الصباح اليمني_مساحة حرة|
جاء قرار إعلان التعبئة الجزئية للقوات المسلحة الروسية المختصة ضرورياً في سياقٍ طبيعي لتطور مسار المواجهات في مسرح العمليات الميدانية الأوكراني، إذ لا بد من الإقرار بأن مجموع القوات المسلحة الروسية والقوات الشعبية المشتركة غير كافٍ لتحقيق أهداف العملية العسكرية المحددة والمقررة والمعلنة.
لذا، تحولت مهمات القوات الروسية، رغم التقدم البطيء الموضعي الطابع في محاور الجنوب، والجنوب الغربي خصوصاً، إلى مهمات دفاعية أكثر من كونها هجومية، مع عدم حصول متغيرات واسعة في السيطرة الجغرافية.
في الوقت نفسه، عانت القوات الروسية نقصاً حاداً في رماة المدفعية والميكانيكيين والسائقين ومشغلي الأسلحة المتوسطة الآلية ومجموعات الرصد والتصويب المدفعي والصاروخي. وبحسب خبراء، فإن بعض الكتائب بقي في عديدها عشرات المقاتلين فقط، وهو عدد غير كافٍ لتفعيل العمل على مستوى كتيبة في بعض القطاعات.
الوضع بعد إعلان التعبئة الجزئية واتخاذ القرارات الأخيرة بدأ يتغير جذرياً لمصلحة القوات الروسية، فسلسلة الإجراءات التي اتخذها مجلس النواب الروسي (الدوما) تزامناً مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية كافية للتعاطي مع المشهد ضمن ظروف أحكام حالة الحرب وقوانينها، بحسب ما تقتضيه الحاجة.
والبرلمان الروسي بصدد إصدار أحكام جديدة في القانون الجنائي لمنع التهرب من أداء الخدمة العسكرية الإجبارية ورفض الالتزام بالأوامر، إضافةً إلى إقرار عقوبات صارمة بحق كل من يرتكب أعمال “التشبيح” والنهب وجرائم الحرب.
وبعد قبول نتائج الاستفتاء في المناطق الأربع (لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون)، لن يعود هناك أي حرج أمام الدولة الروسية في اتخاذ الإجراءات كافةً للدفاع عن أراضيها ومواطنيها. كذلك، لن يعود الجنود الروس يطرحون السؤال عن تبعية الأرض التي يقاتلون عليها، إذ ستصبح هذه المناطق أرضاً روسية.
في الناحية المقابلة، لم تعر كييف اهتماماً لحجم خسائرها البشرية والتقنية، وحوّلت عملية التعبئة العسكرية في أوكرانيا إلى آلية دائمة مستمرة. أما دول المحور الأنغلوسكسوني المعادي لروسيا، فهي مستمرة في تدريب أفراد القوات المسلحة الأوكرانية. وقد وصل عددهم، بحسب بعض المعطيات، إلى نصف مليون عسكري أوكراني، إضافةً إلى أفواج من المرتزقة والمستشارين الغربيين.
في المقابل، تستخدم روسيا عملية تبديل تشكيلات قواتها الأساسية من خلال المتعاقدين، الأمر الذي ينسحب كذلك على 300 ألف مدعو إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، بموجب قرار إعلان التعبئة الجزئية، بيد أنهم لن يتوجهوا بكامل عددهم إلى الجبهات، فمنهم من سيخضع لدورات تأهيل وتدريب، ومنهم من سيتوجه إلى الخدمة في أقاليم شرق روسيا ووسطها، فيما تستقدم الأركان الروسية بدائل قواتها إلى الجبهات من القطاعات الشرقية والوسطى والغربية، إضافة إلى تأمين عدد كافٍ من حرس الحدود لحماية الحدود الغربية التي أضيف إليها 1400 كلم ساخنة.
وفي قراءة موضوعية لتبعات قرار إعلان التعبئة وإجراء استفتاءات الأقاليم الأربعة الجديدة، نرى الخطأ الفادح لمن يشيع أن روسيا أعلنت الحرب بهذه القرارات، إذ إن روسيا أعلنت تعبئة جزئية لاستكمال تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة لحماية الدونباس وتحقيق الأهداف المعلنة.
