الصباح اليمني_مساحة حرة|
نقل المعركة خارج حدود اليمن وتهديد المصالح الأمريكية النفطية في السعودية ومساندة موسكو للثورة وسيطرة حكومة صنعاء على مناطق شاسعة من اراضي اليمن كل ذلك وغيرها دفعت واشنطن للاعتراف بثورة سبتمبر .
تحددت السياسة الأمريكية من قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م والتدخل المصري بمصالحها الاقتصادية في السعودية ولمنع هيمنة الاتحاد السوفيتي المؤيد للحركات التحررية في منطقة الشرق الاوسط .
موقف واشنطن اتسم الموقف الأمريكي في مواجهة ثورة اليمن باتجاهين عارض الاتجاه الأول الاعتراف بثورة اليمن لأنها ستشكل تهديدا للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط وخطرا على مصالحها الحيوية تبنى ذلك الموقف الكونجرس الأمريكي ووزارة الدفاع فضلا عن شركات النفط العاملة في السعودية ارامكو .
اما الاتجاه الآخر فكان يرى ضرورة الاعتراف بالنظام الجمهوري في اليمن وتبنت ذلك الموقف وزارة الخارجية الأمريكية المؤيدة لسياسة الرئيس الأمريكي جون كينيدي (1961- 1963م) .
إذ رأت إن المصالح الأمريكية في السعودية متعلقة بمدى تهديد استقرار النظام السعودي ورأت وزارة الخارجية الأمريكية إن خير وسيلة لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة هو حصر الصراع اليمني في اليمن ومنع انعكاساته من الانتشار خارجها بما يعرض مصالح أمريكا في الشرق الأوسط للخطر بعد تأكيد الرئيس عبدالناصر (لجون بادو ) السفير الامريكي في القاهرة إن اليمن في ظل النظام الجمهوري لن تكون قاعدة للهجوم على السعودية .
لذلك اتخذت الحكومة الأمريكية موقفا شبه متوازيا من اطراف الصراع داخل اليمن فهي من ناحية تخشى على مصالحها النفطية في الجزيرة العربية من تهديد الوجود السوفيتي وفي الوقت نفسه لا تريد إثارة عداء الرئيس عبدالناصر والثوار اليمنيين بعدم اعترافها بالثورة اليمنية .
حيث اتبع الرئيس الأمريكي كينيدي سياسة رفض الأنظمة المغلقة والمنعزلة ومنها نظام الحكم في اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر .
ورأى أن دعم الأنظمة الثورية والحركات الوطنية أفضل لتحقيق المصالح الامريكية ومحاولة كسبها لقطع الطريق امام الاتحاد السوفيتي .
وأن اعتراف الحكومة الأمريكية بالجمهورية والثورة في اليمن يؤدي إلى وقف المساعدة السعودية للقوات الملكية ومن ثم يعطي عبدالناصر مبررا لانسحاب مشرف من اليمن .
موسكو – بكين أثار اعتراف الاتحاد السوفيتي بالثورة اليمنية
الولايات المتحدة الأمريكية إذ تخوفت من زعزعة استقرار نظم الحكم الملكية في الجزيرة العربية الموالية للغرب ولأن الثورة اليمنية كانت مفاجأة لأمريكا ولم تكن تعلم عنها وعن القائمين بها شيئا ووصفتها بأنها من صنع الرئيس المصري جمال عبدالناصر المعروف بأفكاره القومية .
كان الاتحاد السوفيتي اول دولة أجنبية اعترفت بالنظام الجمهوري في اليمن في 28 سبتمبر 1926م واعتبر الرئيس الروسي نيكيتا خروشوف (1953- 1964م ) إن أي تدخل اجنبي من أي نوع في شؤون اليمن الداخلية لا يمكن السماح به وان أي عمل عدواني ضد اليمن سينظر إليه إنه عمل عدواني ضد الاتحاد السوفيتي .
