الصباح اليمني | ترجمة خاصة |
إن ما يحدث في اليمن ليس مجرد نزاع عنيف بين القوى المتحاربة للسلطة، وإنما هناك تجاهل متعمد لملايين المدنيين الأبرياء الذين يعانون من المجاعة والمرض والدمار الذي يتجاوز القدرة البشرية على الاستيعاب.
يواجه سبعة ملايين شخص المجاعة، و19 من أصل 28 مليون من سكان اليمن هم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. توقفت إمدادات الغذاء والدواء من الوصول إلى الأطفال الذين يعانون من الجوع. والكثير منهم مصاب بالكوليرا، وعلى وشك الانضمام إلى الآلاف الذين ماتوا بالفعل من الجوع والمرض. وقد لقى أكثر من 10 الاف شخص مصرعهم واصيب حوالي 40 ألف اخرين. وتفيد اليونيسيف بأن هناك ما يقارب من 00 300 حالة كوليرا، وقد تم الإعلان عن بيان مشترك من اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية أن العدوى تنتشر بمعدل 000 5 حالة جديدة في اليوم.
وقد وثقت وكالة أسوشييتد برس ما لا يقل عن 18 عملية اعتقال سرية في جنوب اليمن تديرها القوات الإماراتية، حيث يعذب السجناء بقسوة لا يمكن تصورها. أحد الأمثلة على هذا التعذيب الشديد هو “الشواية”، حيث يربط السجين بسيخ من حديد ليشتوي بين دائرة من نار.
وهناك طريقة أخرى لقتل السجناء ببطئ حيث يتم احتجازهم في حاويات الشحن، ويطلق الحراس النار تحتها لملئها بالدخان، فيختنقون ببطء. تعصيب العينين وتكبيلهم في مكان مربع صغير جدا للوقوف والضرب المستمر بواسطة أسلاك الفولاذ، والذي غالبا ما يؤدي إلى وفاة المعتقل.
وعلاوة على ذلك، فإن الحصار المفروض على واردات الأغذية والأدوية والوقود، الذي يعتمد عليه اليمن اعتمادا تاما، يجعل الوضع أكثر سوءا. وإذا لم تقدم المعونة الإنسانية على الفور، فإن الملايين من الأطفال سوف يموتون جوعا حتى وإن كان المجتمع الدولي مدركا لهذا الوضع المشؤوم.
لقد عانى الحوثيون من تمييز وعنصرية هائلة، ولم يتم التعامل مع مظالمهم قبل أو بعد مبادرة مجلس التعاون الخليجي في مارس 2013 التي أطلقت مؤتمر الحوار الوطني والذي فشل في حل النزاع حول توزيع السلطة.
وانضم الحوثيون إلى صالح ووسعوا نفوذهم في شمال غرب اليمن، وبلغ ذروته في هجوم عسكري كبير ضد الجيش وعدد قليل من القبائل المتنافسة استولوا على العاصمة صنعاء في أيلول / سبتمبر 2014.
قصف السعوديين ضد الحوثيين عشوائي: فقد تم استهداف المدارس والمستشفيات والمنازل والأسواق وحفلات الزفاف وحتى مجالس الجنازات، خسائر عديدة في أرواح المدنيين الأبرياء، وانتهاك صارخ لقوانين الحرب ولازالوا يواصلون القيام بذلك دون عقاب.
يقول السعوديون إن إيران تقف وراء تمرد الحوثيين. وعلى الرغم من أن إيران والحوثيين ملتزمين بمدرسة مختلفة من الإسلام الشيعي، إلا أنهم يتقاسمون مصالح جيوسياسية مماثلة. إيران تتحدى المملكة العربية السعودية للهيمنة الإقليمية، في حين أن الحوثيين هم المنافس الرئيسي لهادي والحكومة الأميركية السعودية المدعومة في صنعاء. وبالنسبة للسعوديين، فإن فقدان صنعاء سيسمح لإيران بممارسة نفوذ كبير في شبه الجزيرة العربية بالإضافة إلى تحالفاتها مع العراق وسوريا ولبنان. ويهدف التحالف السعودي إلى الإشارة إلى ان إيران لن يسمح لها بالحصول على أي تأثير في اليمن.
