط كفاحهم الشريف والطويل والمحموم الذي انتهى بانتصار ثورة 1962م المجيدة، بعكس ما آلت إليه، بفضل «الإخوان»، الاضطرابات الثورية خلال وإثر 2011م.
منذ البدء تقريباً، امتطى «الإخوان» ذلك الاندفاع الثوري النبيل، وبالتدريج المتسارع انقلبوا على كل قيمه ومرتكزاته الثورية المبدئية، في تفاصيل معروفة طويلة خلاصتها أن الثورة الشبابية السلمية، المطالبة بدولة مدنية حديثة، لم تعد ثورة ولا شبابية، ولا سلمية، ولا مطالبة بدولة مدنية أو حديثة.
قبل ذلك، ودائماً، جرت في النهر اليمني مياهٌ ودماء كثيرة، لكن لم تجرِ في لغة اليمنيين، ولا في أذهانهن، نزعات عنصرية زنيمة، كما في شعار «لا زيود بعد اليوم»، هذا الذي رفعه «الإخوان»، لأول مرة في تاريخ اليمن، ضد الحوثيين، على حساب ألف شعار وشعار مدني خلاق للمعارضة والتنديد بالتمدد العسكري الحوثي.
طوال التاريخ، كان الفرقاء اليمنيون رجالاً كباراً، يختلفون كفرسان نبلاء. يتقاتلون بشرف، وينتصرون بشهامة، وينهزمون كأبطال، دون أن يفرطوا في القيم الجامعة، والوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي.
حتى جاء «الإخوان»، إخوان اليمن، كعينة نموذجية لكل فصائل هذه التنظيم الدولي، وهذا التنظيم كعينة نموذجية لكل الجماعات الراديكالية ذات الخلفيات العقائدية، والمشاريع الثيوقراطية الشمولية، التي من المؤكد أنها ستذهب كما أتت، لكن سيحفظ لها التاريخ إنجازاتها المدمرة في تزييف الوعي، والانحطاط بالأداء، وتلويث الحياة واللغة السياسية بكمٍ هائل من المصطلحات والمفاهيم والممارسات العنصرية المقيتة.