الصباح اليمني_مساحة حرة|
شاء القدر أن تموت عصافير وطني في وضح النهار، في زمنٍ تموت فيه صبابات السنابل، وخلجات القلوب، كقطرةٍ ثكلى تناغي صدى الردى من وراء القرون.. ماذا جرى..؟!
لا شيء يلمع سوى دخان وحرائق وأرضٍ شاخت أشجارها وأزهارها.. حتى السماء انحنت للأرض، وتلاشى الزمان والمكان ولا شيء سوى بقايا أوجاع ودموع، وحسرات وأنات تكسو وجوه الدهماء والبسطاء تبعثرت على أزقة الأحياء العتيقة في زمنٍ ملئ بالجراح والدماء.. وفي واقعٍ عربيٍ كليلٍ عليلٍ..
المؤسف حقاً أن واقع الأمة العربية والإسلامية اليوم واقع دامٍ يرثى له.. شعوب تتسابق نحو الفضاء، وشعوب تلملم جراحها وأوجاعها في صمت، وشعوب تسعى بكل ما أوتيت لبسط نفوذها وسطوتها على جيرانها دون استحياء.. فيما الوطن العربي والإسلامي يعيش حالة ضياع وتمزق وشتات وصراع.. ويمضي كل طرفٍ لإثبات وجوده على حساب وطنه وأمته وهوية شعبه..
وفي زخم المشاحنات والصراعات الطائفية، والمذهبية، والجهوية تضيع الأوطان، وتتمزق الشعوب والأمم، وتناسى هؤلاء القوم أننا أمة واحدة، “كلنا لآدم وآدم من تراب”.. (كونوا عباد الله إخواناً).. (إنما المؤمنون إخوة)..
إزاء هذا الصراع الدامي، والتشظي المتفاقم، تطالعنا بؤر الفتن والأطماع من أبناء عروبتنا تحت مسميات زائفة، وشعارات كيدية، ظاهرها الرحمة والشفقة وباطنها العذاب والانتقام.. حتى راح بعضنا يضرب رقاب البعض الآخر دون هوادة أو شفقة.. بل يعين ويساند الأعداء ضد الوطن، ويصبح بوقاً من أبواقهم، يأتمر بأمرهم، ويأتم بتوجيهاتهم من أجل المال المدنس، التي سلكت مسلكاً دونياً لإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والجهوية لتفرق شمل الأمة العربية والإسلامية، وتجعلها في حالة غليان وجيشان حتى لا تفكر في بناء أوطانها، والارتقاء بشعوبها.. لأنها تدرك أن الأمم والشعوب عندما تصاب في أخلاقها وقيمها ومبادئها وعقيدتها يسهل هوانها والاستيلاء عليها..
وخير دليل وبرهان الغزو الفكري الذي غزا عقول الكثير من شبابنا اليوم.. على سبيل المثال لا الحصر كانت قضية فلسطين، قضية عربية إسلامية كبرى.. فهوى بها التعصب الأحمق.. والخلافات السياسية، العربية- العربية، والانقسامات المذهبية والجهوية والحزبية الى جعلها قضية فلسطينية بحتة.. بسبب سياسة التطبيع والارتهان العربي والأنظمة العربية العميلة..
بكل أسف حتى جامعة الدول العربية أصبحت بوقاً للكيان الصهيوني تعمل تحت مظلته، وتنفذ توجهاتها أياً كانت على علمٍ مسبق من تلك الأنظمة العربية العميلة.. شعارات جوفاء ترفع.. وسيناريوهات ماورائية تدار وراء الكواليس ضد الأمة العربية..
هناك أحداث مشوهة عبثت بتاريخنا، وحرفت مساره.. وشوهت بصفحاته البيضاء، فسالت دماء، ومزقت أشلاء، وتلاشت صروح وأمم بسبب تلك الأحداث الكيدية، والأقوال المضللة، التي مازالت آثارها شاخصةً حتى يومنا هذا في كثير من سماء دول المنطقة..
أما تكفي تلك الدروس والعبر لتكون لنا نبراساً نضيء بها سبل السلام والمحبة بدل الصراعات والخلافات التي تعيشها الأمة العربية والإسلامية من المحيط الى ما وراء البحار.. ومن الخليج الى المحيط..
من هنا جاءت الرسالة الإسلامية الخالدة التي تحمل في مضمونها وجوهرها بذور المحبة والسلام والمساواة بين أبناء البشر على اختلاف أجناسهم ومشاربهم وأطيافهم وألوانهم كرسالة محبة وسلام ورحمة للعالمين مصداقاً لقوله عزوجل: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) رافضاً لكل النعرات الطائفية والمذهبية والجهوية حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: “دعوها فإنها منتنة أو أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم”..
كلمات مضيئة:
ذهب الذين تحبهم، ذهبوا
فإما أن تكون
أو لا تكون
سقط القناع عن القناع عن القناع..
سقط القناع
ولا أحد..
إلاك في هذا المدى المفتوح بالأعداء والنسيان..
فأجعل كل متراسٍ بلد
لا.. لا أحد
سقط القناع
عرب أطاعوا رومهم
عرب.. وباعوا روحهم
عرب.. وضاعوا..
“محمود درويش”
خليك معناالمصدر: صحيفة 26 سبتمبر