الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
لم يقتصر البن اليمني العريق الذي شكل مورداً هاماً في القدم على أسر “مزاج” المتذوق اليمني والعربي، بل ارتبط مع أكثر من أُغنية يمنيّة ارتباطاً وثيقاً وهو ما تدلُ عليه الكثير من الأغاني التي تستحث هذا الجانب الهام الذي يدلل على عراقة اليمنيين وإرثهم الزراعي المرتبط بشجرة البُن، فمن منّا لايعرف قصة كلمات الأغنية الشهيرة ” الحُب والبن ” التي كتب كلماتها الشاعر الغنائي الكبير ” مُطهر الإرياني ” .
إنّ الحكاية التاريخية لنشوء هذه القصيدة عند المؤرخ والشاعر تقول بأن هناك شاب أحبَّ فتاةً لدرجة أنه ذهب إلى والدها طالباً منه “الزواج” بابنته التي عشقها، ولكن الأب وضع أمامه مهراً كبيراً فما كان من الشاب إلاّ أن قام بطلب تأجيل حُلمه حتى مجيء موسم نضوج البُن.
حتى جاء موسم قطف الثمرة متمنياً أن يحصد مزارعو البُن الكُثر المنتشرون بكثير من الأودية اليمنية فيقطف الشاب حصاده من المشاعر التي جعلته أسيراً في قبضة رجل لم يقدرها.
جمع المزارعون والشاب أحدهم ما أتاح لهم القدر من النزرٍ اليسير من حبوب حمراء كانت ضعيفة ولم تجدِ نفعاً أمام عثرةٍ صنعها أب الفتاة، مما جعله يطلب تأجيل الارتباط بمحبوبته حتى قدوم موسم جديد علّ البن يسعف روحه المثقلة بعشق كبير.
وهو ما جعل منها قصةً تداولتها الألسنة مقتحمةً الكثير من المنازل على مساحة جغرافية كبيرة حتى وجدت طريقها إلى الشاعر الذي خط بموهبته الإبداعية أجمل القصائد التي لا تزال متجددة حتى اللحظة.
ومع ارتباط اليمنيّ المتذوق للفن بكافة أشكاله وصوره لايطيب للمتذوق سماع أي أغنية إلاّ بحضور ” القهوة ” إلى جواره فيشعر من خلالها بالدفء، لتزيد من تركيزه على أكثر من زاوية مع ما يسمعه من أغنية، فلم يكن مطهر الإرياني وحده من كتب عن البُن لكن مايحسب له هو أقدميته وبراعته الكبيرة بتخليد المروية دامغاً الحُب مع البن في قالب شعري بديع غناه الفنان الكبير علي الآنسي.
هذه الشجرة التي أينما وجدت تواجد الحُب والجمال، فالشاعر عثمان أبو ماهر في قصيدته “لحن الحقول ” والتي غناها الفنان أيوب طارش عبسي تضمنت في بيت منها كلمات عن البُن كإحياء لهذه الشجرة نتيجة أصالتها العريقة.
كلّ هذا الحضور الكبير والارتباط بات موطناً خصباً لكثير من الفنون الإبداعية ولم يكتفِ عند الأغنية وحسب، بل اقتحم الدراما التلفزيونية التي اتخذت منه مسرحاً لمسلسل تلفزيوني على جزئين حمل عنوان “غُربة البن” والذي أنتجته قناة يمن شباب محققةً في الجزء الأول نجاحاً تجاوز بقيّة المسلسلات، فالحبيب الذي بعد قصة عشق طويلة لم تسمح له الظروف بأن يكمل حلمه بالبقاء مع حبيبته اظطر للسفر، فكان الصراع الدرامي يدور حول قالب البن الذي يُزين للعشاق أحبتهم وللكتاب كلماتهم.
جزء من قصيدة الحب والبُن للشاعر: مطهر الإرياني .
“طاب الجنى يا حقول البن يا أحلى المغاني
يا سندس أخضر مطرّز بالعقيق اليماني
يا سحر ماله حدود في الكون قاصي وداني
ماحلى العقود القواني في الغصون الدواني
بن اليمن يا درر يا كنز فوق الشجر
من يزرعك ما افتقر ولا ابتلى بالهوانِ “.
خليك معناالمصدر: موقع ريشة