|بقلم:محمد الحاج|
لست أدّعي الخبرة بالسياسة العربية، ولا أعلم إنْ كان للعرب أو الأعراب سياسة ذات منهج وبعد يقترب من الاستراتيجية كما في كلّ دول العالم، فبعض الدول العربية في موقع المفعول به، وأغلبها مفعول معه، وما من محلل أو مراقب يمكنه القول بوجود دولة في موقع الفاعل حتى أكبرها… مصر، أو الأكثر ثراء… السعودية.
وإذا كنت أجزم بعدم امتلاك أيّ من الدول العربية نهجا سياسياً بعيد الأفق له ثوابته ومعطياته فذلك لأني لم أقرأ تقريراً صادراً عن مركز أبحاث أو دراسة لمحلل مرموق ومعروف يشير إلى وجود ذلك النهج ولو قصير الأمد، وما اعتدنا السياسات العربية إلا ردود أفعال آنية، هبّات رياح جامحة موقوتة الأجل، سرعان ما تهدأ بعد أن تحمل معها الكثير من الأتربة وما تخلفه من أذية لشعوبها وشعوب المنطقة.
وأعتقد ما سجل التاريخ مرحلة من التعاون والعلاقات الثابتة بين هذا العدد الكبير من الكيانات ولو لأجل قصير ولنقل سنوات خمس، إما بفعل التدخل والتحريض الخارجي أو بفعل العقلية القاصرة عن استشراف المصالح العليا لهذه البيئة بل ربط هذه المصالح بالأمزجة الشخصية للحكام ومحاولة كلّ منهم فرض رؤيته وذاته حسب إمكانياته المادية وما يمتلك، ومن يوجهه ويقف خلفه، حتى وإنْ كان شبه أمي ولا علاقة له بالسياسة ولا القيادة، وليس مهماً أن يخوض في علم الكلام أو يتصدّى للخطابة والتحليل، بل هو يكتفي بممارسة فوقيته الشخصية مرتكزاً إلى فيض أمواله أو علاقته بالقوى العظمى، وفي ذات الوقت ليس مهما له بعده أو قربه من شعبه أو قيادات الدول الأخرى التي تربطه بها رابطة الدم والمصالح العليا.
شعار أغلبية القيادات العربية مستمدّ من كتاب الله، وتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان إلا أنّ أحداً من قادة العربان والأعراب لم يتمثل هذا القول أو يطبّقه، وما اتفق الأعراب واجتمعت كلمتهم إلا على أذية أحدهم أو بعضهم، وقد لا يكون الفعل حباً في الأذية بل هو في أغلب الأحيان لخدمة عدو خارجي ارتبطت به هذه الجهة أو تلك من تحت الطاولة وبعيداً عن الأعين، حتى هذا الارتباط لم يبق طي الكتمان حيث انتفى الخجل والخوف من الرعية التي أسلست القياد كقطيع يلحق بكبش مرياع رضع حليب أتان أنثى الحمار وهي حال لا يحسد عليها أحد من الشعوب العربية.
اجتمعت كلمة العرب على أذية الدولة الإيرانية بعد أن تحوّلت من عصا غليظة وشرطي أميركا في المنطقة وأحد أهمّ حراس المشروع الصهيوني إلى صديق ومدافع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه، ثم اجتمعت كلمتهم على أذية العراق الذي دفعوا به إلى حرب طويلة الأجل ضدّ الإيراني استنزفت طاقات البلدين وأهدرت أنهرا من الدماء وأكداس من المليارات نهضت بصناعة الغرب وشركاته ووفرت الأمن والراحة للعدو الصهيوني.
