الصباح اليمني_ثقافة وهوية|
ملخص البحث:
يهدف هذا البحث إلى إبراز دور ومكانة ميناء عدن يعده عصب اتصال أساس بين عالمي البحر الأحمر والبحر المتوسط من جهة، وبين عالمي المحيط الهندي والفارسي من جهة أخرى، فقد عُرفت عدن على أنها مدينة وميناء تجاري وسوق قديم من أسواق اليمن والعرب، وخضعت قديماً لعدة ممالك محلية منها أوسان ، قتبان ، سبأ ، وأخيراً مملكة حمير الفتية، وتميزت بموقع استراتيجي مهم منحها ثقلاً تجارياً عبر فترات تاريخية طويلة، مهدت لنسج علاقات متميزة مع مراكز وحواضر العالم القديم.
وتكمن أهمية البحث في توضيح العلاقات التجارية التي ربطت عدن بالعالم الخارجي القديم، كعلاقتها مع موانئ الساحل الشرقي الإِفريقي، وعلاقتها التجارية مع اليونان والرومان ومصر وساحل البحر المتوسط، وعلاقتها مع الهند والسند وبلاد فارس، وقد خلدت تلك العلاقات كتاب العهد القديم والنقوش والمصادر الكلاسيكية.
ويسهم البحث في التعرف على أنواع السلع التجارية الداخلة إلى ميناء عدن المحلي منها والدولي، واثر هذه العلاقات التجارية على عدن المدينة والميناء، وما نتج عنها من امتزاج الكثير من العناصر الثقافية والحضارية بين عدن وتلك الشعوب.
وسيكون البحث موزعاً على ثلاثة محاور، هي على النحو التالي:
المحور الأول: علاقة عدن التجارية مع العالم الخارجي.
المحور الثاني: أهم السلع التجارية المحلية والدولية.
المحور الثالث: أثر العلاقات على عدن المدينة والميناء.
——–
المحور الأول: علاقه عدن التجارية مع العالم الخارجي:
من المعروف أن عرب جنوب الجزيرة كانوا بمثابة وسطاء عالميين للتجارة الدولية في العالم القديم، إذ كانت تجارتهم تجوب البر والبحر، فحققوا ارباحاً وقدموا خدمات كبيرة لشعوب العالم عن طريق نقل السلع المحلية والدولية التي كانت تحظى بقبول عالمي، وقد أصبحت موانئ جنوب الجزيرة قنا ــ عدن ــ موزع ( مخا )، مراكز تجارية مزدهرة تمر عبرها السلع القادمة من الهند وسيلان وشرق افريقيا إلى حوض المتوسط مصر واليونان والرومان، والعكس كذلك.
أولا: علاقه عدن التجارية مع شرق افريقيا:
لقد ارتبطت عدن بعلاقات تجارية موغلة في القدم مع شرق افريقيا، ويعود السبب في ذلك إلى تقاربهما الجغرافي إذ لا يفصل بينهما سوى البحر الأحمر الهادئ والضيق، فالمساحة بين الساحلي الافريقي والساحل اليمني لا يفصلهما سوى باب يمكن عبوره بواسطة القوارب البدائية، فالحبشة منذ القدم كانت سوقاً تجارياً ومورداً لكثير من المنتوجات المرغوبة عند تجار عرب الجنوب كالتوابل والعاج والجلود.
ويبدو أن هذا التقارب قد مكن تجار جنوب الجزيرة العربية من احتكار منتجات شرق افريقيا واتخاذ هذه المناطق موطنا لهم منذ القدم مما جعلهم رواد في التجارة التي تدر عليهم الثروة، فاحتكروا تجارة المياه الجنوبية، وكانت سفنهم التجارية تجوب هذه البحار بكل حرية لنقل سلع البلاد المحيطة بهم، فكانت المراكب الهندية الضخمة تحمل منتجات شرق افريقيا والهند وفارس إلى ميناء عدن، ومن عدن تتحرك سفن عرب الجنوب، وهي محملة بنفائس سلع العالم القديم إلى بلدان البحر المتوسط واليونان والرومان.
ثانيا: علاقة عدن التجارية مع الهند:
ليس هناك متفق عليه لبدء العلاقات التجارية بين الموانئ العربية الجنوبية والموانئ الهندية، إلا أنه من المحتمل أنها بدأت في الوقت الذي بدأت فيه العلاقات التجارية مع بلاد الرافدين وسكان السند، وبهذا فقد كان لبلاد لعرب الجنوبية علاقات تجارية واسعة مع الهند، وقد جاءت هذه العلاقات من خلال ذهاب التجار العرب الجنوبيون الذين كانت سفنهم تعبر المحيط الهندي في أوقات معينة من السنة.
