فجاء و دون مقدمات وفي وقت متأخر من الليل يصدر هادي عدد من القرارات أطاح بها محافظي ثلاث من محافظات جنوب اليمن هي حضرموت و شبوة و سقطرى ، وما يجمع هؤلاء المحافظين الذين تم الإطاحة بهم هو ما سمي ” بالمجلس السياسي الإنتقالي الجنوبي ” الذي أعلن الجميع إنضمامهم إليه بشكل أو بآخر .
بعد مشوار طويل من السجالات و النزاعات بين هادي وحكومته و بين قيادات في المقاومة الجنوبية من الحراك الجنوبي ، قام هادي قبل أشهر بالإطاحة بمحافظ عدن عيدروس الزبيدي و ليدخل الجنوب في أزمة كون الزبيدي و أيضا معه هاني بن بريك أحد القيادات الأمنية العسكرية في عدن هما من أبرز رجالات الحراك الجنوبي المنادي بالإنفصال و أيضا كان لهما دور بارز في القتال إلى جوار هادي منذ بداية العدوان السعودي على اليمن ، و بالتالي كانت إقالتهما بمثابة ضربة للقضية الجنوبية راؤها نوعا من التنكر و التخلي عن الشراكة معهم .
في معادلة الصراع في محافظات اليمن الجنوبية تحضر السعودية عن طريق هادي و حكومته و تحضر الإمارات عن طريق قيادات الحراك المدعومين منها و بالطبع كان الزبيدي هو أبرزها ، وعندما تم الإطاحة به لم يمثل فقط ضربة للقضية الجنوبية وإنما ضربة للإمارات بدرجة أولى ، وفي رد فعل على هذه الضربة ذهب الزبيدي و فريقه بدعم إماراتي إلى إعلان ” المجلس السياسي الجنوبي الإنتقالي ” برئاسة الزبيدي و ضم عدد من الشخصيات الجنوبية و من بينها محافظي المحافظات الثلاث الذي أطاح بهم هادي بصورة مفاجئة مؤخرا .
كان المجلس السياسي الجنوبي يتحضر لعقد موتمر مميز له كان المقرر إنعقاده في محافظة حضرموت وبالطبع لذلك دلالته القوية بقوة محافظة حضرموت بين المحافظات الجنوبية و اليمنية ككل ، وقبل إنعقاده بأيام إستدعت السعودية محافظي المحافظات الثلاث وتوجه ثلاثتهم إليها و ليعلن بعد ذلك أن المؤتمر لن يعقد و بعدها بأيام يصدر هادي قراراته بالإطاحة بهم وتعيين بديلا عنهم .
الإطاحة بثلاث محافظين محسوبين على الإمارات ومن أهم رجالاتها في الجنوب هي ضربة تماثل الضربة التي تمت بحق الزبيدي إن لم تكن أشد ، لكن لا يبدو على الإمارات أنها تعارض ما تم على غير موقفها عند الإطاحة بالزبيدي وعلى غير موقفها تجاه كثير الم يكن كل تصرفات هادي التي كانت تتم بخصوص المحافظات الجنوبية من قبل .
بعد الإطاحة بالزبيدي إستدعته السعودية و معه محافظ أبين لزيارتها إلا أنها لم تتمكن من تحقيق ذلك رغم أن الزبيدي كان قد أقيل من محافظة حضرموت إنتهى الأمر ، لكنها هذه المرة أستدعت محافظي ثلاث محافظات مرة واحدة و كلهم لازال على رأس عمله كمحافظ لمحافظته والتي بينها أهم محافظات الجنوب بالنسبة للإمارات حضرموت و سقطرى وبالفعل توجه الجميع إليها و توجههم جميعا إليها في ذات الوقت هو دليل كامل أن توجههم للمملكة تم بعد حصولهم على موافقة إماراتية .
ظل مصير المحافظين الثلاثه غير واضح هل عادوا الى محافظات الجنوب كما يقول البعض ، أم توجهوا الى الإمارات كما يقول بعض آخر ، لكن معلومات جديدة صرح بها اليوم رئيس تحرير ” عدن الغد ” أشهر صحيفة و موقع إخباري في المحافظات الجنوبية أن مصادر موثوقة أكدت له أن المحافظين الثلاثة باقون في أحد فنادق المملكة وأنها سحبت جوازاتهم لضمان عدم مغادرتهم أراضيها والعودة للجنوب ، و بالطبع إن تاكد هذا الخبر فهو أيضا دليل قاطع آخر على أن الأمر منسق تماما بين السعودية و الإمارات .
