يستغرب كثيرون، داخل مصر وخارجها، هذا الالحاح من قبل الحكومة المصرية على عرض اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي تنص على إعادة جزيرتي “صنافير” و”تيران” الى السيادة السعودية على البرلمان المصري للتصديق عليها رغم المعارضة الشعبية القوية وفي مثل هذا التوقيت بالذات.
من الواضح ان البرلمان المصري، وبضغط من الحكومة، والرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيا، سيقر هذه الاتفاقية على الأرجح، رغم الاحتجاجات الصاخبة من قبل الأعضاء ليلة امس، الامر الذي دفع برئيسه، أي البرلمان، الى تأجيل التصويت ورفع الجلسة.
اليوم الثلاثاء وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب (البرلمان) على الاتفاقية، حيث صوت 35 نائبا لصالحها بينما عارضها ثمانية نواب، وجرى رفع الاتفاقية الى جلسة عامة للبرلمان للموافقة عليها، وهناك من يؤكد ان الحكومة ضمنت عددا من الأصوات كافية للتصديق عليها.
آخر استطلاع للرأي اجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام اظهر ان 47 بالمئة من المصريين يرون ان جزيرتي “تيران” و”صنافير” مصريتان، مقابل 11 بالمئة فقط يرون انهما سعوديتان، بينما لم يزد عدد الذين قالوا انهما مصريتان قبل عام عن 35 بالمئة، مما يعكس حدوث تغيير كبير في مزاج الرأي العام المصري تجاه هذه القضية الشائكة.
المحكمة الإدارية المصرية العليا، وهي اعلى سلطة قضائية في مصر، اكدت قبل عدة اشهر، في حكم نهائي لها ان الجزيرتين مصريتان ولا يجوز مطلقا التفريط بالسيادة المصرية عليهما، وحكم هذه المحكمة لا يجوز الطعن فيه.
توقيت مناقشة البرلمان لهذه القضية الحساسة لافت للنظر، ويعكس حسابات حكومية مصرية خاطئة بل قصيرة النظر، في اعين الكثيرين في النخبة السياسية المصرية، فمصر انضمت الى تحالف رباعي بقيادة المملكة العربية السعودية الى جانب الامارات والبحرين، قطع العلاقات مع قطر، وفرض عليها حصارا اقتصاديا، واغلق كل المعابر البرية والبحرية والجوية معها.
الحكمة تقتضي تأجيل هذه الخطوة على الأقل ريثما يتم حسم هذه الازمة التي باتت محور اهتمام الرأي العام المصري والخليجي، والعربي بشكل عام، خاصة ان الحكومة المصرية بحاجة ماسة الى حشد الرأي العام المصري خلفها في هذه المعركة، فما يضير البلدين لو تأجلت هذه القضية عاما او عامين او خمسة، خاصة ان الحرب لن تعلن غدا، وانهما صخريتان وغير مأهولتين؟ ولكن إصرار الحكومة على عرض هذه المسألة على البرلمان، وفي هذا التوقيت، ربما يعكس ضغوطا سعودية متعاظمة، وتطبق المثل الذي يقول “انه يطلق النار على قدميه”.
من سمع هتافات النواب الصاخبة التي تؤكد على مصرية الجزيرتين، يدرك جيدا صعوبة التحدي الذي يواجهه الرئيس السيسي وحكومته، لان هذا المجلس يضم في معظمه النواب الموالين للحكومة، وهناك العديد من علامات الاستفهام يتم طرحها حول شرعية تمثيله للشعب المصري، ونزاهة الانتخابات التي أوصلت نوابه الى قبة البرلمان، فاذا اغلبية الموالين يعارضون هذه الاتفاقية، فكيف سيكون حال الشعب؟
مصر والسعودية معا ليستا بحاجة الى التبعات الخطير لهذه القضية الشائكة، ما يمكن ان تؤدي اليه من حالة الانقسام الحادة في الشارع المصري بشأنها، والضرر الذي يترتب عليها للبلدين، لكن بالنظر الى حالة “التهور” التي تتسم بهما سياساتهما الراهنة، وربما بشكل اكبر في الجانب السعودي، لم يعد هذا التحرك، وفي مثل هذا التوقيت مستغربا، بالنسبة الينا في هذه الصحيفة “راي اليوم” على الأقل.