منذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي سنة 1981 ودوله الست تسعى بكل السبل أن تكون بمنأى عن المحيط العربي الذي تعصف به الحروب والصراعات. دوليا وباعتبار المنطقة منطقة منابع النفط كان ومازال يحسب ألف حساب لأي توتر ولوبسيط فيها مما قد يؤثر على إمدادات النفط.
أثناء الحرب العراقية الإيرانية قدمت دول الخليج الدعم المالي واللوجستي للعراق بهدف اتقاء أن يصل لهيب الحرب إلى دولهم. إلا أن زلزال غزوالعراق للكويت في صيف 1990 ثم استقدام التحالف الدولي لتحرير الكويت أبرز هشاشة المنظومة الدفاعية لدول الخليج، وخداع الاستقرار الظاهري الذي تعيشه.
خلال التسعينات شهدت المملكة العربية السعودية تفجيرات استهدفت خاصة تجمعات الجنود الأمريكيين (تفجير ابراج الخبر 1996) وأماكن إقامة الوافدين الغربيين إضافة إلى أهداف أمنية وعسكرية سعودية، وجهت أصابع الاتهام في حينها لتنظيمات جهادية سلفية (تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين) وتنظيمات شيعية (حزب الله الحجاز) إيذانا بافتتاح عهد جديد من مهددات الاستقرار.
بعد احداث سبتمبر 2001 انحنت دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية للعاصفة التي قادها جورج بوش الابن باعتبار مشاركة 15 مواطنا سعوديا ومواطنين اماراتيين وآخرين من مصر ولبنان في الهجمات على نيويورك وواشنطن، فدعمت الغزوالأمريكي لافغانستان في 2001 واحتلال العراق وإسقاط نظامه في 2003، وراقبت في صمت تمدد نفوذ إيران في كلا البلدين دون أن تتدخل نصرة لسنة العراق الذين استبعدوا من القرار السياسي وكابدوا الحصار والقصف الأمريكي على مدنهم وهجروا ردا على عمليات المقاومة العراقية.
بعد هذا العقد من السلبية والاعتكاف في التعامل مع التغيرات الجيوسياسية في المنطقة العربية ومنطقة الخليج استفاقت المملكة وباقي دول الخليج على زلزال آخر هوانطلاق موجة تغيير الأنظمة العربية من تونس في بداية 2011، ورغم خسارتها حكاما حلفاء مثل مبارك وبن علي فإن هذا لم يمنعها من التحمس والمشاركة في إسقاط القذافي في ليبيا ودعم فصائل المعارضة السورية لإسقاط الاسد في سوريا في إطار الانتقام وتصفية الحسابات الشخصية أكثر منها استراتيجية واضحة. إلا أن تدخل درع الجزيرة الذراع العسكري لمجلس التعاون في البحرين بطلب من نظامها أنهى أي حلم بإمكانية وصول ارتدادات الثورات إلى منطقة الخليج.
وجاء فوز أحزاب إخوانية في الانتخابات التي بدأت تتوالى في دول الربيع العربي ليبرز ظهور تيار خليجي داعم للإخوان تقوده قطر، وتيار آخر يرى بضرورة تقديم العون للثورات المضادة بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فدعما الانقلاب على الديمقراطية في مصر وتسليح حفتر في ليبيا إضافة إلى دعم الثورة المضادة في تونس ونفخ الروح في جثة علي عبدالله صالح وإعادته إلى المشهد السياسي اليمني كما استضافة قادة الجيش المعزولين من أقاربه على أرض الامارات، أما في سوريا فساهم الدعم الخليجي في تشرذم المعارضة وخلق عشرات أمراء الحرب و”القادة” المتقاتلين فيما بينهم أكثر من استهدافهم للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين.
تدريجيا بدأت السياسات غير المدروسة لدول الخليج ترتد على استقرارها الهش، ففي صيف 2015 نفذ مواطن سعودي تفجيرا في مسجد شيعي بالكويت أودى بحياة 27 مواطنا كويتيا وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية، ثم شهدت السعودية في صيف 2016 ثلاث تفجيرات انتحارية في يوم واحد في جدة (القنصلية الامريكية) والقطيف (مسجد شيعي) والمدينة (قرب المسجد النبوي)، سرعان ما تبناها تنظيم الدولة أيضا. وإذا ما أضفنا تفجيرات طهران الأخيرة وتبنيها من نفس التنظيم يتراءى لنا أن لا بلد آمن من الاستهداف في عمقه في اي من الدول المطلة على الخليج.
لنصل أخيرا إلى توسع الحرب بالوكالة (عبر الاقليات الشيعية والسنية) بين دول الخليج وإيران من أراضي دول اخرى كاليمن وسوريا إلى أراضي دول الخليج نفسها (البحرين، المنطقة الشرقية في السعودية) وايران (منطقة عربستان) خاصة بعد تصريح ولي ولي العهد السعودي بضرورة نقل المعركة إلى الداخل الإيراني.
حالة الانقسام الخليجي الحالي وفرض حصار خانق على دولة قطر هوتتويج للتخبط والمزاجية وغياب استراتيجيا مشتركة، إضافة إلى هيمنة المملكة السعودية على مؤسسات مجلس التعاون، التي أظهرت الأحداث الأخيرة إصابتها بالشلل التام وغياب آليات واضحة لفض النزاعات بين دوله. فشل محاولات الوساطة واتجاه النزاع نحوالتدويل هوأكبر تحد يواجه المنظمة الإقليمية الخليجية منذ نشأتها مع عدم إقصاء تطور الصراع الى عسكري. وبذا ترتد كل محاولات الحلول الاستباقية والمعالجة القاصرة للأزمات عن بعد، على منطقة كانت إلى وقت قريب ترى نفسها واحة الرخاء والاستقرار العربية الوحيدة.