يبدو الحديث عن هادي باعتباره صانع القرارات ذات العلاقة بتسيير الأوضاع في شمال اليمن وجنوبه، فيه قدر كبير من الاستخفاف بالعقول، في ظل يقين من أنه ليس أكثر من واجهة تعلن عبرها قرارات تسويات الحل والعقد، حتى وإن لم يمتلك القدرة على إمضائها.
ومن خلال الاحتيال الذي على ضوئه تم إصدار قرارات الإقالات الأخيرة، التي أبعد فيها محافظي حضرموت وشبوة وسقطرى، ليلحقوا بسابقيهم عيدروس الزبيدي، وهاني بني بريك، يتأكد حقيقة مثل هذا العجز الكلي.
إذ إن استبعاد المحافظين الجدد من مناصبهم، قد تم بالطريقة ذاتها التي استخدمت حيال السابقين، حين تم إبعادهم بطرق احتيالية عن محافظاتهم، إلى دول خارج اليمن، ليتم بعده إعلان القرارات ذات الصلة.
إلا أنه ومع ذلك كله، فإن مثل هذه التغييرات ليس لها علاقة بتكريس سلطة هادي، أو حتى إعادتها من الخارجين عليه لتصبّ في صالحه، بقدر ما هي انتزاع أو تخفيف من سيطرة النظام الإماراتي على هذه المحافظة أو تلك، ونقلها إلى النظام السعودي، وتوقيت مثل هذه القرارات بالنسبة للمملكة يبدو مثالياً إذ استغلت فيه التغيير الحاصل في رأس الحكم السعودي، الذي لن يكون في مقدور ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الوقوف أمام محمد بن سلمان، الذي يقود مهمة مواجهة أمير قطر، العدو الأكثر وضوحاً لأبوظبي.
ومن المؤكد أن القبول الظاهري بمثل هذه القرارات، لا يعد تسليماً بها بقدر ما هو انحناء أمام العاصفة حتى تمر، وهو ما يؤجل المواجهة على مستوى الداخل، ليس إلا باعتبار أن القرارات القادمة ستكون استحقاقاتها أكثر إيلاماً، وتنفيذها أشدّ صعوبة، كونها ستجهز على ما تبقى من سيطرة إماراتية، وإن أرادت لها السعودية أن تستمر إلى حين، بعد أن تم اختيار المحسوب على أبوظبي، قائد المنطقة الثانية العميد البحسني، محافظاً لحضرموت، مع استمراره في البقاء بمنصبه العسكري، مع أن مثل هذا البقاء لن يكون طويلاً، وسرعان ما سيتم تجريده من قيادة المنطقة التي تنضوي فيها قوات «النخبة الحضرمية» التي أشرفت على تدريبها القوات الإماراتية.
وكما ذهبت في مقال سابق في هذه المساحة، فإن الصراع في حضرموت سيكون عسكرياً لا ناقة لأبناء حضرموت فيه ولا جمل، وبالذات حين تدخل قيادة المنطقة الأولى المرابطة في حضرموت الداخل بسيئون في معادلة التسوية، وهي قوات ذات غالبية شمالية بالمطلق، لا حكم لهادي عليها إلا بإصداره قرارات تعيين القادة العسكريين ذوي المستويات العليا.
ولذلك، فإن حضرموت ليست خارج سياق التفكيك الذي يجيد هادي تنفيذه، وقد بدت التداعيات حين رفض «المجلس الانتقالي» مثل هذه القرارات، داعياً إلى مليونية لرفضها، فيما أعلن رئيس مؤتمر «حضرموت الجامع» مساندته لقراراته، وما يمكن أن يحصل قد سبقته محافظات الجنوب، وعلى رأسها عدن ومثلها محافظات الشمال، التي تعدّدت ولاءاتها على المستوى الشعبي وعلى المستوى السياسي أيضاً.
وما يجري منذ أشهر من محاولات لم تتوقف لاستقطاب أعضاء مجلس النواب باتجاه تعزيز شرعية هادي، وعقد جلسة كاملة النصاب في إحدى المحافظات التي هي تحت سيطرة «التحالف»، يصب في اتجاه تكريس التفكيك، لا السعي إلى الحل.
ومنذ أيام قليلة ماضية، تمكنت الرياض من حشد عشرات النواب الذين استقبلهم هادي في جدة، ومنح من حضر منهم عشرة آلاف دولار كمكافأة وترضية، بعد قرار منعهم من السفر والعودة، وإبقائهم للقاء ولي العهد السعودي. في حين، يبدو أن الخوف من مغادرة النواب عقب استلامهم المبالغ المخصّصة لهم، هو الباعث الحقيقي لمنعهم من السفر، مع وعدهم بمكافآت مجزية في حال تم إقناع عدد آخر ممن لا زالوا في الداخل، أو منهم في الخارج من الذين يعانون من أمراض مختلفة ويقبعون تحت وطأة الحاجة، بعد أن منعت عنهم مرتباتهم من قبل رئاسة مجلس صنعاء، وتخلى عنهم حزبهم (المؤتمر الشعبي العام)، الذي اكتفى بمن هم في الداخل، حتى وإن لم يمثلوا نصاباً بحسب ما تنص عليه لائحة المجلس.
وفي هذا السياق، تبدو معركة تجاذب النواب ومحاولة السيطرة عليه هي الأكثر شراسة، بعد أن أدركت الأطراف، وعلى وجه الخصوص صالح وحكومة الرياض، الأهمية التي يمثلها باعتباره المؤسسة الشرعية التي لازالت معترف بها من كل أطراف الصراع وعلى المستوى الدولي.
وفي حال نجحت الرياض بالحصول على الأغلبية المطلوبة، فإن تصويت هذا المجلس سيقر انتخاب رئاسة وهيئة جديدة له، مثلما سيؤكد شرعية هادي وكل قراراته السابقة، كما سيكون عليه شرعنة الحرب على اليمن واستمرارها، ومنح هادي ونائبه ورئاسة المجلس تفويضاً مطلقاً في ضرب «الانقلابيين»، والعودة إلى العاصمة، وهو ما يعني ببساطة أن مهمة هذا المجلس ستنتهي مع التصويت على هذه القرارات، لأن مسألة تجميع النواب وإيجاد مكان يلتقون فيه مرة أخرى سيكون أمراً مكلفاً وبالغ الصعوبة.
وما سبق من عناوين هي دلالة على تصعيد سيكون شاملاً باتجاه الحسم العسكري الذي تم تصعيده بشكل غير مسبوق، وليس الحل السلمي، ولا أدري إن كانت صدفة للمرة العاشرة أن يطل المبعوث الأممي إلى اليمن مع كل هذا التصعيد، ليعلن من باريس أنه تم الاتفاق مجدداً على خارطة جديدة للحلّ، تدعمها فرنسا، سيتم طرحها قريباً.