الصباح اليمني_مساحة حرة|
قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أبو الفضل عموئي إن المحادثات مع السعودية وصلت إلى مرحلة إعادة العلاقات إلى المستوى الجيد، أدلى عموئي بهذا التصريح لوكالة مهر الإيرانية السبت 20 آب/أغسطس، عقب خمس جولات صعبة ناقش فيها الطرفان القضايا العالقة بينهما، وقد استضافت بغداد الجولات الخمس التي امتدت على أشهر طويلة وشاقة ومتقطعة. وقد سبق لدبلوماسيين آخرين التبشير بانفراجة بين البلدين.
الأسئلة الملحة التي تقف أمام أي احتمال لانفراج العلاقة بين الطرفين، تأتي في سياق سؤال رئيس ينبثق من رحم أزمة البلدين الدبلوماسية، وهو: ما مدى صمود العلاقة بين البلدين إذا ما دبّت الحياة السياسية في عروق تواصل الخصمين اللدودين؟
أستطيع أعدّ هذا السؤال سؤالاً بنيوياً جداً، لوجود احتمالات عدة لعودة العلاقة بين طهران والرياض:
الاحتمال الأول: أن تصريح الدبلوماسي الإيراني-والدبلوماسيين الآخرين- بني على تفاؤل مرده إلى ردود الفعل السعودية، التي لم تترجم أفعالاً على الآن، أي إن البشائر تقف عند حدود التصريحات والمجاملات، من دون فعل واقعي على الأرض يغيّر طبيعة العلاقة سوى تخفيف الحملات الإعلامية المتبادلة.
الاحتمال الثاني: أن عودة العلاقة ضرورة سياسية للطرفين في هذا الوقت تحديداً، لذلك سيصل الطرفان إلى تفاهمات نسبية لا ترقى إلى الاستراتيجية أو العميقة، التي بطبيعتها تدوم أطول على مستوى الزمن وتترسّخ أكثر على مستوى الكيفية وتعدّد مناحي تعزيز العلاقة، ومعنى ذلك قد تعود العلاقة إلى المستوى الخفيف في التمثيل الدبلوماسي.
الاحتمال الثالث: أن استجابة المملكة الإيجابية في المحادثات جاءت بعد مؤشّرات إلى ولادة وشيكة للاتفاق النووي، ما يدخل طهران مجدداً في العلاقات الخارجية السلسلة، سواء على مستوى السياسة أو الاقتصاد، وبحسب هذا الفهم فإن إرهاصات عودة الدول الغنية إلى السوق الإيرانية تجعلها مجدّداً ضمن المنافسين الكبار في المنطقة، سواء على مستوى السلع الأساسية أو الطاقة، وهو الأهم، خصوصاً بوجود أزمة حادة في هذا القطاع من جراء الحرب في أوكرانيا، وحاجة الغرب إلى خفض سعر المشتقات النفطية.
العلاقة الصعبة بسبب النقيضين
المناطقة يقولون “النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان”، ويفسر أرسطو ذلك بأن وجود الشيء وعدمه في وقت واحد ومكان واحد لا يتحقق على المستوى المنطقي، وهذا تماماً ما يعقّد مشكلة السعودية مع إيران والعكس، إذ كلتاهما دولة تتمتع بنفوذ ولديها سياسة خارجية وحلفاء، لكن بنيت كل استراتيجية بما تضر الاستراتيجية الأخرى، أي إن الاستراتيجيتين تسيران متقابلتين، وليس في توازٍ، ما يعني أن احتمال التصادم وارد في أي لحظة، ومن غير المرجّح أن تبنى كل استراتيجية لتوازي الأخرى، هذا يعني انقلابا في السياسة الخارجية لكل منهما أو في الحد الأدنى انقلاباً في سياسة إحداهما، فهل ذلك ممكن أو محتمل؟
لا نحتاج إلى استدعاء الخطوط العامة للسياسة الخارجية الإيرانية أو السعودية، ولا استدعاء مناطق الاشتباك والافتراق بينهما لنعرف حجم الصعوبة في هذا المجال، لأن ذلك معروف وواضح، لكن من الممكن الولوج في قراءة الانقلاب الذي طرأ على “المزاج السعودي” في تبريد العلاقة بجارها المتهم بالتدخل الدائم في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ودعم حركات “إرهابية” تهدد السلم الأهلي.