برود الإمارات تجاه قرارات هادي و توجه المحافظين الى السعودية و عدم وضوح مصيرهم مع تاكيد آخر بأنهم محتجزون في السعودية تقطع بأن الأمر منسق بين السعودية و بين الإمارات ، و السؤال هو مالذي أستجد حتى تغير الإمارات موقفها في الجنوب المتشدد للغاية خلال الفترة الماضية ؟ و لماذا بدأت ” القطة الإماراتية بأكل صغارها ” ؟ .
اطاح الملك سلمان في آخر أيام رمضان المنصرم بمحمد بن نايف من ولايه العهد و عين نجله محمد بن سلمان بدلا عنه ، لكن كان ملفت أنه على حساسية الأمر بالنسبة للأسرة المالكة السعودية تم تسريب خبر محمد بن سلمان من الإمارات عبر شخصيات إماراتية معروفه قبل أن تعلنه السعودية نفسها . وهذا الأمر – وبالطبع هناك غيره لكن لسنا بصدد هذا الموضوع في هذا المقال – يعني أن صناعة محمد بن سلمان ك ولي للعهد كان يطبخ في الإمارات ، و بالتالي فبدء مرحلة من الإنسجام الكامل بينها و بين السعودية هو أمر يمكن فهمه ، وهذا الإنسجام يسقط بحق الملف اليمني قبل غيره لأهميته البالغة بالنسبة للجانبين ، و لن يظل هناك أي غرابه بخصوص أن ماتم تجاه المجلس السياسي الجنوبي و محافظي المحافظات الثلاث هو أمر متفق عليه إماراتيا سعوديا .
كان السجال في المحافظات الجنوبية بين الإمارات عبر الموالين لها في الحراك الجنوبي و بين السعودية عبر هادي و حكومته أمر غاية في التعقيد كون الجميع يحارب تحت شعار ” الشرعية ” و مع ذلك عملت الإمارات كل ما تستطيعه لعدم تواجد لسلطة ما يسمى ” الشرعية ” في محافظات الجنوب ، وكان غاية في الحساسية بالنسبة للإمارات لأنها ترى أن السلطة المسماة ” بالشرعية ” قد مسخت بعد الإطاحة ببحاح من رئاسة الوزراء إلى حكومة إخوانية و لكون الإمارات في صراع اقليمي مع الإخوان فعدم السماح بالتمكين لهادي وحكومته في محافظات الجنوب هي مسألة أمن قومي بالنسبة لها لا يمكن تقديم أي تنازل فيها ، لكن كيف للإمارات أن تنسق مع السعودية على الإطاحة برجالها في محافظات الجنوب مع كلما سبق ؟ .
تفجرت بشكل مفاجئ أزمة حادة بين الامارات و السعودية من جهه و قطر من جهة أخرى وما يعنينا من تفاصيلها هنا هو الحدة التي أبداها الطرفين هذه المرة تجاه الإخوان المسلمين و مطالبة قطر بقطع أي صلات لها بهم ، و رغم أن السعودية لازالت تعتمد على الإخوان في عدوانها على محافظات الشمال بشكل كبير إلا إنها قد جارت الإمارات من هذه المرحلة ببدء العمل ضد الإخوان بشكل علني و واضح و متشدد .
وصل بحاح نائب هادي و رئيس الوزراء السابق الذي أطيح به من جميع مناصبه قبل مشاورات الكويت إلى حضرموت لأول مرة منذ مغادرته اليمن ” لمعايدة والدته ” ومع أنه لا يحمل أي صفة رسمية إلا أنه وصل إلى مطار الريان ويعلن تدشين العمل في المطار والذي كانت الإمارات تعارض تشغيله قبل ذلك رغم المطالبات الكثيره و المتكرره بتشغيله بل ويتحدث بلغة المسئول المعني بأحاديث القرارات !! ، و لتلحقه صحف إماراتية بحديث عن قرب الوصول لحل سياسي للأزمة اليمنية و كما بشرت الامارات بمحمد بن سلمان من قبل بشرت بموقع مرموق لبحاح في هذا الحل السياسي الذي قالت بقرب التوصل له .
