لم يعد ثمة داعٍ لكل الوساطات التي تتكاثر في المشهد الخليجي لتسوية الأزمة الحاصلة، ولن ينفع كذلك ” صراخ ” السيد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد من واشنطن، لجهة شرحه لتيلرسون عن المنظمات المتطرفة التي تدعمها قطر وأن عليها اتخاذ قرارات حاسمة لوقف تمويل الإرهاب، والكف عن استخدام منابرها الإعلامية للتحريض، سيف قطر كان الأسرع والسبّاق في البدء في بتر كل الذي حيك، على طريق انتهاج ذات طريق العربية السعودية، في ” رش ” الأموال في الجيوب الأميركية، وعلى وقع الصفقة الأولى بدأ يتبخر كل الحقد على قطر وتغدو دولة مهمة لواشنطن لايمكن التخلي عنها.
صفقة 72 طائرة اف 15 الأميركية التي أبرمها وزير الدفاع القطري في واشنطن بقيمة 12 مليار دولار، وبالتأكيد القادمات أكثر من الماضيات، بدورها عززت واشنطن مفاعيل ” الغزل ” التي أحدثته الأموال القطرية بإرسال سفينتين حربيتين لميناء حمد جنوب الدوحة لإجراء مناورات مشتركة مع البحرية الأميرية القطرية، التاريخ الطويل لقطر والحافل بالإرهاب بحسب توصيف ترامب بات ربما تاريخاً لدور قطر الرائد في المنطقة والمهم والمحوري في مواجهة الإرهاب وترسيخ أمن واستقرار المنطقة، لن نستغرب مطلقاً إذا ماصدر مثل هذا الخطاب من اللسان الأميركي نفسه خلال الفترة القادمة، وربما ما هو أكثر من ذلك، فالصفقة التي توفر 60 ألف فرصة عمل في أميركا ستكون مفاعيلها حاضرة ومؤثرة على السلوك الأميركي تجاه قطر.
كنا نأمل أن تكون ” الثورية ” التي حضرت على لسان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لجهة أن بلاده لن تركع ولن تغير من سياستها وستبقى ثابتة للأبد لايرعبها عزل أو حصار، أن تكون على قاعدة ( الأشجار التي تموت واقفة) ووفق مسار السيادة الحقيقية التي لا تتبع لا للسعودي ولا للأميركي، ولاحتى للإيراني والروسي، وأن لاتكون المواجهة بالجري قدماً في الملعب الأميركي، والاحتماء بسيفه وسطوته ” ومنشاره ” الذي لن يرحم أحد، كان محقاً وزير الخارجية اليوناني في توصيفه لجهة أنه ثمة دولة خليجية أخرى على طريق الحصار، ومواجهة نفس الذي حدث مع قطر، فمايحدث بات واضحاً وضوح الشمس والهرولة باتجاه ترامب وتأدية فروص الطاعة وتقديم الولاء وبعثرة الأموال في حضرته، لا يذكرنا إلا بالمسلسلات والأفلام التي يهرول فيها التابعون الطيعون لدفع الإتاوات ” للزعيم والمعلم “.
ربما لن نستطيع توصيف مايحدث الآن للذات السعودية التي لاتعرف كيف ستحفظ ماء وجهها، ومفاعيل ملياراتها باتت في خبر كان، لجهة الفرملة والتصفية الأميركية لكل توجهاتها في زعامة الإقليم بعد الصفقة مع قطر.
لانعرف إلى أين تمضي هذه الدول بتلك السياسات وماهي مفرزات ماتنفقه، على الجبهات المشتعلة، سيما بعد تصريح وزير الخارجية القطري من باريس بأن موقف الدوحة ثابت من الأزمة السورية ولا تقبل بحل سياسي يفضي ببقاء الأسد، وكذلك إعلان بوتين أن التسوية في سورية مستحيلة من دون التعاون مع واشنطن، هذا التعاون الذي لايبدو أنه سيرى النور قريباً مادام ترامب منشغل في ” نهب ” الخليج حتى آخر دولار.
تبدو المنطقة اليوم في أشد مراحلها حرجاً وصعوبة وتعقيداً لجهة توفر الإرادات في التوصل لتوافقات سياسية تنهي كوارث إنسانية ضاقت بها حتى الحجارة في زمن الإتاوات ونهب الشعوب وبعثرة الأموال التي لو وُظف الجزء اليسير منها في محله لكنا نباهي بأنفسنا أمام الأمم.