أما بعد الوصول إلى نتائج الاستفتاء الذي ستصبح الأقاليم المذكورة بموجبه أراضي روسية بموجب القانون الروسي، الذي يعتبر متقدماً وأعلى صلاحية من القانون الدولي، بحسب الدستور الروسي، فإنَّ استمرار العدوان على تلك المناطق سيعَدُّ إعلان حرب على روسيا، ولن يعود صراعاً مسلحاً في أوكرانيا خارج الأراضي الروسية.
كما أنَّ روسيا معنية باستكمال تحرير المناطق المتبقية من الدونباس وزاباروجيا التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية. بالمنظور الروسي، روسيا لم تعلن الحرب ولن تعلنها، بل سترد على إعلان الحرب عليها باتخاذ إجراءات تتناسب مع قوانين حالة الحرب وأحكامها، ولن تصاب بأي حرج في اعتبار المواجهة في طورها القادم حرباً مفروضة.
إنَّ إعلان التعبئة واستدعاء 300 ألف جندي وضابط مختصين، يضافون إلى عديد القوات المسلحة الروسية المرابطة حالياً، سيرفع عديد القوات الروسية والقوات الشعبية المشتركة وألوية المتطوعين إلى ما يزيد على نصف مليون، وهو عدد كافٍ لتحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية، إضافةً إلى ضمان أمن إجراء الاستفتاء في المناطق الأربع وحماية منجزاته.
ولن يعود بإمكان أوكرانيا الحديث عن تفوق عددي بعد اليوم. ولن تتمكَّن الولايات المتحدة وحلفاؤها أبداً من تأمين تفوق تقني عسكري أوكراني، إلا إذا زادت ضخّ السلاح والمعدات والقوات المدربة بوتيرة مضاعفة عشرات المرات عما هي عليه اليوم، وهذا من رابع المستحيلات.
احتمالات استخدام النووي!
بالنسبة إلى احتمال استخدام روسيا السلاح النووي التكتيكي، يجب توضيح الأمر: العقيدة القتالية الروسية تسمح باستخدام السلاح النووي التكتيكي إذا تعرض الأمن القومي وكيان الاتحاد الروسي لخطر تهديد وجودي، إذ إن الخبراء العسكريين والقادة العسكريين الروس يدركون أن القوات المسلحة التقليدية، من حيث العدد والعديد والتقنيات والقدرات العسكرية، غير كافية لمواجهة كل إمكانيات جيوش المحور المعادي أو جيوش الدول الأوروبية المدعومة بقوات أميركية منتمية إلى حلف شمال الأطلسي مجتمعة.
ولتحقيق توازن في القدرات الدفاعية، لا تجد روسيا حرجاً في استخدام السلاح النووي التكتيكي في حال تعرض أمنها القومي وكيانها وعمقها الديموغرافي والجغرافي وسيادتها لخطر وجودي.
وعلى سبيل المثال، يعدُّ صاروخ “إسكندر” المطور من الأسلحة النووية التكتيكية الفعالة في حال تزويده بالرأس المطلوب. والعاصمة الأوكرانية كييف، ومساحتها 839 كلم مربع، تكفيها بضعة صواريخ “إسكندر” حتى دون رؤوس نووية تكتيكية.
إذاً، على دول المحور الغربي التفكير عميقاً في تزويد كييف بأسلحة بعيدة المدى ذات قدرات تدميرية كبرى. ولعل وجود عامل قوة الردع الروسية منع كييف حتى الآن من استخدام صواريخ بعيدة المدى، واستهداف مواقع متقدمة في العمق الجغرافي الروسي؛ فليس خافياً على أحد امتلاك كييف قدرات صاروخية يمكن تطويرها بمساعدة دول من الناتو، ونحن لم ننسَ تصريحات مسؤولين أوكرانيين، ومنهم الرئيس زيلينسكي، وقبل العملية العسكرية في 22 شباط/فبراير الماضي، التي أشار فيها إلى نية أوكرانيا استعادة قدرات نووية وامتلاك أسلحة نووية.
وفي هذه الحالة، يعرف الغرب مجتمعاً أن الرد الروسي سيكون حاسماً، وأن استخدام السلاح النووي التكتيكي يختلف عن سيناريو الحرب النووية الشاملة باستخدام الصواريخ النووية الاستراتيجية العابرة للقارات.
خليك معناالمصدر: الميادين نت