بعد دخولها شهرها الثاني, وخلافا للتوقعات بانها ازمة عابرة ,سيتم حلّها خلال اسابيع او ايام , تتعدد سيناريوهات مالآت هذه الازمة,لكن التطورات المتلاحقة ترجح وبوضوح ان حلها قريبا غير وارد في الاسابيع او الاشهر القادمة,ارتباطا بتمسك كل طرف بمواقفه,وتراجع احتمالات قيام الدول الاربع باي عمل عسكري ضد قطر , والتدخل لتغيير النظام ,وهوماعبرت عنه مخاوف قطرية منذ بداية الازمة من خلال التحشيد العسكري, وتحديدا ادخال تركيا بصيغة وسيط عسكري, والاشارات الايرانية بالاستعداد للدفاع عن قطر,والمناورات البحرية مع الجيش الامريكي,وصفقات الاسلحة الجديدة , اضافة لاستمرار الحملة الاعلامية المتبادلة بين اطراف الازمة.
من الصعوبة بمكان استشراف نهايات هذه الازمة,دون العودة للسياقات الدولية التي نشات فيها, وتحديدا حجم التغيير الذي تم في امريكا بعد انتخاب الرئيس ترامب والجمهوريين والاستراتيجيات الامريكية تجاه الشرق الاوسط,,فقد كانت استراتيجية الرئيس اوباما والديمقراطيين وعلى مدى ثماني سنوات, تقوم على دعم الديمقراطية والربيع العربي والاسلام السياسي وعماده الاخوان المسلمون,وترك المنطقة لحل ملفاتها فيما بينها, بعد انجاز الصفقة التاريخية مع ايران, وشكلت قطر, من خلال قدراتها المالية الضخمة, وادواتها الاعلامية وخاصة محطة الجزيرة,وبالتعاون مع جهات اقليمية نافذة”ايران وتركيا” رأس الحربة في تنفيذ هذه الاستراتيجية,في ليبيا وسوريا والعراق وغزة وغيرها,ونشات خلالها , وفقا لما هو معلن علاقات قطرية مع تنظيمات ارهابية .فيما سادت “المناكفة” علاقات امريكا مع السعودية ودول الاعتدال العربي, وظهرت اسرائيل الحليف الاقرب لامريكا متضررة من تلك الاستراتيجية,وبدت قواسمها المشتركة مع التحالف الذي تقوده السعودية اكبر.
وبمجيء الرئيس ترامب اعلن انقلابه على كافة سياسات سلفه في المنطقة,ومن الرياض حدد ملامح الاستراتيجية الامريكية الجديدة ب: مواجهة الارهاب ومصادر تمويله ,وايران واثارتها للفوضى في الاقليم ودعمها للارهاب, فكانت الاجراءات ضد قطر,واعلان دعم اسرائيل والحديث عن صفقة قرن, في اطار السلام العربي الاسرائيلي, وتجديد العقوبات على ايران مع تهديدات بالغاء الاتفاق النووي الذي ابرمه اوباما,والتدخل عسكريا في سوريا,وعدم ترك قيادة الصراع فيها لروسيا وايران ,ودعم مصر,وشن حرب جادة ضد الارهاب وداعش, ومنح الانتصار عليها في سوريا للاكراد, خلافا لرغبات الاتراك, ومن المرجح استكمالا لهذه الاستراتيجية ان لا تبقى السيطرة الايرانية على العراق , بصورتها القائمة ,ولا حجم تدخلها في اليمن الى جانب الحوثيين,خاصة وان مؤشرات تدل على ان الامور تتجه هناك لانفصال اليمن الجنوبي.
