| بقلم: عبدالباري عطوان |
دخلت الازمة الخليجية مرحلة من “الجمود” في اليومين الماضيين، فالوساطة الكويتية شبه معطلة، واحتمالات التدخل العسكري تراجع وان بشكل مؤقت، وإجراءات الحصار الاقتصادي التي اتخذتها السعودية والامارات والبحرين ضد دولة قطر أعطت نتائج عكسية صبت في مصلحة الأخيرة، أي دولة قطر، حيث وضعتها في موضع الضحية، والطرف المستهدف، الامر الذي أدى الى خلق تعاطف شعبي عربي طاغ معها خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
الحراك القطري بشقيه الدبلوماسي والإعلامي، على الصعيدين العربي والدولي، استطاع ان يمتص الصدمة، وان يوظف الازمة لصالحه، لانه تبنى نهج التهدئة، وعدم التصعيد، والتخندق في خندق الضحية، والدفاع عن النفس، والظهور بمظهر الطرف الحريص على التعاون إيجابيا مع الوساطة الكويتية للوصول الى مخرج مقبول لتطويق الازمة ولملمة ذيولها.
الخطأ الأكبر الذي ارتكبته حكومات دول التحالف الرباعي السعودي الاماراتي البحريني المصري اتخاذها إجراءات “عقابية” الحقت ضررا بالغا، نفسيا وعمليا، بالشعب القطري، وفي شهر رمضان المبارك، مثل اتخاذ قرارات بطرد المواطنين القطريين على أراضيها ومنحهم 14 يوما فقد للمغادرة، دون تقدير خطورة تبعات هذا القرار، فهناك فارق كبير بين طرد العائلات وطرد السفراء، فالسفير يستطيع المغادرة في غضون ساعات او أيام، ولكن العائلات لا تستطيع ان تفعل ذلك، خاصة اذا وضعنا في اعتبارنا الزيجات المشتركة والاستثمارات المالية في دول من المفترض انها شقيقة.
قطر في المقابل كانت اكثر ذكاء، ولم تعامل مواطني الدول الأربع بالمثل، واكرمت وفادتهم، ورحبت بهم واقامتهم على أراضيها، دون أي تغيير، وتركت لهم حرية البقاء، او المغادرة، ولعل تراجع السلطات السعودية والاماراتية والبحرينية لاحقا، وبعد نداءات استغاثة، من ممارسات قاسية، في التفريق بين أبناء العائلة الواحدة، اعتراف صريح بهذا الخطأ، والعمل بسرعة على تصحيح بعض جوانبه اللاإنسانية فقط، وكل احصار او مقاطعة لا انساني، سواء كان ضحاياه من الاغنياء او الفقراء.
***
لا نعتقد ان حالة “الجمود” هذه ستستمر طويلا، ولا نستبعد حدوث تطورات اخطر في الأيام القليلة القادمة، وهناك مدرستان لكل منها منظوره وتصوراته الخاصة حول كيفية التعاطي مع الازمة:
-
الأولى: سلمية، ويؤمن أصحابها بسياسة النفس الطويل، والتدرج في فرض العقوبات على دولة قطر، ويذهب بعض رجالاتها الى القول بأن التعاطف الشعبي معها بسبب الحصار عمره قصير، وكذلك مفعوله، ويشيرون الى تجارب العراق وايران وسورية وفلسطين.
-
الثانية وسطية: تطالب بتكثيف الضغوط الاقتصادية لخنق دولة قطر، والانتقال الى مرحلة تجميد الأرصدة والودائع المالية القطرية في دول الخليج، وفي المصارف والأسواق العالمية تحت ذريعة دعم قطر للارهاب، ويقول منظروا هذه المدرسة، ان صدور مثل هذا القرار، بدعم امريكي سيحدث شللا ليس في الاقتصاد القطري فقط، وانما في قوتها المالية الناعمة التي تستخدمها في تمويل اذرعتها الإعلامية والسياسية.
-
المدرسة الثالثة: تتحدث عن الخيار العسكري، وتنتقد الحكومات الأربع في إضاعة فرصة ذهبية توفرت في اليومين الاولين للازمة، أي قبل التحرك القطري باتجاه تركيا وايران، ويعتقد هؤلاء ان تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ادلى بها قراءة، وليس تغريدا، في مؤتمره الصحافي مع نظيره الروماني قبل ثلاثة أيام، وتحدث فيها عن وجود تاريخ قطري طويل في دعم الارهاب وعلى اعلى المستويات، ما زالت توفر غطاء لمثل هذا الخيار، كما توفر ارضية لتغيير النظام.