كان واضحاُ منذ بداية اندلاع الازمة الجديدة في الخليج بين قطرمن جهة وكل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من جهة اخرى ان الامور لا يمكن ان تتدحرج الى غزو عسكري الا اذا كانت هنالك مصلحة امريكية في ايصال تلك الازمة الى ذلك مستوى .
لماذا؟ ببساطة لان اطراف هذه الازمة من الدول الخليجية ومعهم مصر وكذلك قطر ليست دولا مستقلة الا بالاسم وخاضعة بالمطلق في سياساتها الداخلية والخارجية للادارة الامريكية ، وبالتالي فانه ليس بمقدورها اتخاذ أية قرارات متصلة بالحرب والسلام في المنطقة الا بعد نيل رضى وموافقة الادارة الامريكية .
صحيح أن لكل دولة من دول التحالف الرباعي خصومة مع قطر , ولها جميعها مصلحة في ابتلاعها ونهب خيراتها والسيطرة على ثرواتها , ولكن الامر الذي لا شك فيه ايضا بان من له اليد العليا في تقرير ذلك والتحكم به هي الولايات المتحدة الامريكية .
بمعنى آخر فان ارتأى صناع السياسة في واشنطن بان مصالحهم تتطلب السماح للدول الاربع باجتياح قطر عسكريا فلن يتورعوا في اتخاذ مثل هكذا قرار حتى لو أدى الامر الى شطب دولة قطر عن الخارطة والحاقها بالمملكة العربية السعودية .
ولكن من الواضح بانه ليس من مصلحة امريكا في هذه المرحلة وهي التي تخطط لافقار كل دول الخليج ونهب اموالها والسيطرة على ثرواتها وحتى تفكيكها أن تؤيد سيناريو الغزو العسكري كوسيلة لحل الازمة بين قطر والتحالف الرباعي لان هذا الامر لو حصل سيؤدي الى تقوية من تسعى لاضعافهم واعادتهم الى مضاربهم التي كانوا فيها قبل اكتشاف النفط وربما الى تصادم عسكري مع القوات التركية المتواجدة في قطر .
وهذا التحليل ليس فيه ثمة مبالغة على الاطلاق , لان الحرب التي شتنها دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن , ومئات مليارات الدولارات التي قدمتها دول الخليج وتحديدا اطراف ( 1+3 ) اي كل من السعودية والامارات والبحرين ، للعصابات التكفيرية في سوريا بالاضافة الى الاموال الطائلة التي دفعت لاسقاط نظام القذافي في ليبيا , ودعم العصابات المتناحرة الآن هناك ودعم داعش في العراق , كل تلك الاموال التي انفقت تنسجم مع المخطط الامريكي الرامي الى تقويض دعائم دول الخليج التي هي دويلات اصلا وتفكيكها الى دولة في كل مدينة عليها حاكم تعينه امريكا مصلحة امريكية عليا .
ولا غرابة في ذلك لان الدول عندما تفشل في حروبها تحديدا العدوانية منها اما ان تضعف الى ابعد الحدود وتقاد من دول خارجية قوية او تتفكك أو حتى تزول عن الخارطة .
ومن قرأ كتاب الاكاديمي البريطاني ” كريستوفر .م. ديفدسون” ” ما بعد الشيوخ الانهيار المقبل للممالك الخليجية ” والذي توقع انهيار تلك الممالك في العام 2018 يلاحظ بان تلك الدول حتى لو لم تنهار حتى ذلك العام وانهارت بعد ذلك بعام واحد او عدة اعوام , فان الحقيقة التي لا شك فيها , بان هذه الانظمة لا مستقبل لها وستزول كما زالت غيرها عبر التاريخ لان وجودها يتناقض مع المصالح العليا لشعوبها وشعوب الامة العربية برمتها ولن يفلح المحمدين في انقاذها من مصيرها المحتوم لانها ببساطة تشكل عائقا امام مسيرة التقدم , ومن مخلفات القرون الوسطى .
والامريكيون هم اول من يعرف ذلك ولكنهم يغضون الطرف عنه لان الديمقراطية وحقوق الانسان بالنسبة لهم لا تساوي في حساباتهم شيئا ، طالما ان تلك الانظمة لا زالت بقرة حلوب على حد تعبير ترامب، وتدر على الخزينة الامريكية تريليونات الدولارات .
ولذلك فان المراقب للموقف الامريكي منذ اندلاع الازمة بين قطر وحلفائها يلاحظ بان ما تفعله واشنطن , هوعبارة عن ادارة ازمة بين دول تابعة لاقتناص اكبر قدر ممكن من الاموال من الطرفين استكمالا لما فعله ترامب عندما عاد من السعودية بمبلغ يناهز النصف تريليون دولار دون عناء .
وزيارة وزير الخارجية الامريكية ريكس تيلركسون للدوحة الثلاثاء الماضي وتوقيعه هناك على اتفاقية مع حكامها لمكافحة تمويل الارهاب , واشادته من هناك بدور حكامها في مكافحته قبل ان يتوجه الى الرياض للقاء وزراء خارجية الدول الاربع , يوحي بل يؤكد بان الحديث لا يجري عن خيار عسكري لحل الازمة , كما يعتقد بعض المحللين السياسيين العرب , وانما عن ادارة ازمة على الطريقة الكسنجرية لاطول فترة ممكنة لابتزاز طرفي الازمة والحصول منهم على اكبر قدر ممكن من الاموال .
وهذا يعني بان الخيار العسكري ان لم يكن مستحيلا الان , فهو مؤجل الى اجل غير مسمى لانه لو كانت الامور على غير هذا النحو لما سمح الامريكيون لاردوغان بارسال المزيد من قواته الى قطر للحصول على جزء من الارباح ارضاء له على دعم الاكراد في الرقة , طالما ان الامور عند اولئك جميعا تقاس بالمال قبل اي شيء آخر .
واخيرا وليس آخرا،فإن قطر سوف تكون مضطرة في نهاية المطاف الى تقديم تنازلات ليس لاطراف التحالف الرباعي، وانما الى واشنطن عبر عقد المزيد من صفقات السلاح لأن صفقة ال “12” مليار دولار غير كافية،بل لابد من استثمار المزيد من المليارات في مشاريع البنى التحتية الأمريكية،وعندها ستجد الازمة طريقها الى الحل الفوري سواء شاء ذلك المحور ام ابى.
بقي القول بانه كما ادت ازمة الخليج الثانية التي وقعت بين عامي 1990-1991 من القرن الماضي والتي وقعت بعد اجتياح القوات العراقية للكويت وقيام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بتوفير الغطاء العربي عبر الجامعة العربية لضرب الجيش العراقي واخراجه من الكويت، الى الاطاحة بمجلس التعاون العربي الذي كان يضم في اطاره مصر والعراق والاردن واليمن عام 1992 من القرن الماضي , فان ازمة الخليج الراهنة ستطيح لا محالة بمجلس التعاون الخليجي .