الصباح اليمني_مساحة حرة|
ما إن وطئت أقدام الاستعمار البريطاني والاستيطاني الصهيوني أرض فلسطين حتى تفجرت الانتفاضة الأولى بقيادة عز الدين القسام عام 1936.
مارس الشعب الفلسطيني كل أشكال وأساليب الكفاح الوطني، ابتداءً من الإضرابات والمظاهرات والاحتجاجات السلمية، وصولاً إلى الكفاح المسلح، وحروب التحرير، وكانت الانتفاضة الشعبية في كل المراحل حاضرة متكررة ومتواصلة: 36، 39، 87، 1993، 2000، وأخيرًا المواجهات التي بدأت في رمضان كامتداد لكل الانتفاضات المتواصلة منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي؛ فالانتفاضة، كجزء من المقاومة المستمرة، هي الوعد الصادق لدحر الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وإسقاط نظام الفصل العنصري، وبناء الدولة الوطنية المستقلة.
مجلة “دراسات المستقبل العربي” عقدت حلقة نقاش بعنوان “مستقبل الانتفاضة الفلسطينية في 6/ 2002، عدد 280، وقد أدار الحلقة النقاشية المفكر القومي خير الدين حسيب، رئيس مركز دراسات الوحدة العربية.
ركزت الندوة على محورين، الأول: تقويم حصيلة عام ونصف على الانتفاضة الثانية، سبتمبر، 2000.
المحور الثاني: استشراف مستقبل الانتفاضة.
شارك في الندوة شخصيات عديدة، منهم أنيس الصايغ، عزمي بشارة، جورج ناصيف، عماد جاد، خير الدين حسيب، عماد فوزي شعيبي، ومسلم الحص، وشفيق الحوت، وهشام شرابي، وعبد الإله بلقزيز، وآخرون.
في المحور الأول يشار إلى الانتفاضات السابقة 36، 39، 87، 1993، ثم انتفاضة الأقصى 2000.
دار النقاش حول أسلوب الانتفاضة، ومدى النجاح، والإطار التنظيمي، والتأثيرات، الانتفاضة والسلطة، المزج بين السلمي والعنيف.
العنوان السياسي الرئيسي: “الانتفاضة وتنمية التناقضات داخل إسرائيل”، وهل حققت الأهداف؟ وما هي الأضرار التي لحقت بالعدو؟ وهل دفنت الانتفاضة عملية السلام؟ وهل كان بالتناسب متوازنًا بين التأثير على نهوض الشارع العربي، والتأثيرات الداخلية؟
وما الذي تعنيه مظاهرات الشارع العربي؟ وما مدى جدية الالتزامات العربية الرسمية بدعم الانتفاضة؟ ولماذا لم تلقَ الانتفاضة الاهتمام الدولي الرسمي الذي لقيته انتفاضة 87، 1993، وتقييم الدور السعودي والمصري، وموقف إيران، والخسائر التي لحقت بالانتفاضة، والمشاركة الأمريكية في العدوان باسم مكافحة الإرهاب، والنتائج المادية والسياسية لعدوان 2002، وإعادة اجتياح الضفة، والمقدرة على الاستمرار.
في المحور الأول يتحدث هشام شرابي، وهو رئيس المركز الفلسطيني للدراسات الفلسطينية بواشنطن، مشيدًا بالمظاهرات المساندة للفلسطينيين في أمريكا، والرغبة في دعوة حنان عشراوي، والحرص على استمرار الانتفاضة.
أما نواف الموسوي، عضو المكتب السياسي لحزب الله، فيربط الانتفاضة بانهيار كامب ديفيد، ومحاولة أمريكا معاقبة الفلسطينيين، وتغيير الوقائع على الأرض، ويرى أن مسار المقاومة الطريق الوحيد للانتصار، ويتساءل عن أسباب انحسار الاهتمام الدولي بالانتفاضة الثانية عكس الأولى، فيجيب: لرغبة أمريكا بالتسوية في الأولى، وتجريمها للحرب في الثانية.
ويتساءل: لماذا لا تثير الانتفاضة تناقضات داخل إسرائيل؟ ويأتي على تناول العديد من القضايا.
في 6/ 2002، عقد مركز دراسات الوحدة العربية حلقة نقاشية عن “مستقبل الانتفاضة الفلسطينية”، وقد نُشرت الحلقة في مجلة المركز “المستقبل العربي”، وأدار الحوار المفكر القومي خير الدين حسيب.
