|بقلم: عبدالرحمن الامين |
كابوس الانحياز إما لمحور السعودية والامارات، من جهة، أو الدوحة وتنظيم الاخوان الدولي، من الجهة المقابلة، يختصر عنوان أزمة عمر البشير الراهنة بينما تتأكل كل يوم مساحة التناور الفاصلة مابين الخليجيين المتناحرين . الجديد حقا هو رفض المحور السعودي الاماراتي (والمصري) لأي وساطة بينهم وقطر بل مصادرة خيار الاخرين في الوقوف علي الحياد – وهذه في حد ذاتها سابقة مضادة لتقاليد البلدان الأعضاء في الجامعة العربية منذ تأسيسها!!!
لقد خرجت علنا قيادة الخليج الشابة، متمثلة في محمد بن سلمان ومحمد بن زايد( المحمدان ) ، على موروث أساليب التكتم والتريث في لململة الخلافات العربية. فصاروا اليوم يطلبون من الدول والشركات مواقفاً حدية فاصلة بإلحاح لم يكن مألوفا في السابق. ضمن هذه الرؤية يمكن تفسير إصرار السفارات السعودية والإماراتية وحتي المصرية بالخرطوم علي مقابلة وزير الخارجية ، بروفسور الأسنان ، لاستيضاحه حول موقف بلاده اول امس بعد تفجر دراما طه وحميدتي ! سَمِّها سياسة الضغط المباشر وزراعة جمرات الخيار تحت الارجل المتباطئة . فشراء الوقت ممنوع ، وعدم الموقف مرفوض ، والتوسط غير مرحب به!
ما تقرأ أدناه عن تبدل في أوراق العلاقات المغربية الخليجية يوصف عملياتياً هذا التغير في أساليب الدبلوماسية الخليجية وإنقلابها التام علي ماكانت عليه في عهود زعاماتها الوفاقية مثل الملك فيصل بن عبدالعزيز والشيخ زايد آل نهيان ، رحمها الله. الاستدلال علي هذه الجرأة يجسده إطلاق المحمدان الرصاص علي دولة المغرب، رغم نظامها الملكي المشابه ، والحليف المحوري للخليج في السابق .
لم يبالي المحمدان او يكترثا بحجم الهزة التي سترج هيكل العلاقات التأريخية الخليجية -المغربية لمتميزة من منظوراتها السياسية / الاقتصادية / الاستراتيجية بل والسياحية وإن لاحت بشائر الصيف!
تبني المحمدان، وبشراسة غير معهودة، مبدأ الرئيس بوش الابن في عام 2001 غداة هجوم القاعدة علي مركز المال الأمريكي في وول ستريت فصاغ مبادئ جديدة لغت دبلوماسية اللاموقف ، ( إما معنا أو ضدنا ) فحشر كل بلدان العالم في فوهة ذلك الخيار الضيق .
بالامس فرك الرجلان الملح علي الكبرياء المغربي وشخبطا بالأحمر علي صفحة عزيزة بالنسبة للمغاربة تتصدر مقررات التربية الوطنية عندهم اسمها المسيرة الخضراء لعام .1976 . يومها تدفق المغاربة مشيا بالملايين لوضع اليد ( سلما) علي الصحراء المغربية فاستخرجوا شهادة بحث سياسية بملكية الأرض ! سموها مغربيا (عودة الغصن الي الجذع) فوافق علي صك السيادة المزعوم كل ملوك وشيوخ الخليج – بلا استثناء بدءا من الملك خالد بن عبدالعزيز وحتي اخيه سلمان الي ان تلخبطت الأمور مع الدوحة قبل اسبوعين .امس سحب المحمدان اعترافهما بمغربية الصحراء و، فورا ، قضما الإقليم بكامله من الخريطة المعروضة علي قنوات العربية والاسكاي نيوز !
السؤال، ما الذي سيمنعهم من وضع البشير اللاهث لرضي الخليجيين واليهود والنصارى أمام خيار مماثل؟ إن قلت ان دور البشير الارتزاقي باليمن سيشفع له ، أتاك الرد انهم ربما لن يحتاجوه مثلما استغنوا عن 1000 قطري كانوا يرابطون معهم .أيضاً، لابد من استذكار الثقة المهتزة وتردد وتخوف الخليجيين من تصديق موقف السودان بقطعه لعلاقاته مع ايران .
فمعلوم انهم ومن باب التحوط حرموا القيادة العسكرية السودانية الالمام بتفاصيل الخطط الحربية في اليمن لقفل مسارب تسريبها لايران ، حليفة الحوثيين . حدث هذا الحرمان رغم ان طه الحسين “مدير مكاتب البشير انذاك “ المتواجد في ابوظبي يومها هو من بث خبر قطع العلاقات مع ايران بخبر خَص به قناة “سكاي نيوز ” الاماراتية وحرم منه وكالة بلاده الرسمية للأنباء ( سونا)! وبمناسبة الحديث عن طه والغموض الذي يكتنف كل شئ عنه اليوم ، أرجح ان أمن محمد عطا وبعد تسلمهم كشوفات حسابات الرئيس البشير المصرفية وشقيقه العباس منه سيصفونه حيثما يعتقلونه الان في الخرطوم معتمدين علي حبكة مخابرات القذافي في قتل الامام الشيعي اللبناني موسي الصدر بعد استدراجه بدعوته رسميا لزيارة الجماهيرية ومن ثم قتلوه ثم أنكروا دمه متحججين ببطاقة مضروبة لصعوده لطائرة غادرت ليبيا للعاصمة الايطالية روما ! نستطرد للقول ان التكثيف الحالي لمبادرات التفاوض علي حل سلمي مع الحوثيين من شأنه التسريع بحل ازمة اليمن بعد ان ذاقت كل الأطراف مرارات المضي في حرب عدمية وصفرية خاسرة للكل.
وعليه ينهض السؤال، بعد حل المشكلة اليمنية وبعد ان تصمت المدافع في اليمن ، ماهي قيمة جنجويد البشير ومرتزقته بالنسبة للخليجيين ؟
لاشئ .
الحل السلمي في اليمن اصبح الخيار الاوحد لكل الاطراف حيث الكل ينزف ويعاني . هذا الحل سيوقف النزف الانفاقي الراهن علي الحرب المكلفة وسيجنب الاقتصادات الخليجية المزيد من الانزلاق نحو الفقر جراء انخفاض أسعار البترول والانفاق الحكومي وتصاعد البطالة . بيد ان الأهم من كل ذلك ان الخليجيين سيتفرغون لتبني شعارات دونالد ترمب وتمكين ذراعه في مباشرة عمليات عسكرية مختلفة تركز علي قصف المارقين من القاعدة والشباب الصومالي وغيرهم .
المحصلة التحليلية هي ان عمر البشير يقفز الان بمظلة تعطّل صمام إنتفاخها لتأمين هبوط آمن ، ويتجه بكل ثقله نحو جمر ملتهب . خياراته قاسية وواضحة وليس من بينها الاستعانة بصديق : اما الريال السعودي وعمرات بلا حدود ودرهم اماراتي وأبراج وليالي شوبنغ في دبي او متابعة عقيدة تنظيم الاخوان الدولي ؟
خليك معنا