فحاولت أمريكا حفاظا على مصالحها والوقوف بجانب السعودية ضد الثورة اليمنية فضلا عن خشية أمريكا من انتشار الأفكار الثورية التي تحملها الثورة اليمنية والتي تدعو الى القضاء على الاحتكارات الأمريكية في شبة الجزيرة العربية وإن الاعتراف السريع بالنظام الجمهوري في اليمن من عدد من الدول العربية ومعظم دول المعسكر الاشتراكي ومنها الصين أثار قلق الولايات المتحدة الامريكية من امتداد النفوذ الشيوعي إلى اليمن المجاور للمصالح الحيوية الأمريكية .
فضلا عن قلقها من احتمال قيام ثورة في السعودية فسياسيا وقع عدد من أعضاء مجلس الوزراء السعودي على مذكرة يطالبون فيها الاعتراف بالثورة اليمنية وأعلنوا رفضهم دعم القوات الملكية وإعادة الإمامة إلى اليمن وفي الوقت نفسه انقسمت الأسرة السعودية الحاكمة فالأمير طلال بن عبدالعزيز وقف موقفا معارضا للسياسة التي تبناها الملك سعود تجاه اليمن وتم فصله من مركزه في مجلس الوزراء وانضم إليه ثلاثة من الأمراء السعوديين وشكلوا لجنة في مصر سموها ( لجنة الأمراء الأحرار) والتي طالبت بتغييرات جوهرية في النظام السياسي السعودي .
وعسكريا ازدادت المعارضة داخل المؤسسة العسكرية السعودية وشعورهم بقوميتهم العربية واستنكارا لما تقوم به حكومتهم من محاولة لضرب الثورة اليمنية حيث هبطت طائرات حربية سعودية في القاهرة رافضه ضرب معاقل الثوار اليمنيين .
كل ذلك دفع الرئيس الأمريكي كينيدي إلى احتواء حرب اليمن وحصرها داخل الحدود اليمنية لأن انتشارها قد يعرض المصالح الأمريكية النفطية في الجزيرة العربية لاسيما في السعودية للخطر .
التهديد العسكري :-
وبعد تطور الأحداث في اليمن واشتداد المعارك بين الجمهوريين والملكيين على حدود السعودية الجنوبية أدركت الولايات المتحدة الأمريكية بأن الصراع في اليمن اخذ يزداد حدة باتجاه قيام مواجهة عسكرية مباشرة بين السعودية ومصر مما يهدد مصالحها النفطية في السعودية لذلك اتخذت بعض الخطوات للحد من تصاعد الأزمة اليمنية إذا قامت طائراتها المقاتلة في بداية نوفمبر 1962م بالتحليق بشكل استعراضي فوق المدن السعودية تعبيرا عن مساندتها للسعودية والحفاظ على امنها وسلامة أراضيها وتحذيرا للحكومة المصرية حين كانت الهجمات المصرية مستمرة قرب الحدود مع السعودية .
كانت المعايير الرسمية للحكومة الأمريكية للاعتراف بالجمهورية العربية اليمنية هو سيطرة حكومة صنعاء على اكثر المناطق والمدن وأن لا تشن أي هجوم عسكري على جيرانها والتزامها بالتعهدات الدولية .
لذلك ارسل الرئيس الكندي الأمريكي كينيدي رسالة إلى الرئيس عبدالناصر في 17 نوفمبر 1962م مقترحا أن تؤكد الحكومة اليمنية علنا عزمها على احترام التعهدات الدولية فرد الرئيس عبدالناصر إن القوات المصرية لم تذهب إلى اليمن إلا لوقف أي تدخل خارجي في الشؤون اليمنية وأن الثورة اليمنية تحتاج إلى جهود لبناء نفسها والدفاع عن مصالحها ضد الهجمات الضارية عليها .
في حين بدأ السفير الأمريكي في القاهرة جون بادو محادثات مع الحكومة المصرية في ديسمبر 1962م أسفرت عن حصول تأكيد من الحكومة المصرية بعدم استخدام اليمن كقاعدة للقيام بأعمال عدائية ضد السعودية والمصالح البريطانية في شبة الجزيرة العربية وكذلك على ان تقوم الحكومة اليمنية بإصدار بيان عن حسن نواياها تجاه الأقطار المجاورة لها وفي نفس الوقت أعربت مصر عن استعدادها لسحب قواتها في حالة توقف الدعم السعودي – الأردني للقوات الملكية .