كانت مشكلة الإمارات جنوبا هي مسخ السلطة المسماة بالشرعية لتصبح سلطة إخوانية بالإطاحة برجلها بحاح من نيابته لهادي ورئاسته للوزراء و الإتيان بمحسن نائب للرئيس و التاثير الجوهري ” لحزب الاصلاح ” على قرارات هادي و تشكيل جزء كبير من ما يسمى بالجيش الوطني و كذلك ما يسمون بالمقاومة من عناصر إصلاحية أو محسوبة على هذا الإتجاه ، أو لنقل أن الإمارات كانت ترى أن سلطة ما يسمى ” الشرعية ” باتت تحت سيطرة جوهرية لمنظومة الإخوان في اليمن ، وهي مشكلة كما سبق وقلنا لايمكن للإمارات أن تجاوزها و تلتقي مع السعودية مالم تكن قد أتفقت معها على حل لها .
بالنظر للملابسات السابقة جميعها يمكن تصور الحل الذي ألتقت الإمارات و السعودية عليه و قبلت تبعا له بالإطاحة برجالها في الجنوب ، وهذا الحل حتما يقوم على بحاح لظهوره المفاجي و المبرز و لتبشير الامارات بشغله لموقع مرموق و لكون رجل الإمارات الأول الذي أختارته للملف اليمني منذ البداية وقبل العدوان .
قبلت السعودية بالعمل مع الإمارات ضد الإخوان بداية من أزمة قطر و بالتالي فقد أتفقت الإمارات و السعودية على إستبدال ملعب محافظات الجنوب بتسوية ملعب ما يسمى ” السلطة الشرعية ” ، فما سيتم هو إبراء ” الشرعية ” من المسخ الذي أصيبت به من قبل السعودية قبل الذهاب للكويت ، و ما سيتم اعادة بحاح بأعتباره الرجل المدعوم بالقرار الاممي و بالمبادرة الخليجية و الذي يمكن فرضه بسهوله أكثر بكثير من غيره و البداية ستكون بوضعه في موقع ” مرموق ” و بالتدرج سيتم التخلص من منظومة الإخوان و وصولا للإطاحة بهادي في الوقت المناسب و تشكيل ” شرعية ” جديدة لايمكن الحصول عليها إلا عبر شخص بحاح و ستكون متناسبة تماما مع الإمارات و سيمكن لها الدخول و القيام كسلطة في محافظات الجنوب .
ومع ذلك لم تلقي الإمارات بالحبل من يدها بالكامل ، فسؤال.. ماذا إذا لم يلتزم بن سلمان أو فشل في تحقيق الإطاحة بمنظومة الإخوان المتفق عليه؟ ؟ كان حاضرا لدى الإمارات و قد وضعت إحتياطاتها له أيضا ، فما سمحت به هو أن يطيح برجالها الثلاثة بل أن تحتجزهم السعودية لديها وبتقبل إماراتي كامل هذه المرة ،لكن من تم إختيارهم هم أيضا من رجال الإمارات وأن لم يكونوا بنفس فاعليه من أطيح بهم خلال الفترة الماضية ولكن يمكن تفعيلهم في حال فشل ” الصفقة ” السعودية الإمارتية ، و لعل إختيار قائد المنطقة الثانية الموالي للإمارات محافظا لمحافظة حضرموت مع بقاءه قائد للمنطقة الثانية خير مظهر من مظاهر التحوط الإماراتي فالرجل إماراتي الهوى – إن لم يكن بذات مستوى ميول سلفه بن بريك – و الأهم أن القوة العسكرية لازالت في يده كما كانت في يده في عهد سلفه .
و السؤال الآن هو هل ستنجح ” الصفقة ” بوضع بحاح في موقع مرموق ويتبع ذلك قرارات في مختلف الإتجاهات بالتدريج كلما سنحت الفرصة وصولا لتعطيل ” منظومة الإخوان ” ووصولا بعد ذلك الى الإطاحة بهادي أم أن ” الصفقة ” ستفشل و ستعود الإمارات لتشريد هادي و حكومته و السعودية بالتبعية من محافظات الجنوب ؟ و الاهم هل سيدرك الموالون للامارات من الحراك الجنوب اللعبة التي تمارس عليهم و بهم ؟ ، الفترة القادمة هي التي ستجيب على ذلك .