بهذا السياق, نشات ازمة قطر,وربما لن تكون مالآتها خارجة عن تحقيق الاستراتيجية الامريكية لاهدافها, وهو ما يعني ضيق هوامش المناورة لاحقا , فرغم جهود القيادة القطرية بتدويل الازمة والحملات الاعلامية والنفي المتكرر لكل الاتهامات والمطالب والشروط, وابراز الجوانب الانسانية لاضرار الحصار او المقاطعة, وشراء اسهم في الشركات العالمية وغيرها من صفقات اقتصادية عالمية كبرى ,والقول انها منسجمة اكثر من غيرها مع الُمثل والقيّم الامريكية والغربية ,وان قطر ليست الوحيدة التي تدعم الارهاب وانها في اخر قائمة داعمي الارهاب ؟! والمراهنة على عدم توافق الموقف الامريكي واوضاع الرئيس ترامب على خلفية الشكوك بتدخل روسي الى جانبه في فوزه, والتي ربما ستتوقف بعد لقاء الرئيس ترامب مع الرئيس بوتين على هامش قمة العشرين قبل ايام ,رغم كل ذلك ما زالت الاجابة خاصة من دوائر صنع القرار في امريكا واوروبا تقول(رغم العتيبر الدبلوماسي) بكل وضوح :على قطر وقف تمويلها وعلاقاتها مع الارهاب,ومن المؤكد ان الرؤية الاستراتيجية الامريكية لمنطقة الخليج, وقطر جزء منها ,ومضمونها التحالف الاستراتيجي مع تلك الدول, هي التي تجعل الموقف الامريكي بهذه “الليونة “تجاه قطر,لكنها غيرمفتوحة زمنيا الى مالا نهاية.
وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة الحادة , والانحيازات المسبقة ,فان الاوضاع الناشئة بعد الازمة في الخليج والمنطقة ترسم صورة واضحة لحجم التغييرات الجارية والقادمة , والتي جعلت من قطردولة مشغولة وفي وضع دفاعي, هذا الوضع تم خلاله الاتفاق في قمة العشرين على مكافحة الارهاب في وقت تواصل فيه الخلاف على ملفات المناخ والتجارة الحرة , وانجاز تفاهمات في غزة باشراف ورعاية مصرية , ستاتي ب محمد دحلان(حليف الامارات) على راس حكومة فلسطينية في غزة بمشاركة حركة حماس, واعلن الجنرال حفتر في ليبيا(حليف الامارات ومصر) تحقيق الانتصار على الارهاب الاصولي ,بالتزامن مع انتصارات على داعش بالموصل والرقة,وتم تغيير ولاية العهد في المملكة السعودية,ببرقية مباركة وتاييد من امير قطر, ويتردد ان تغييرات جوهرية في مبادرة السلام العربية الاسرائيلية ستشمل البدء بالتطبيع مع اسرائيل, وتتواصل الاشارات بان هناك حلولا في سوريا تتجاوز مسالة رفض بقاء الرئيس الاسد بتوافق امريكي روسي ,ووجدت تركيا ازمتها اكثر عمقا بالملفين السوري والعراقي,فيما يبدو الارتباك الايراني في سوريا والعراق, اذ ان مخرجات السياسة الامريكية الجديدة لن تكون في صالح ايران, ولدرجة تم معها في العقل العربي والاسلامي “المسكون بالثنائيات “تصوير الرئيس ترامب وكأنه حليف السنة, بديلا للرئيس اوباما حليف الشيعة.
ورغم التصعيد الاعلامي , واعلان الدول الاربع نيتها الاجتماع بالمنامة واتخاذ اجراءات تصعيدية اخرى, الا ان المرجح عدم اتخاذ قرارات صادمة ,والابقاء على سيناريو ادارة الازمة في مستوياتها الحالية والتلويح باجراءات وقرارات في الوقت “المناسب” , في اطار استمرار”تحييد” قطر,وربما “الجزيرة”, والذي يبدو ان الدول الاربع ستكتفي به في هذه المرحلة, فهل ستتواصل فصول حرب باردة بين الطرفين,ومن هو الطرف الاكثر خسارة, مع استمرار الازمة لمدة اطول , فيما تمضي الاستراتيجية الامريكية مع حلفائها بتحقيق اهدافها؟