لم تفضِ الجولات المكوكية واللقاءات المكثفة للقادة والمسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، إلى بوادر حل ملموس للأزمة الخليجية. وعوضاً عن ذلك، دبّ اليأس في نفوس قادة «الدول المقاطعة» لقطر، وقال أنور قرقاش، إن الإمارات «متجهة نحو قطيعة طويلة» مع الدوحة.
كان من المتوقع أن تفضي هذه الأزمة إلى تحوّل ديناميكي في سياسة الدول العربية تجاه بعضها، بما يقتضيه هذا التحوّل من التزام تجاه شعوبها بدرجة رئيسية. وبالتالي، قد يتمكن قادة هذه الدول من إجراء تعديلات عصرية على سياسة الاستجابة الطوعية لتصورات الدول الكبرى لحل أزمات المنطقة.غير أن ما تشير إليه تداعيات أزمة قطر، يبدو مشابهاً لاستجابة العرب السريعة من أجل ضرب اليمن أرضاً وإنساناً، بمبرر القضاء على جماعة مسلحة تصاعدت قوتها بسرعة أوصلتها إلى السيطرة على الحكم، ونشر مقاتليها في عدة محافظات رئيسية.
ورغم ذلك التسارع المربك للأحداث، إلا أن الانتقال السياسي «المزمّن» كان ينهار تدريجياً أمام أنظار العالم كله.وبدلاً من إيقاف مقاتلي جماعة «الحوثيين» قبل دخولهم صنعاء، وكسر ما كان متبقياً من هيبة الدولة، أظهرت الدول العشر التي أطلقت على نفسها اسم «الدول الراعية للمبادرة الخليجية»، تساهلاً مريباً ولا مسؤول أحياناً، إزاء انزلاق الوضع نحو المسار الخطير الذي أوصل البلاد إلى الحرب؛ حرب ليست فقط عبثية وبلا أفق، بل فتحت الويلات على منطقة الخليج ودول البحر الأحمر عموماً.
في جزء مهم منها، جاءت أزمة قطر كنتيجة مباشرة للحرب المدعومة عربياً على اليمن. ومع الأخذ بالاعتبار لما أعقب انهيار الأنظمة السياسية في تونس، مصر، ليبيا وسوريا، والانعطافات الكثيرة التي مرت بها أوضاع العراق، يظهر الانكشاف المزري لأداء القادة العرب في التعامل مع الأزمات الكبرى قبل تفاقمها إلى انهيارات مدمرة.
تستنفر قطر الآن كل الإمكانيات المتاحة أمامها، ليس فقط لتنفي عن نفسها الاتهام الأمريكي البريطاني بـ«تمويل الإرهاب»، بل لتعلن الاتهام ذاته، الذي تحفّظ ترامب عن التصريح به علناً في الرياض، فيما يخص السعودية والإمارات وغيرهما. وفي السياق ذاته، بدأت بعض هذه الاتهامات تطل من شرنقة الضمنية والتحفظ، في ردود الفعل المعلنة تجاه هزيمة «داعش» في الموصل. ومن ذلك، ما يرشح من أخبار نتائج الجولات المكوكية للمسؤولين الأمريكيين والأوروبيين في عواصم دول الخليج، ومراوحة المواقف في مكانها.
وهكذا، تتركز خطورة أزمة قطر في عدم تفكيك الاتهام الأمريكي بلغة سياسية من الجانب العربي، سيّما «دول المقاطعة». الأمر الذي قد يفضي إلى صعوبة احتفاظ بقية الدول غير المصطفة حتى الآن: مع وضدّ.
وحين يفوت الوقت على تلافي هذا الانقسام المحتمل، لن يعود بمقدور الكويت أو المغرب أو عُمان أو أية دولة عربية، القيام بأية وساطة. والنتيجة البانورامية لهذه الأحداث، سوف تجلب روسيا وإيران وتركيا إلى الخليج، بالطريقة التي جاءت بها إلى سوريا والعراق من قبل. حينها فقط، سيكون جميع القادة العرب الذين ما زالت أراضيهم السيادية هادئة، وجهاً لوجه أمام النتيجة الكارثية لتحويلهم اليمن إلى أرض مكتظة بالموت وأسباب الدمار الشامل. وتلك هي نتيجة الجمود العربي المزمن.