وقد قامت الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة ببيع أسلحة هجومية إلى المملكة العربية السعودية والتي تستخدم الآن لمهاجمة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وتلقت الإمارات والكويت والأردن تراخيص لبيع وخدمة طائرات الهليكوبتر العسكرية الامريكية الصنع للمملكة العربية السعودية، والتي ترسل رسالة واضحة إلى هذا التحالف الغير مقدس بأنهم يستطيعون القتل دون عقاب.
من جهة أخرى اشار أمبر رود وزير الداخلية في المملكة المتحدة البريطانية إن بيع الأسلحة هو “جيد لصناعتنا” – وهذا ليس سببا مقبولا لبيع أسلحة هجومية تقتل الناس بشكل عشوائي. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها الأمن القومي والمصالح الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية: خاصة أنها تسعى لضمان المرور الحر في باب المندب، فمن خلالها تمر 4.7 مليون برميل من النفط كل يوم، ودعم حكومة في صنعاء تتعاون مع مكافحة الإرهاب الأمريكية. ومع ذلك، فإن مشاركة الولايات المتحدة المباشرة في الصراع تجعلها متواطئة في انتهاكات التحالف لقوانين الحرب، ويمكن أن يتعرض كبار المسؤولين الأمريكيين للمسألة القانونية.
ومما يؤسف له أن إدارة ترامب قد خسرت مسؤوليتها الأخلاقية بعدم الضغط على المملكة العربية السعودية التي تمارس عليها نفوذا هائلا، لتفتح الموانئ لضمان دخول ما يكفي من الغذاء والمساعدات إلى البلاد، والتي بدونها سوف يموت الملايين جوعا.
الصراع يسير من سيء إلى أسوأ، حيث أن الجهود الدولية للضغط على كلا الجانبين كانت غير كافية على نحو يدعو إلى القلق، وغياب وسائل الإعلام تقريبا في هذا الشأن. ومن شأن استمرار القتال أن يزيد من حدة الصراع بين السعودية وإيران، وأن يسهم في صراعات إقليمية أخرى. وعلاوة على ذلك، فإن احتمالات إيجاد حل سلمي يزداد صعوبة حيث تعتقد إدارة ترامب أن الحل يكمن في زيادة القوة العسكرية. وترامب يبرر نهجه العدواني لأنه يرى إيران كالمذنب الذي يشن حربا بالوكالة ضد السعوديين ويستفيد من عدم الاستقرار المستمر.
ولهذه الأسباب، فإن حياد الاتحاد الأوروبي قد سمح له بالحفاظ على اتصاله مع جميع الأطراف المتنازعة، وهو في أفضل وضع لإقناع الطرفين بالموافقة على وقف إطلاق النار والتسوية.
من جهتهم يريد الحوثيون التفاوض مع شخص يتمتع بسلطة بدلا من وسيط ويرفضون اجراء محادثات مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ احمد الذي يعتبرونه متحيزا. كما أنهم ينظرون إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشك، باعتبارهما الموردين الرئيسيين للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من أن فرنسا وبريطانيا تدعمان الحملة العسكرية، إلا أنهما يمكن أن يقترحا قرارا لمجلس الأمن يرتكز بداية على وقف إطلاق النار؛ ثانيا، معالجة الأزمة الإنسانية؛ وثالثا، العمل على حل دائم يأخذ مصلحة الحوثيين في الاعتبار الكامل. وكما قال غاندي: “سوف تختفي ثلاثة أرباع المآسي وسوء الفهم في العالم إذا خرجنا إلى أحضان خصومنا وفهمنا وجهة نظرهم”.
فالصراع في اليمن لا يمكن أن ينتهي إلا من خلال حل سياسي، إذ لن يبقى أي حل مضمون بالقوة. يجب أن تتعلم إدارة ترامب من العراق والصراعات العنيفة في سوريا التي لا يمكن حلها من خلال الوسائل العسكرية. لحل النزاع في اليمن، يجب على الولايات المتحدة أن تتعاون مع الاتحاد الأوروبي. من أجل التوصل إلى اتفاق سلام ووضع حد للمأساة غير المعقولة التي لحقت بملايين الأبرياء.
Consortium news.
خليك معنا