|بقلم:محمد صادق الحسيني|
ثمة أبعاد استراتيجية أبعد من صحراء الربع الخالي والنتوء القطري في الجزيرة العربية وراء العاصفة الرعدية القطرية المتدحرجة في الخليج مثل كرة الثلج، وإليكم واحداً من أهم أبعادها الخفية:
اولاً: لا بدّ للمتابعين لمسرحية «الأزمة القطرية السعودية»، والتي لا يعدو أبطالها من سعودي الى قطري الى إماراتي الخ… لكونهم مجموعة من حجارة الشطرنج يحرّكها اللاعب الأساسي دونالد ترامب متى شاء وبالاتجاه الذي يريد، ودائماً في خطوات تهدف الى خدمة الاستراتيجية الأميركية المعلنة والهادفه للهيمنة على العالم والتحكّم بمصير شعوبه ونهب ثرواته. نقول لا بدّ للمتابعين الاستراتيجيين أن يضيئوا على جذور ما يطلق عليه اليوم بأزمة، وإيضاح حقيقة جوهرها لكلّ من يبحث عن الحقيقة بعيداً عن الخزعبلات والأكاذيب التي تردّدها وتروّج لها وسائل الإعلام المختلفة المرتبطة سياسياً ومالياً مع هذا الطرف أو ذاك.
بمعنى أنّ على هؤلاء المتابعين أن يعلموا دائماً أنّ دوافع السياسة الدولية الأميركية لم تكن على الإطلاق ذات طابع إنساني او أخلاقي منطلقة من مبدأ غير مبدأ تحقيق المصلحة الأميركية. وهذا ما ينطبق تماماً على ما نراه من فصول مسرحية آل ثاني وآل سعود في رمال الجزيرة العربية.
ثانياً: أما ما يجعلنا نصل الى النتيجة المشار إليها أعلاه، فهو ليس سوى كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه في تغريدة له على موقعه على تويتر يوم 12/5/2017 الساعة الثالثه وعشرين دقيقة عندما أعلن للشعب الأميركي أنّ وزارة التجارة الأميركية قد توصلت الى اتفاق مبادئ مع الحكومة الصينية يسمح للشركات الحكومية الصينية بالتفاوض مع شركات أميركية على عدد من المواد الاستهلاكية وعلى رأسها الغاز الأميركي المسال.
وبعد تغريدة الرئيس الأميركي بأيام قليلة أدلى وزير التجارة الأميركي ويلبور روس Wilbur Ross بتصريحات نقلتها محطة CNBC الأميركية يوم 18/5/2017 أكد خلالها ما قاله رئيسه وزاد على ذلك الكثير من الإيضاحات والتفاصيل والتي أهمّها تصريحه بأنّ هذه الخطوة ستؤدي الى كسر الاحتكار القطري لأسواق الغاز المسال في آسيا وفي كلّ من اليابان أكبر مستهلك للغاز المسال في العالم والصين وكوريا الجنوبية. وأضاف أنّ دخول الغاز المسال الأميركي الى تلك الأسواق سيؤدّي الى ثورة في مجال الطاقة على صعيد العالم أجمع. وطبعاً لصالح الاحتكارات الأميركية التي تضع نصب أعينها ليس السيطرة على أسواق الطاقة الدولية فقط، وإنما إضعاف كلٍّ من إيران وروسيا ومحاولة السيطرة على درجات نمو الاقتصاد الصيني من خلال ربطه بمصالح طاقية إما أميركية او مملوكة لشركات أميركية في دول نفطية عميلة للولايات المتحدة.
ثالثاً: وبناء على ما تقدّم فإنّ فصول المسرحية التي نتابع مشاهدها حالياً في الجزيرة العربية قد تمّ التخطيط والإعداد الدقيق لها منذ بداية هذا العام، وقبل زيارة الرئيس الأميركي للرياض في التاسع عشر من شهر أيار الماضي، أيّ أنّ الحرب على قطر لا علاقة لها لا بالأخلاق ولا بالإرهاب ولا بأيّ مبدأ من مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنما هي تنفيذ لاستراتيجية الهيمنة الأميركية على مقدّرات الشعوب.