تحدث عماد فوزي شعيبي، وهو كاتب ومحلل سياسي عن تحول الانتفاضة إلى العمل العسكري، ونقل الحرب إلى داخل إسرائيل، وعمّا كتبه إسرائيليون عن العمليات الانتحارية، ويضع احتمالين مهمين: إما أن تتحول إسرائيل، بسبب زيادة السكان في الجانب الفلسطيني وضعفها لدى الإسرائيليين، إلى الدمقرطة، أو الأبارتيد.
والتوقع دقيق؛ فقد تحولت إسرائيل إلى الأبارتيد، وهو في تصاعد مطرد، ويربطه بالانتفاضة، مشددًا على ضرورة الاهتمام بنظام الفصل، متفقًا في ذلك مع عزمي بشارة، وفي ورقته يتناول اليمين الأمريكي التوراتي المتصهين.
أما ماهر الطاهر، وهو القيادي في الجبهة الشعبية، فيتحدث بمرارة عن اجتياح شارون لمدن وقرى الضفة، وغياب الحديث عن الانتصار كما هي العادة، ويقدم توصيفًا دقيقًا للحالة الفلسطينية، مشيدًا بالمقاومة، مستغربًا الصمت العالمي، وتحوّل أمريكا إلى الشريك الفعلي، ورابطًا بين الذعر العربي، وما فعلته أمريكا في أفغانستان، ويدين السلطة بالتضحية بقضايا استراتيجية،؛ آتيًا على تناولها بالتفصيل.
الرئيس سليم الحص يشيد بتجلي الوحدة الوطنية الفلسطينية في الانتفاضتين، ويشير إلى عدم قدرة السلاح الفلسطيني على تحييد السلاح الإسرائيلي، وغياب الموقف الدولي الرادع، ويشير إلى أن وجود السلطة مكّن أمريكا ومَراجع دولية من مطالبتها بالإجهاز على المقاومة، وتمكن الإعلام الصهيوني من تصوير الانتفاضة كإرهاب في ظل غياب رد الإعلام العربي.
أما هيثم الكيلاني، رئيس تحرير مجلة “قضايا استراتيجية”، سوريا، فيتناول الانتفاضة من زاوية الأمن القومي، ويرى أن ميزان القوى في حروب التحرير يخرج من الحساب؛ ليدخل في ميدان تصارع الإرادات، وأن الاجتياح كان على وجود السلاح، وجبهات قتال عربية، وأن السند الدولي للأولى مصدره سلاح الانتفاضة (الحجارة).
عزمي بشارة، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي كان محورًا داخل المحور، فمداخلته تكون موضع نقاش.
يتداخل من الناصرة، ويتناول تنقل الفلسطيني من الأردن، إلى لبنان، فتونس، ففلسطين، محبذًا مفردة الإصلاح في الخطاب.
يطرح سؤالين مركزيين: هل السلطة حركة تحرر وطني أم دولة قيد التكوين؟ كحركة عليها أن تشتغل باستراتيجية مقاومة واحدة، وهو ليس مطروحًا، ويشير إلى الارتباك السائد منذ نهايات السبعينيات، ولكنه تأصل بعد أوسلو.
ويتساءل بحيرة: ما قيمة ومعنى سلطة ومعارضة؟ وينتقد تحول حركة تحرر وطني إلى سلطة ومعارضة، ويتساءل: هل باستطاعة الرافضين لأوسلو أن يتبنوا استراتيجية مقاومة، وبلورة هدف سياسي موحد؟
ويرى في وجود أكثر من استراتيجية إرباكًا للشعب الفلسطيني، ويربط اجتياح شارون للمدن والقرى بوجود مخطط معد منذ انهيار كامب ديفيد، وبقراءة للوضع الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر، وبمبادرة السلام العربية.
ويلوم المواجهة الشاملة في حروب التحرر الوطني، وحروب العصابات، في إشارة إلى طبيعة عسكرة الانتفاضة الثانية، والعمليات الاستشهادية. [الكاتب].
يشدد عزمي على استراتيجية الوحدة لكل فصائل التحرر، وينتقد بشدة التركيز على الرئيس المحاصر، وليس الشعب المحاصر. تعومل مع أبو عمار كرئيس محاصر، وليس زعيم حركة تحرر محاصر هو وشعبه.
يدين الصراعات على النفوذ والسطوة كما لو أن البلد قد حقق الاستقلال، وأن التيارات تتنافس وتتصارع على تقسيم الفطيرة الصغيرة جدًّا، فلا هي دولة، ولا هي حركة تحرر وطني، ويدين الصراع من حول وراثة الرجل الحي قبل موته، ويجري الإفادة من القرب من الأمريكان والأوربيين لصالح الحسم في الصراع الداخلي.
