بقلم:عبد الباري عطوان|
ان يعلن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيرلسون اليوم الاحد ان دولة قطر تدرس مطالب الدول العربية المُقاطعة لها (السعودية الامارات مصر والبحرين)، معتبرا ان بعضها قد يكون أساسا للحوار، وحلا للخلاف، يكشف عن موقف امريكي مُضلل، لان الرئيس دونالد ترامب شريك رئيسي في مخطط هذه الازمة، وكل الخطوات التي ترتبت وقد تترتب عليها، وقبض الثمن مقدما.
السكرتير الصحافي باسم البيت الأبيض شون سبايسر، كان اكثر صدقا ووضوحا من وزير الخارجية تيرلسون عندما وصف الخلاف القطري مع الدول الأربع، بأنه “مسألة عائلية يجب عليهم حلها”، وأضاف “هذا شيء هم يريدونه ويجب عليهم ان يحلوه بأنفسهم”، ورفض الرد على سؤال يتعلق بإغلاق محطة “الجزيرة”.
***
هذه اللغة المريبة التي يتحدث عبرها المستر سبايسر تعكس موقفا تقليديا أمريكيا لا يتغير في النزاعات التي تكون أمريكا طرفا فيها، او داعما لأحد أطرافها، وتعيدنا الى الوراء قليلا، وبالتحديد الى عام 1990، وما ورد على لسان، السفيرة ابريل غلاسبي للرئيس العراقي صدام حسين قبيل ازمة اجتياح الكويت، وتبين انها ضوء اخضر مقصود لايقاعه في هذه المصيدة.
القول بأن الازمة الخليجية هي “مسألة عائلية” يشكل “تسطيحا” لها، بل تحريضا على اتخاذ خطوات اكثر تشددا، ونأيا بالنفس ولو شكليا عن كل ما يمكن ان يترتب عليها من تبعات، هذه ليست خلافا بين زوجين، يتم حله من خلال تدخل اهل الخير، للإصلاح بينهما، اللهم الا اذا كان المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي واثق من حدوث “طلاق بائن” بين قطر وخصومها الخليجيين، معتمدا على تصريحات الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الاماراتي والمتحدث باسم التحالف الرباعي التي ادلى بها يوم امس في مؤتمره الصحافي، واكد فيها على ان “الطلاق” بات مؤكدا حتى قبل ان يبدأ “اهل الخير” مهمتهم.
مرت أربعة أيام من المهلة التي أعطيت لدولة قطر لتنفيذ “حزمة المطالب” جميعا، في غضون عشرة أيام، وبالنظر اليها، أي المطالب، الواحدة تلو الأخرى، لا نتردد لحظة في القول بأنها قدمت من اجل ان تُرفض، لا ان تُقبل، للانتقال الى المرحلة الثانية من العقوبات، تمهيدا للمرحلة الثالثة والنهائية التي لا نستبعد ان تكون الحل العسكري في نهاية المطاف.
السفير القطري في موسكو، فهد بن محمد العطية، قال ان هذا التحرك الرباعي يهدف الى “تغيير” النظام، ونحن نشاطره هذا الرأي، لان كل التجارب المماثلة بدأت بالحرب الإعلامية، ثم الحصار الاقتصادي، وأخيرا التدخل العسكري، ولنا الكثير من الأمثلة في هذا المضمار في كل من العراق وليبيا واليمن.
***
لا نعرف كم من الوقت ستحتاج القيادة القطرية لدراسة المطالب، وتفصيلاتها التي ما زالت سرا بالنسبة الى الإعلامين العربي والدولي، مثلما لا نعرف ما اذا كانت هناك وساطات سرية تجري في الغرف المغلقة، وما اذا كانت مهلة العشرة أيام قابلة للتمديد، ام انها نهائية، ولكن ما نستقرئه من خلال متابعتنا لهذه الازمة، بالقياس الى ازمات سابقة، كانت أمريكا طرفا فيها، ان الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا خطيرا، لان قطر لن تتنازل، ولم تعط حتى الوقت للتنازل حتى لو ارادت، والطرف المقابل متعجل في خطواته، ويريد السير على طريقة “النظرية الشيوعية” دون ان يكون شيوعيا، أي سياسة حرق المراحل للوصول الى الهدف النهائي بأقصى سرعة ممكنة.. والأيام بيننا.
خليك معنا