غريب وعجيب هو أمر أهل القدس، فهم لا يكلون أو يملون من إثارة القلاقل وافتعال المشاكل مع أبناء عمنا الصهاينة الأفاضل، الذين يعاملونهم بمنتهى اللين والهوادة والأخوة! والمستفز والمغيظ أنهم دأبوا على تأزيم الأوضاع لأسباب بسيطة واهية لا تستدعي الغضب أو حتى العتب، مثل منعهم من الصلاة في المسجد الأقصى، أو وضع بوابات كهربائية تنظم دخولهم إليه!
سامحهم الله وغفر لهم!
فهم لا يعلمون أن إسرائيل لم تمنعهم من الصلاة في المسجد، إلا لوقايتهم من الحر الخانق بسبب نقص المراوح والمكيفات في الداخل، وأنها لم تضع تلك البوابات الصديقة، إلا لتدريبهم على النظام، بعد أن سرت بعض الشائعات المغرضة بأنهم لا يحترمون النظام والطوابير! حقًا: خيرًا تعمل شرًا تلقى!
من المؤسف فعلًا أن أهل القدس يبدون كالقطط الأكّالة النكّارة؛ إذ لا يقدّرون النعمة التي يتمرغون فيها. ألا يكفيهم أنهم ما يزالون على قيد الحياة! وعلى أرضهم، بالرغم من أنهم تحت الاحتلال!
ألا يرون ما يحل بالمشاكسين ومثيري الشغب والمحرضين ضد القوى الحاكمة من إخوتهم في المدن العربية من المحيط إلى الخليج! حقًا إن الإنسان لظلوم جهول! عليهم أن يقبّلوا أياديهم ظاهرها وباطنها، بل أن يقبّلوا الأرض وأن يحمدوا الله على ما هم فيه رفاه، ولكن يبدو أن الدلال من جانب قوات الاحتلال قد أفسدهم، فهم يملكون حق الصراخ والاحتجاج والتظاهر، فماذا يريدون أكثر من ذلك! في الوقت الذي يحرم أقرانهم في كثير من بلاد العربان من مجرد فتح فمهم إلا عند طبيب الأسنان، بل قد يذهب أحدهم إلى غياهب السجن لمدة خمسة عشر عامًا كاملة لمجرد إبداء التعاطف الضمني مع أبناء بلد عربي آخر!
على الفلسطينيين أن يشمّوا قليلًا وأن يتوقفوا فورًا عن تسخين الأجواء وإقلاق راحة قادة الأمة، وخاصة في هذا الصيف الملتهب الذي وصلت درجات الحرارة فيه إلى معدلات غير مسبوقة. فأصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة، وأحدهم لا يكاد يطيق زوجاته، وحتى خليلاته، فلا تزيدوا من أعبائهم الباهظة بمشاكساتكم الصبيانية العبثية. فهم يخططون ويتأهبون ويعدون العدة لشد الرحال والسفر للتصييف على شواطئ أوروبا، كي يرفه المساكين عن أنفسهم قليلًا ويتخففون من أحمالهم الثقيلة ومواصلتهم الليل بالنهار، وهم يفكرون ويعملون ويشقون ويكدّون من أجل نهضة الأمة ورفعتها واسترداد حقوقها السليبة. وليس من الذوق والكياسة والنبل أبدًا التنغيص عليهم، وربما التسبب في تعطيل مخططاتهم البريئة المشروعة للترويح عن أنفسهم بعض الشيء! والله عيب يا معاشر الفلسطينيين!