يطلب منه خير الدين حسيب إعطاء صورة عن الساحة الإسرائيلية، فيجيب: الساحة الإسرائيلية معبأة تعبئة كاملة لصالح اليمين.. استطلاع 2/ 5/ 2002، ستين في المئة من جمهور ميرتس مع شارون، وهناك إجماع على الحرب العدوانية.
صمود جنين ونابلس هو من أنقذ الموقف.. يبرز فشل شارون عندما يبدأ الشعب الفلسطيني بتنظيم صفوفه مع وضع استراتيجية واضحة معلنة ومقاومة، محذرًا من الارتباك الفلسطيني، ومن أن يجد شارون شريكًا فلسطينيًّا؛ وهذا ما هو حاصل. [الكاتب].
يتهم العمليات الاستشهادية بتوحيد المجتمع الإسرائيلي. يوجه إليه حسيب، مدير الحلقة سؤالين: العمليات الاستشهادية كان لها نصيب من تقليص نسبة الهجرة، وفي التأثير في الاقتصاد والسياحة، فما تأثيره على أمن عرب 48؟ ولماذا لم تجتاح إسرائيل قطاع غزة؟ وهل الاحتمال لا يزال قائمًا؟
يؤكد عزمي دور العمليات الاستشهادية في تأزيم الوضع الاقتصادي والسياحة، ولم تعد هناك مصادر هجرة كبرى، والإضرار بالعرب واقع، ولكن السؤال: ما جدوى هذه العمليات؟
ويشير إلى أن الأمريكان نصحوا بعدم اجتياح غزة؛ ليكون هناك هامش مناورة سياسية، ويرى أن ضبط غزة من خارجها أسهل من داخلها، وأن الاجتياح سبَّب خسائر كبيرة، والقضية الأهم وجود قرار بالمقاومة موجود في غزة. وأضيف أن العقل اللاهوتي في إسرائيل لا يرى في غزة أرضًا توراتية. (180- 110) [الكاتب].
من جديد يطلب حسيب من عزمي الإجابة عن تساؤلات المنتديين، فيسأل عماد فوزي شعيبي الذي يتفق مع عزمي على غياب حركة التحرر الوطني، وبقدر من الحيرة يعبّر عن المواجهة الشاملة، وعن لعبة عض الأصابع. يتفق مع عزمي أيضًا في عدم الإعلان عن العمليات الاستشهادية، مطالبًا بميتا عقلي، وميتا واقعي.
ويرد عزمي: أنا أناقش وضعًا آنيًّا نشأ عشية العدوان على الانتفاضة، وحركة التحرر لا تعني المواجهة الشاملة، ويرى أن حركة التحرر الوطني لا تقتضي المواجهة الشاملة، ويضرب المثل بالأنموذج اللبناني الذي كان يتوقف عندما تصبح مواجهة شاملة.
ويتدخل نواف الموسوي بسؤال عن هدف المقاومة؟ والأسباب التي يمكن استخدامها؟ ويقدم مداخلة.
يرد عزمي: الجيش الإسرائيلي اجتاح الضفة في 67، والوضع بقي بعد الانسحاب بالتدخل المستمر، ويدعو إلى نقاش مقاومة موحدة، والأدوات الأكثر نجاعة.. ما الذي يضعف الطرف الآخر؟ ما الذي يقلل من قدرته؟ أو يتساءل عن حسم السؤال، وإذا كانت الغاية المقاومة، فالسؤال عن الجدوى والأدوات.
ويرى أن النقاش غائب منذ حرب الاستنزاف، مرورًا بتجربة لبنان، إلى نهايات الانتفاضة الأولى، إلى ما يجري الآن.
ويتساءل ماهر الطاهر عن الوضع داخل فتح؟ ويرد عزمي: هذا السؤال حاسم، مؤكدًا عدم وجود حركة تحرر وطني، أو قيادة دولة؛ ما يجعل الأمور كاريكاتورية للغاية، مشيرًا إلى خطل الرمزية التي أُعطيت للقيادة منذ البداية، كما أشار إلى أن البعض يشيد بـ”فتح” وقواعدها، وبصمودها في جنين ورفح وخان يونس، ويظن أن هناك مؤامرة ضد فتح، وإذا فرضت قيادات، فلا وسيلة غير المال والسلاح.
ويرى أن الانتخابات ستأتي بقيادة حقيقية، ويشيد بتلميذيه مروان البرغوثي، ورشيد منصر، وأن جزءًا كبيرًا من فتح قد يئس بعد دخول السلطة الفلسطينية.
ناصر قنديل، نائب في البرلمان اللبناني، يقدم مداخلة عن التوقعات حول دولة منتقصة، مدافعًا عن العمليات الاستشهادية، ويقارن بين قصف الكاتيوشا اللبنانية، والعمليات الفلسطينية.
