الصباح اليمني_مساحة حرة|
علينا أن ندرك أن التنمية الشاملة المستدامة الحقيقية ليست قاصرة على الجانب الاقتصادي فقط.. بل هناك جوانب عدة منها الجانب البشري والتكنولوجي والتقني وغيره..
فالتنمية عملية متكاملة ومترابطة ومتداخلة قائمة على الثقافة التكاملية الشاملة المستدامة.
لذا فالثقافة التنموية الشاملة ليست الحصول على الدرجات العليا او المؤهلات المتميزة بل هي أكبر وأوسع واشمل من ذلك.
فالثقافة العصرية هي أسلوب من أساليب الحياة, وطريقة من طرائق التفكير المبدع، ووسيلة من وسائل الارتقاء علمياً واقتصادياً، واجتماعياً.. وبين الثقافة العصرية والتنمية الشاملة المستدامة تزاوج عضوي، وانصهار متكامل، تُؤثر وتتأثر بما يدور في محيطها العربي والإقليمي والدولي..
كلنا يعلم علم اليقين أن عالمنا العربي والإسلامي زاخر بحضارات عريقة، وثقافات متباينة وتراث متجذر في الأصالة والعراقة.. ممتد من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام والعراق وفلسطين ومصر شمالاً..
في ظل هذا الإطار الجغرافي الممتد والمتراكم بالحضارات، والثقافات المتباينة والمتنافرة، جاء سجل تلك الشعوب حافلاً بالصراعات الفكرية والمذهبية، إلى جانب التحدي الاستعماري الصهيوني الذي يستهدف الأرض والخيرات والثروات العربية، والوجود العربي.
لذا علينا أن نعلم أن للقديم حرمته، بل وقدسيته أحياناً، ولكن للجديد بريقه ولمعانه وطرافته.. لا يوجد انقطاع بين الماضي والحاضر، ولا قلب تام لكل ما يتصل بالماضي ولكن علينا أن نؤمن بالتطور والتقدم والرقي، ونأبى الجمود والسكون والتخلف.. وقديماً قال حكماء العرب:”ربوا أولادكم على غير أخلاقكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم”.
المشين المعيب إننا دوماً نرمي اللوم على التاريخ بأنه ملئ بالزيف والتحريف، ولا نفكر في المستقبل ونظل ندور في دوامة الجمود والتعصب الأعمى، وهذا ما سيقودنا إلى الصراع الازلي حتى قيام الساعة.
في ظل هكذا تراكمات ثقافية متباينة ونزعات مذهبية بين الشعوب والأمم الواحدة استغل العدو الصهيوني والامبريالية العالمية تلك الممارسات لصالحه مستهدفاً الأرض والوجود العربي والخيرات والثروات العربية من المحيط إلى الخليج وأقحم تلك الشعوب العربية بالصراعات المذهبية والفكرية والأثنية.
من هنا ندرك أن عملية التنمية الشاملة المستدامة تحتاج إلى إرادة سياسية قوية رغم التحديات التي تواجهها الدول العربية وشعوبها المغلوبة على أمرها وهذا راجع إلى ترهل معظم الأنظمة العربية الحاكمة التي تعمل بنظام”أنا ربكم الأعلى”..وترفع شعارات الديمقراطية والحرية وشعوبها غائصة في بحور الفقر والبؤس والعناء.. تلك الازدواجية الجدلية جعلتها منكورة لدى شعوبها ومحيطها العربي والاقليمي والدولي..لهذا وذاك معظم قضايانا في العالم العربي ليست لها علاقة بالسياسة أو الاقتصاد.. بل قضايا ثقافية بحتة متجذرة بالمعنى الواسع في الذاكرة الماضوية.. وهذا هو مربط الفرس.. فالعالم العربي مازال يعيش على صفيح ساخن من الصراعات الفكرية والمذهبية والاثنية طالما هناك جهات إقليمية ودولية تغذيه، وتعمل على تحريك المياه الراكدة التي تسعى من ورائها لتمزيق العالم العربي إلى دويلات متنافرة وإمارات متناحرة حتى يسهل السيطرة على ثرواته وخيراته وأرضه وهذا ما يسعى إليه الاستعمار القديم-الحديث.
صفوة القول:
لن تكون هناك تنمية شاملة مستدامة إلا إذا تمكنا من تطوير وتحديث مناهجنا التعليمية العامة والعليا.. فالارتقاء أولاً بالعقل العربي، وثقافة العصرنة التي تواكب روح العلم الحديث..
وقد يتساءل المتسائلون: لماذا نحن مهتمون بالماضوية والتراث، وبأننا نمتلك ميراثاً ثقافياً وحضارياً زاخراً بالعلوم والمعارف, وما زلنا في مؤخرة الركب الحضاري..؟!
لا خلاف على ذلك إنما تكمن القضية في طريقة التفكير والأسلوب والإرادة..
إذن لابد من التخطيط المدروس الواعي للباحثين الذين تحتاجهم البلاد، وعلاقة ذلك بخطط التنمية الشاملة المستدامة..
المؤسف حقاً إن هجرة الكفايات العلمية أصبحت ظاهرة منتشرة في كثير من البلدان العربية وهذا راجع لعدة أسباب أهمها أن جو العمل في تلك الدول العربية غير مشجع في معظم الأحيان لعدم الوظيفة المناسبة لهم.. فيصابون بخيبة أمل..
وهذا ما أوصل معظم الدول العربية أن تنحت على الصخر دون جدوى..
لذا لابد من معالجة شاملة لشتى ضروب النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والتعليمي الذي يلعب فيه التعليم دوراً محورياً وأساسياً.. دون ذلك نظل ندور حول الرحى بدون طحين وتظل الرياح العاتية تعصف بنا من كل حدب وصوب.. وحينها لا ينفع الندم..!!
خليك معناالمصدر: صحيفة 26 سبتمبر