متى سترتقون يا أهل القدس، وتصبحون على قدر المسؤولية، وتتعلمون أصول وإيتيكيت الخضوع للاحتلال؟ نعم، فالأمر ليس شوربة أو سَلطة أو فوضى يا جماعة الخير، والأمور ليست سائبة أبدًا. فللخضوع للاحتلال آداب ومبادئ وقواعد لا بد من أن تتعلموها، حتى لا تستمروا في فضحنا بين الأجانب، وتسويد وجوهنا أمام المحافل الدولية. فمثلًا، إذا صفعك أيها الفلسطيني أحد جنود الاحتلال على خدك الأيمن فأدر له مباشرة شدقك الأيسر وأنت تتبسم. وإذا وكزك بقدمه فاستدر فورًا؛ كي (يسنتر) ويزن ركلته حتى تتناسب مع طبوغرافيا مؤخرتك. وإذا نزع عنك قميصك في سياق تفتيشك، فلا تتردد في أن تبادر وتخلع له بنطالك، بل لباسك!
ويمكنكم بالطبع التظاهر والاعتصام والإضراب كما يطيب لكم، ولكن عليكم القيام بذلك بصورة حداثية متحضرة ترفع الرأس. إذ تستطيعون رفع اللافتات الكاريكاتيرية واللوحات التعبيرية والانطباعية وحتى السريالية، وترديد الأغاني والأناشيد والأهازيج الحماسية، بل تنظيم حلقات الدبكة والرقص الشعبي، على أنغام أغنيات محبوب العرب محمد عساف. حتى تتحول الفعالية إلى كرنفال مبهج وعرس شعبي وطني يسر الناظرين ويظهر مدى التحضر الذي وصلتم إليهم. أما أن تلجؤوا للعنف والتصادم مع الجنود الصهاينة الودعاء الذين وجدوا لحمايتكم فهذا لعمري كثير كثير، بل خطير ومشين وشرير!
أرجو يا أهل القدس أن تتوقفوا للتو واللحظة عن الولدنة، وأن تجعلونا نتفرغ لما هو أهم بكثير من مشكلاتكم التافهة المفتعلة المضخمة! فهناك الكثير من المهرجات الفنية في جرش وقرطاج ودبي وبعلبك وأبها وكثير من الحواضر العربية، وعلى المرء تجهيز نفسه لحضور أكبر قدر ممكن من تلك الملتقيات المشرّفة التي تؤكد كم هي حية ومحبة للحياة والسلام هي أمتنا الماجدة! وهناك برامج الهواة كالصوت ومحبوب العرب وإكس فاكتور وستار أكاديمي… التي يمكن احتمال وتصور وتفهم أي شيء، إلا التفريط بمتابعتها! وهناك دوري أبطال أوروبا، والدوري الإسباني، والدوري الإنجليزي، والدوري الإيطالي، وما لا حصر له من دوريات كرة القدم التي يخسر المرء نصف عمره لو فاتته. فهل تريد منا أيها الفلسطيني أن نترك كل ذلك من أجل الأقصى وصلاتك فيه! فعلًا هذا لا يحتمل!
يا أخي جُعلت كل الأرض طهورًا ومسجدًا للمسلم، فلا تكن حنبليًا ومتزمتًا وتحبّكها، فأنت لست أشد ورعًا وتقوى من المشايخ الكرام الذين يصلّون ويعفرون جباههم بالتراب بكل تواضع ورضى على أرصفة شوارع لندن أو حتى جبال الألب! صلّ أينما شئت، فأرض الله واسعة، ولا حاجة إلى توتير الجو مع أبناء العم الأبرار بالإصرار على الصلاة في الأقصى. أم تراك لم تسمع ولم تدرك بأن النية قد انعقدت لدى معظم الأنظمة العربية، وربما جميعها، على تطبيع العلاقات معهم ووضع حد نهائي وحاسم للصراع السخيف غير المبرر معهم! فلا تفسد علينا وعلى تلك الأنظمة خططها وفرحتها بالسلام الوشيك، ولا تستجب للنوازع الإرهابية المعادية للسلام الكامنة في أعماقك! ودع عنك سريعًا ما أنت فيه من ثورة وانتفاض وغضب. (ريلاكس وتيك إت إيزي يا عزيزي) وحاول أن تتبع ما جاء في أغنية وسام الأمير عندما غنى: (خليلي مزاجك رايق .. وحياتك لا لا تفقسنا).