رمضان عبد الله شلح، الأمين العام للجهاد الإسلامي، ينطلق من مقولة موفاز، رئيس الأركان الإسرائيلي: “لا بد من إنزال هزيمة بالوعي الفلسطيني؛ حتى يدرك الفلسطينيون بأن طريق القوة في مواجهة إسرائيل لن ينجح”، معتبرًا ذلك اعترافًا بعدم هزيمة فلسطين، ويذكر أن إسرائيل عام 67 غيرها اليوم، ويقرأ الكثافة السكانية، ورافد الهجرة اليهودية من روسيا، والتحاقها باليمين، ويفتح باب احتمال هجرات جديدة من فرنسا في حال صعود اليمين، ومن الأرجنتين في لحظة انهيار اقتصادي.
ويرى أن الباب مفتوح على أخطر الاحتمالات بما فيها الترانسفير، ويرى أن الشعب الفلسطيني ليس هو الشعب الفلسطيني عام 67؛ فقد أصبح عصيًّا على الهزيمة.
ويجيب عن سؤالي عزمي حول دولة، أو حركة تحرر وطني؟ ومدى القدرة على صياغة استراتيجية مقاومة، فيرى أن ميل السلطة إلى التنسيق الأمني مع العدو قد أضر بالانتفاضة، وأن هناك موقفين، الأول: يرى دحر الاحتلال حتى حدود الرابع من حزيران، ويمثل إجماع مختلف القوى، بما فيها الإسلاميين خارج المنظمة.
والثاني: رأي السلطة التي ترى في الانتفاضة مجرد وسيلة ضغط لتحسين شروط التفاوض، ويرى أن إفراط العدو في التقتيل هو ما يدفع للرد بالقوة، وهو لا يتفق مع عزمي إزاء توحيد العمليات الاستشهادية للشارع الإسرائيلي، ويدعو للتشاور حول التنافس في تبنّي العمليات، مؤكدًا أن العمليات الاستشهادية هي السلاح الأمضى.
شفيق الحوت، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، لا يدعو إلى الوحدة بالشكل التقليدي، ويؤكد أهمية الاستراتيجية، ويدين أوسلو.
خط التاريخ متعرج، يعترف بالفضل لأوسلو أنها نقلت عملياتهم للداخل، مؤكدًا أهمية الدعم العربي، وهو لا يسقط وسيلة من وسائل النضال متوافرة، ويميّز ما بين الموقف الشعبي العربي، والرسمي، مشددًا على العودة للداخل، وتوحيد البرنامج السياسي.
عماد جاد، خبير بمعهد دراسات الأهرام، يشيد بالعمليات الاستشهادية، إعادة الانتفاضة ربط 48 بها، اهتمام المنظمات الدولية بالأمر، ووجود سلطة وطنية أثر سلبًا، أدت عملية السور الواقي إلى وصم العملية بالإرهاب.
أما منير شفيق، كاتب فلسطيني، فيرى فشل إجهاض الانتفاضة، ويؤكد أهمية تجدد الانتفاضة في حال تعرضت لضربة قاسية.
أما سليمان الرياشي، وهو صحفي لبناني، فيعقد مقارنة بين الانتفاضة الأولى والثانية.. الأولى تمكنت من هيكلة نفسها بقيادة موحدة، وقيادات ميدانية، وحافظت على الطابع الجماهيري، مبقية على صلة بمنظمة التحرير في الخارج.
أما انتفاضة الأقصى، فكانت قياداتها السلطة، وبقيت فصائلية. ساد التنسيق في القيادات الميدانية.. يشير إلى تحديد الأولى الأهداف: حق العودة، تقرير المصير، بناء الدولة المستقلة.
أحجمت القيادة الحالية (قيادة السلطة) عن صياغة برنامج الانتفاضة لفترة طويلة، وبقي الرهان على الاتفاقات والتداول حول الخروقات، ولم تحدث السلطة القطيعة مع مرحلة الاتفاقات، ولم يعلن أنها بصدد حرب استقلال.
ويشير إلى أن الكفاح المسلح لم يطرح على الشعب؛ فيكون خيارًا، ولم يناقش جدوى العمليات الاستشهادية.
هناك شخصيتان: عبد الإله بلقزيز – أكاديمي مغربي، وأنيس الصايغ – باحث فلسطيني، سوف أتناول تعقيبهما في المحور الثاني، كذلك الحال بالنسبة للمواجهات الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين كاستمرار لانتفاضة الأقصى، وهي المواجهات المستمرة والمتصاعدة.
خليك معنا