وفي نفس الشهر 14 ديسمبر 1962م بدأت الحكومة اليمنية من جانبها بلفت نظر الحكومة الأمريكية إلى خطورة الموقف حيث هدد الرئيس السلال بإغلاق البعثات الدبلوماسية الأجنبية في اليمن للدول التي لا تعترف بالنظام الجمهوري إذ بلغ عدد الدول التي اعترفت بالنظام الجمهوري ما يربو على ثلاثين دولة لم يكن من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والأردن .
الاعتراف بالثورة:-
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بالنظام الجمهوري في اليمن في التاسع عشر من ديسمبر 1962م وقد صرح ( روبرت ستوكي) القائم بالإعمال الأمريكي في اليمن بالأسباب التي دفعت واشنطن إلى اتخاذ قرار الاعتراف بالنظام الجمهوري في اليمن ومنها سيطرة حكومة صنعاء على الجزء الأكبر من الأراضي اليمنية مقابل سيطرة الملكيين على المناطق الحدودية الشمالية والشرقية فقط .
وكان هناك تخوف أمريكي من لجوء الحكومة اليمنية في اليمن إلى إخراج بعثة المعونة الاقتصادية الأمريكية بالقوة من اليمن مالم يتم منح الاعتراف بالجمهورية .
كذلك بالاعتراف محاولة أمريكا تطويق الثورة اليمنية وإتباع استراتيجية استندت إلى عنصر التحديث والتغلغل الاقتصادي وجذب الجمهورية العربية اليمنية تجاه الغرب .
وقد سحبت الولايات المتحدة اعترافها بممثل الإمام المخلوع محمد البدر في الأمم المتحدة .
وعد ذلك مكسبا سياسيا للنظام الجمهوري في اليمن فبعد الاعتراف الأمريكي اعترفت الأمم المتحدة بالجمهورية العربية اليمنية واحتل ممثل اليمن مقعدا في الأمم المتحدة في 21 ديسمبر 1962م كما أدى ذلك إلى اعتراف الكثير من الدول العربية والأجنبية بالجمهورية اليمنية .
وفي الوقت نفسه كان اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالنظام الجمهوري في اليمن ضربة سياسية للسعودية وبريطانيا ولاسيما بعد ان رفعت امريكا التمثيل الدبلوماسي بينها وبين اليمن إلى مستوى السفارات .
الفرصة التاريخية:-
فكان الاعتراف الأمريكي بثورة سبتمبر نتيجة للكفاح المسلح للثورة وصمود الثوار وسيطرتهم على المدن الرئيسية (الحديدة – تعز – صنعاء – مأرب ) وتهديد مصالح أمريكي الاقتصادية (النفطية ) بالسعودية عبر نقل المعركة من داخل الأراضي اليمنية إلى الحدود مع السعودية مع شن الطيران ضربات بالعمق السعودي وايضا استفادت صنعاء من توازن القوى آنذاك واعتراف المعسكر الشرقي( الاتحاد السوفيتي ) والصين بالنظام الجمهوري ومساندته وحدوث انقسام داخل الأسرة الحاكمة في الرياض وغيرها من الضغوطات التي جعلت واشنطن تعترف بالنظام الجمهوري – بالرغم انها ظلت تدعم الملكيين طيلة سبع سنوات وتساند السعودية – .
فهل ستدرك حكومة صنعاء اليوم كل ذلك كفرصة تاريخية وتستغل قدراتها العسكرية والسياسة معا لأنهاء العدوان والاعتراف بها فالتاريخ يعيد نفسه بتشابه أحداثه وأن اختلفت الظروف ؟!
-
نقلاً عن موقع “26 سبتمبر نت”
-
المقالة لا تعبر بالضرورة عن السياسة التحريرية للموقع