استمرار التصعيد السعودي الاماراتي البحريني ضد قطر يدلل على أن هذه الدول لن تقبل باقل من رضوخ الدوحة لكل مطالبهم، وتأتي في مقدمتها طرد الاخوان المسلمين من قطر ووقف كافة أنواع الدعم لهم، ووقف بث قناة الجزيرة، وقطع العلاقات مع ايران، وبما أن بعض المطالب تعد عناصر قوة قطر فان التخلي عنها يعني أن تكون الدوحة تابعة للرياض، كما كانت قبل عام 1995 وهو ما ترفضه جملة وتفصيلا.
ومع تمسك الدوحة بعناصر قوتها فان الضغط والحصار سيستمر عليها، وعبثا تحاول قطر استخدام الورقة الانسانية عبر تسليط الضوء على تأثير الحصار على المجتمع القطري، لأن الضمير العالمي وخاصة ضمير المنظمات الدولية لا ينتفض الا عندما تتطلب مصالح القوى الدولية أن ينتفض، لذلك يتعين على الدوحة التفكير بأوراق أخرى أكثر فاعلية لانهاء الأزمة قبل أن تستفحل الأمور ويقرر ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القيام بمغامرة جديدة.
يتفهم المراقب السياسي لماذا تتظاهر الحكومة القطرية بأنها لاتريد دخول ايران في هذه الأزمة، اذ انها لاتريد تثبيت تهمة تلك الدول لها بأنها متحالفة مع ايران، وفي نفس الوقت لا تريد اثارة حفيظة القوى العالمية المعادية للنظام الايراني وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ولكن في نفس الوقت فان الورقة الايرانية تبدو الأقوى من بين الأوراق المتاحة لقطر، ومن بينها الورقة التركية.
فهناك عدة اسباب تجعل الورقة التركية ليست مؤثرة، ومن بين هذه الأسباب أن أنقرة أثبتت أن مصلحتها مقدمة على أي شيء آخر لذلك اذا تعرضت مصالحها لأي خطر فانها تتراجع بكل بساطة، فلو افترضنا أن السعودية قامت بتهديد تركيا فمن المتوقع أن تتراجع أنقرة عن اداء أي دور لصالح الدوحة.
كما أن المأخذ الرئيسي ضد الدوحة وهو احتضان الاخوان المسلمين ودعمهم، ينطبق أيضا على انقرة مما يلقي بظلاله على أي تحرك تقدم عليه تركيا في هذا الاطار.
أما ورقة ايران فان السعودية ماضية في توظيف تهمة تحالف قطر مع ايران ضد الحكومة القطرية سواء تحفظت الدوحة في الاقتراب من طهران أو لم تتحفظ، وسواء تظاهرت بأنها في منأى عن ايران أو لم تتظاهر، وسواء بثت الجزيرة برامج ضد ايران أو لم تبث، كما انه ليس بالضرورة استخدام الدوحة لهذه الورقة سيثير حفيظة بعض القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بل ربما تأتي نتائجها عكسية فتهرع هذه القوى الى حل الأزمة لكي لا تسمح بمزيد من التقارب الايراني – القطري.
وهنا تجدر الاشارة الى أن طلب قطر من ايران التوسط لحل الأزمة لا يعني بالضرورة أن طهران ستطلق الانذارات ضد هذه الدولة أو تلك الدولة، وتبدأ بارسال قواتها الى قطر للدفاع عن حكومتها وشعبها، بل على العكس تماما اذ لا يبدو أن الخيار العسكري مطروح لدى الايرانيين، بل أن الخيار الأول والأخير هو السياسي والدبلوماسي.
فقد اثبتت التجارب المتعددة نجاح الأساليب والوسائل التي تستخدمها طهران في حل المشاكل المستعصية، ولعل ملفها النووي يأتي في مقدمتها، فقد واجهت ايران ست قوى عالمية، وجلست لأكثر من سنتين ونصف على جانب من طاولة الحوار وجلست تلك القوى مجتمعة على الجانب الآخر، وفي نهاية المطاف انتزعت منها الاعتراف بالبرنامج النووي الايراني والسماح باستمراره.
كما ان ايران لعبت دورا بارزا في عملية حل الأزمة السورية، واليوم يقر الجميع وفي مقدمتهم الأمم المتحدة بأن الدور الايراني كان ولا يزال ضروريا للمضي قدما في حل الأزمة سواء في مفاوضات استانة أو جنيف.
بالتأكيد أن حكومة الرئيس روحاني تريد تعزيز نظرية ان ايران داعية سلام وليست داعية حرب وبالتالي ستستخدم كل وسائلها وأوراقها لحل الأزمة القطرية، من هنا فان التحرك الايراني سيكون مصلحة ايرانية قبل أن يكون مصلحة قطرية.
وكما اشرنا في مقال سابق فانه ليس من مصلحة طهران أن تنهزم الدوحة في ازمتها مع الرياض وسائر البلدان، لأن فوز الرياض في هذه الأزمة سيحفزها الى اثارة أزمات أخرى والقيام بمغامرات جديدة.
والى جانب ذلك فلربما كانت أزمة قطر مفتاحا لتصفير ايران مشاكلها مع السعودية، وفي نفس الوقت فلربما استخدمت الرياض الوساطة الايرانية مفتاحا لتصفير مشاكلها مع طهران، خاصة وأننا نقترب من موسم الحج وليس من المستبعد أن يكون هذا الملف من اولى الملفات التي تسعى ايران والسعودية الى انهائه بالكامل.