من دمعة الأب المكلوم إلى دمعة العروس الأرملة، فبعد وقفتنا القصيرة مع الغنائية البكائية “أنها اليمن ياولدي” في الموروث الغنائي التركي ها نحن مع وقفة سريعة أمام بكائية أخرى لعروس تركية خطفت منها مخالب الموت الزوج والحبيب قبل انقضاء شهر العسل.. فلم تصدق المسكينة فقدانها للزوج والحبيب الذي قذفته ريح الامبراطورية العثمانية إلى اليمن، تحت رايتها الحمراء بلون الدم، وإن زينها الهلال على أصوات طبول الحرب بدلاً من أن تمنحه وعروسه مكافأة وإجازة في إحدى الجزر الجميلة.
لا أدرى هل العروس ألأرملة من كتب تلك الغنائية الميكية أم كتبها شاعر بلسانها المهم لقد كانت معبرة عن مآس كثيرة تجسدت في مأساة ولا زالت تتناقلها قلوب الأتراك من جيل إلى جيل وتحتل مكانتها حتى في الحفلات الفندقية.
عنوان الأغنية “من أرض الروم” بما يوحى أنها موجهة إلى أرض اليمن ولكني بعد سماعي لها بصوت مطربة تركية اخترت لها عنوانا آخر إن سمح لي شاعرها وهو “لا أصدق موتك” وهو عنوان مستوحى من الأغنية ذاتها.
إنها لم تصدق أن من تحب قد مات رغم علمها علم اليقين أن من يذهب إلى اليمن – غازيا أو محاربا لا يعود، إنه الحب والتعلق بالأمل وهول المصيبة الذي لا يصدق.
تأملوا معي هذه المسكينة وهي تخاطب عروسها أو زوجها إلى قبره وبشيء من العتاب وتقول له: أظننت أن الطبول التي تقرع للحرب طبول عرس وفرح ؟!! أظننت أن الرأية الحمراء التي تقف تحتها عروس ستزف إلى من يعشقها؟!! أظننت أن من يذهب إلى اليمن سيعود إلى أهله سالما غانماً؟!!
يقول المقطع الأول من هذه الأغنية الحزينة.
إنه نفير الحرب
هل ظننت أن هناك عرساً؟
أظننت أن الرأية الحمراء عروس؟!!
أظننت أن من يذهب إلى اليمن.. يعود ؟!
وبعد هذا العتاب المبطن تفصح عن عدم تصديقها لفراقه الأبدي قبل أن ينقضي شهر العسل حيث تقول
عُدْ، عُدْ
فلا أطيق الفراق
لقد أصابني الإعياء
عُدْ
لا اصدق موتك”
بعد هذا المقطع المؤثر يأتي مقطع آخر يذكر الحبيب –الذي لم تصدق أنه مات بيوم الوداع وتعاتب وتشكو من فرق بين حبيبين حديثي الزواج وتقول:
ودعتك ذاهبا إلى اليمن
تحمل مسدسين في خصرك
ولكن عجبا كيف يتم الفراق؟!
والغياب عن عروس حديثه؟!
أيظنون أن من يذهب إلى اليمن
سوف يعود؟!!!
انتهت
هذا نموذج من بكائيات أرامل أرض الروم فهل سيتمكن القمع والبطش وتكميم الأفواه في نجد والحجاز من وأد بكائيات الأرامل والتكالي كما كانوا يئدون البنات، وهل سيحاكي طاغية السودان أسياده النجديين في ذلك ؟ لا نعتقد فالشاعر يقول:
أتعلم أم أنت لا تعلم
بأن جراح الضحايا قَمُ