لذلك وفي ضوء هذه الحقيقة، فإننا على قناعة تامة بأنّ هذه «الأزمة» ليست ظاهرة عابرة وليست قريبة من الحلّ، وإنما تتجه الى المزيد من التصعيد الذي قد يصل الى فرض عقوبات اقتصادية على قطر قد تصل الى منعها من تصدير الغاز المسال الى زبائنها في العالم، مما سيؤدّي إلى تركيع هذا البلد واستسلامه للاحتكارات النفطية الأميركية ودمج إمكاناته الهائلة في صناعة الغاز المسال في النظام التجاري الأميركي الهادف الى تحقيق ما أشرنا اليه سالفاً.
من هنا فإنّ البطاقة الحمراء الأميركية قد رفعت في وجه مشيخة قطر من قبل الرئيس الأميركي شخصياً، وقبل مجيئه الى مملكة آل سعود بوقت طويل.
رابعاً: ولهذه الأسباب مجتمعة ولأخرى غيرها، فإنّ قيام مشيخة قطر بتكليف وزير العدل الأميركي في عهد جورج بوش الابن، جون اشكروفت John Ashcroft، وبموجب عقد بينه وبين المشيخة قيمته مليونان ونصف المليون دولار تمّ توقيعه يوم 10/6/2017 بالدفاع عن المشيخة في الولايات المتحدة والعمل على كشف معلومات عن تورّط السعودية والإمارات العربية المتحدة في دعم الإرهاب وغسيل الأموال، نقول إنّ هذا التعيين للمحامي والوزير اشكروفت لن يفيد المشيخة بشيء، لأنّ الموضوع ليس موضوع خلاف بين عبدين للسيد الأميركي فحسب، وإنما هو قرار من سيد البيت الأبيض، بصفته ممثلاً لرأس المال الأميركي المتغوّل، بالاستيلاء على ثروات المشيخة هذه ودمجها في إمكانات الولايات المتحدة التي تتمّ مراكمتها لمواجهة الصين وروسيا وإيران في إطار استراتيجية الهيمنة على العالم.
خامساً: وبعد الإضاءة على بعض جوانب هذه المسرحية، فإننا نودّ أن نضيء على مخرج او طريق لمشيخة قطر للخروج من هذه الأزمة القاتلة إذا كانت فعلاً تريد الخروج السالم من هذه الورطة…
إنّ طريق الخروج منها بسلام متوفر وقريب المنال، إذا قرّر حكام هذه المشيخة التوبة فعلاً وإعادة النظر بشكل جذري بتحالفاتهم وسياساتهم الخارجية، أيّ إذا قرّروا فك ارتباطهم بالمستعمر الأميركي والتخلص من قواعده العسكرية في قطر وإقامة تحالف استراتيجي وثيق مع كلّ من الصين وروسيا وإيران وكلّ من هذه البلدان لأسبابه الخاصة عندها يمكن الوقوف إلى جانب الإمارة التي تبحث عن النجاة…!
فالصين وإنْ كانت قد عقدت اتفاقاً مع ترامب، لكنها لا تسمح بسهولة بمصادرة حقوقها الطاقية وصادرات الغاز القطري المسال لها ستكون عندها جزءاً من هذه الحقوق… وروسيا لن تسمح بسهولة بإيجاد منافس قويّ للغاز الروسي في الصين… وأما إيران فلديها من الأوراق ما هو أكثر من ذلك بكثير بسبب القرب الجغرافي ومشاركتها قطر في أكبر حقل للغاز في العالم، والذي هو حقل الشمال، ونظراً لما لدى إيران من إمكانات للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها، كما أثبتت تجربة دفاعها عن الوطن والقيم وعن الأمن والاستقرار الدوليين في سورية طوال سبع سنوات من التآمر القطري على سورية وإيران…
خليك معنا