وبما أن الهند كانت لها منتوجات ومصنوعات يحتاج لها سكان العالم القديم كالمصريين والاشوريين والفينيقيين واليونانيين والرومانيين والعرب، فما كان من عرب الجنوب ( اليمنيون القدماء ) قد تكفل بنقل هذه السلع الهندية على سفنهم الشراعية بمساعدة الرياح الموسمية التي عرفوا اسرارها دون غيرهم.
ويبدو أن تجارة البخور قد ساهمت بدور مهم في انتعاش العلاقات التجارية بين موانئ العربية الجنوبية بما فيها موزع – عدن – قنا وموانئ الهند، حيث كان البخور بأنواعه المختلفة من أهم السلع التجارية التي أستوردها التجار العرب من الهند.
ثالثا: علاقة عدن التجارية مع اليونان والرومان:
لقد ارتبط عرب جنوب الجزيرة العربية بعلاقات تجارية متميزة مع اليونان والرومان منذ القدم، حيث كانت بلاد عرب جنوب الجزيرة تحتل مكانة خاصة في مجال إنتاج المواد العطرية من بخور وطيوب، ومما يوكد على تلك العلاقات التجارية العثور على نقش في ( فقط ) وهي مدينة تقع على النيل في صعيد مصر نقش باليونانية يشير إلى مواطن ( تجار ) من عدن، وهذا يؤكد على حجم الترابط والعلاقات التجارية اليونانية مع عدن.
ومما لاشك فيه أن السفن التجارية اليونانية والرومانية التي كانت تأتي إلى موانئ الساحل الجنوبي الغربي للجزيرة العربية لا تستطيع تجاوز ميناء عدن، حيث كانوا يحملون بضائعهم من موانئ الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، قنا – عدن – إلى البحر الأحمر ومنها إلى ميناء البطلمي القصير، ومنه يتخذ طريقاً برياً في صحراء مصر الشرقية حتى ( قفط ) على نهر النيل.
المحور الثاني: أهم السلع التجارية المحلية والدولية:
كان لميناء عدن دورا كبير في حركة التجارة العالمية القديمة، وخاصة أهم السلع التي كانت تأتي إلى هذا الميناء ويتم تصديرها إلى العالم الخارجي، وهذه السلع هي التي منحت ميناء عدن شهرته العالمية الواسعة، حيث كانت السفن التجارية القادمة من الهند لا تبحر مباشرة إلى مصر، وكذلك السفن التي تأتي من مصر لا تجرؤ على الإبحار إلى الهند مباشرة، ولكنها تصل إلى ميناء عدن – وبهذا كانت تستلم البضائع من كلي الجانبين، واهم السلع التجارية المحلية والدولية كالاتي:
أولاً: أهم السلع المحلية:
اللبان – المر – الملح – المصنوعات المعدنية والآلات الحديدية – الطيوب والعطور العنبر – الأقمشة والمنسوجات والبرود العدني – الأحجار الكريمة والعقيق – اللؤلؤ – الخيول العربية.
ثانياً: أهم السلع الدولية:
الزجاج والمصنوعات الزجاجية – القرفة – الفلفل – صدفات السلاحف.
المحور الثالث: أثر العلاقات التجارية على عدن المدينة والميناء:
لم يكن دور عدن المدينة والميناء مقتصراً على استيراد وتصدير وعرض المنتجات والسلع المحلية والدولية فقط، بل كانت تمثل تجمعاً ثقافياً واجتماعياً بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي لكل مرتادي هذه المدينة والميناء من أصقاع العالم القديم من الهند وشرق افريقيا واليونان والرومان والمصريين وكذا اليمنيين انفسهم. وهذا مما جعل عدن منطقة تفاعل حضاري ومدينة للتعايش السلمي والثقافات المختلفة منذ وقت مبكر بين مختلف الأعراف والأجناس التي كانت تتردد على عدن المدينة والميناء من أجل العيش فيها أو من أجل ممارسة النشاط التجاري.
ويبدو أن أثر هذه العلاقات التي تمت مع مختلف الأجناس يمكن تلمس أثرها بشكل وأضح في جوانب عديدة، منها التشابه في المصطلحات الملاحية الواحدة كذلك تبادل الكثير من الكلمات الدخيلة على اللهجة المحلية لعدن. كل هذا الأثر الإيجابي الذي تركته عدن المدينة والميناء في علاقتها مع حواضر الحضارات الإنسانية في نشاطها التجاري على الجوانب الثقافية والحضارية بين الأمم والشعوب ومساهمتها الفاعلة في تقارب تلك الشعوب ثقافياً وحضارياً واطلاعهم على بعضهم، قد أدى إلى وجود العديد من التأثيرات الخارجية على عدن المدينة والميناء في مختلف جوانب الحياة سواء اكان دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو فنياً.
د. عوض عبدالرب عبدالولي الشعبي
أستاذ التاريخ القديم المساعد/ جامعة عدن – كلية التربية يافع
البحث منشور ضمن ملخصات أبحاث المؤتمر العلمي الرابع لمركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر
خليك معناالمصدر: ملتقى المؤرخين اليمنيين