هل انزاحت السعودية عن الأسلوب التقليدي؟
في ضوء الانفجارات السياسية -إن صح التعبير- التي يشهدها العالم، ودخول النظام الدولي المحكوم أميركياً في غرفة الإنعاش، تقف السعودية على مفترق طريق صعب ومخيف.
تقليدياً؛ منذ نشأة السعودية الأولى حتى الثالثة على امتداد ما يقارب 300 عام، اعتادت الرياض الحليف الأميركي أكثر الحفاء احتضاناً لها وتحصيناً لإمداداتها الطاقيّة، في مقابل أن تمشي المملكة مشية منتظمة على نغم سياسات واشنطن، وحتى هذه اللحظة هي لم تخرج عن هذا السياق، لكن واضح أن صعود الصين في المجال الاقتصادي، وبروز تركيا وإيران كقوتين فاعلتين في المشهد الدولي، واختراق روسيا حاجز الصوت الأميركي وتغيير قواعد اللعبة الدولية، كل ذلك ينبئ بوجود تحديات جديدة تواجّهها المملكة، ككل الدول الفاعلة في العام، خصوصاً مع تأزم ولي العهد شخصياً مع بعض المؤسسات في واشنطن بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
ولي العهد السعودي، وهو حديث نعمة في السياسة، يحاول أن يلملم بعض أخطائه التي أقدم عليها بسبب خوفه على العرش وسعيه الحثيث ليكون الرجل الأقوى من دون منازع في عائلة اعتادت تقليداً تراتبياً في الحكم، قفز عليه الرجل في مشهد معروف شاهده كل العالم.
مفترق الطرق الذي يواجه ولي العهد حالياً، هو كيفية مد الجسور إلى بعض الأطراف التي تراها واشنطن غريماً لها كالصين أو عدواً كروسيا وإيران، لكن في الوقت نفسه لا يعرف الساسة في الرياض كيفية الخروج من شرنقة السياسات المتورطين فيها بسبب الأميركي والبريطاني كحرب اليمن مثلاً، وغيرها.
ماذا تحاول فعله الرياض؟
في اعتقادي أن الشيء الوحيد الممكن في يد السعودية-حالياً- هو تلقف “البطاطا الحارة”، بمعنى أن كل الخيارات تجعل المملكة الخليجية تحمل مكرهةً سياساتٍ أشبه بالبطاطا الحارة في يد أحدهم، فتقوم بتخفيف الحرارة بتبديل مواضع تلك السياسات وتغيير زواياها، إلى أن تبرد بعض تلك السياسات أو تنضج حلولها، فتكون السعودية بذلك تكسب الوقت من جهة، وتستفيد من الأطراف كلها-بنسب متفاوتة- من دون أن تجهر بسياسة خارجية واضحة منحازة ضد واشنطن من جهة ثانية. وهذا النوع من السياسة قد يراها بعض ساسة المملكة كياسة ودهاء -في ظل الحيرة والتورط في سياسات أميركا- فلا تخسر الرياض أحداً من حلفائها الاستراتيجيين، ولا تخسر موطئ القدم في العالم الجديد المحتمل، الذي تتبدل فيه وجوه اللاعبين على مستوى نسبة النفوذ والتأثير والقوة.
ثمة مؤشرات ستؤكد هذه الاحتمالية أو تنفيها، أهم تلك المؤشرات إنهاء حرب اليمن والدخول في شراكة اقتصادية مع إيران إذا ما أبرم الاتفاق النووي، وتخفيف الضغط عن بعض الأطراف في العراق ولبنان. هذه المؤشرات هي ما ستؤكد أن السعودية تحاول أن تنزح عن أسلوبها التقليدي، وإذا ما انتفت تلك المؤشرات، فهذا يعني أن المملكة لا تزال قابعة في سياساتها، وأن ما يجري ليس سوى “خرطوش” إعلامي.
خليك معناآراء الكاتب لا تعبر بالضرورة عن السياسة التحريرية للموقع
المصدر: الميادين نت