بالأمس القريب فتح العربان وقادة الأعراب كلّ الأبواب أمام عدوان شامل على العراق فتمّ تدميره وإعادته إلى زمن الجاهلية والتخلف وحطموا اقتصاده وديناره وتبدّدت ثرواته، وبعده ليبيا، ثم إلى مصر امتدّت أيديهم القذرة، مصر التي عمّمت كلمة عربي على العالم وأدخلتها قاموسه كشخصية متميّزة، المتخلفون يريدون فرض تخلفهم ووصايتهم على حضارة عمرها آلاف السنوات، وإذ لم يكتفوا بذلك فقد أشعلوا حرائقهم في كلّ مكان في الساحات العربية، من الجزائر وصولاً إلى الجنوب السوداني والصومال في أفريقيا، ومن العراق إلى الشام ولبنان في آسيا، هنا فقط اجتمعت كلمتهم وظهر تعاونهم على الاثم والعدوان بشكله الأوضح والأعنف وبكلّ صفاقة، وطفا إلى السطح تحالفهم مع العدو الصهيوني بعد أن وضعت لهم مراكز الدراسات والاستراتيجيات الغربية قاعدة استبدال العدو الحقيقي بعدوّ وهمي مثيرة في نفوسهم مكامن التخلف المترسّب من 1400 عام وأكثر.
عقلية القبيلة وزعيم العشيرة تتحكّم بمفاصل القرار في ممالك ومشيخات الأعراب وكياناتهم التابعة الدائرة في فلك العشيرة الأكبر، وضمن هذه العقلية البائسة ينحصر التفكير بالاستمرارية والتسلط تحت حماية قوة كبرى وليس حماية الشعب الذي ليس مهماً رضاه أو حياته ومصالحه.
فائض المال العربي غير المحدود الناتج عن ثروات باطنية هائلة ليس من حق الشعوب، بل هو للغرباء وقادة الأعراب.. يقول التوراة مخاطباً اليهود: تأكلون ثروات الأمم وعلى مجدهم تتآمرون ولأنّ بنوك العالم وصناديق المال بيد هؤلاء فإنّ لهم أساليبهم المتنوّعة في استقطاب هذه الأموال ومصادرتها لرفع مستوى الرفاهية في الغرب، وزيادة الفقر والجهل والتخلف في عالم العرب والأعراب، أما ما يبقى بيد هذه القيادات من فضلات المال فهم يستخدمونه في تمويل الحروب والاضطرابات والتآمر وتمويل عمليات العدوان على بعضهم وما نسينا تمويل فيصل لغزوة الصهاينة عام 1967 التي مضى عليها 50 عاماً، ليجبر مصر على الانسحاب من اليمن ، ورسالته تمّ نشرها عشرات المرات، لكن عالم الأعراب لا يقرأ، وإذا قرأ لا يفقه.
أوردت كلّ الدراسات الاقتصادية العالمية أنّ الأموال العربية التي تصرف على تخريب البلدان العربية وتغذية النزاعات، واستئجار المرتزقة وشراء الأسلحة يكفي لرفع مستوى عيش الفرد العربي، في كلّ البلدان العربية دون استثناء إلى مستوى الفرد الأوروبي أو أعلى منه، لكن سياسات الرعونة والحمق التي يمارسها قادة الأعراب يمنع هذا الإنماء حيث يعتقدون أنّ ذلك سيدفع بالعامة إلى الوعي والتخلص منهم أو القضاء عليهم ولا يأخذون عبرة من اليابان أو مثيلاتها من الدول التي تحكمها عائلات، سواء بالشكل الملكي الدستوري، أو الامبراطوري، أو الإمارات لكنها تمارس ديمقراطية صحيحة ومتكاملة، ويتكفل العدل والرخاء فيها بضمانة استمرار الحكام.
أنظمة الخليج الأعرابية مارست ولما تزل تمارس الرشوة للوقيعة بين الكيانات المجاورة والمناطق التي تستهدف الوصاية عليها أو إلحاقها بسياساتها في خدمة المشاريع المشبوهة، توظيف تنظيمات في البلد الواحد بمواجهة أطراف وتنظيمات أخرى وأحياناً بمواجهة النظام القائم في هذه الدولة أو تلك، ما يعنينا في الراهن ومنذ سنوات أيّ بعد العام 2010 محاولة الوقيعة بين الجيش اللبناني والمقاومة التي وقف إلى جانبها والتي استردّت كرامة مهدورة في أكثر من حرب وواقعة مع العدو الصهيوني، السعودية أعلنت عن دعم الجيش اللبناني بعدة مليارات، وكان الشرط المخفي الأمل هو تجريد حزب الله من السلاح فهو يشكل خطراً على العدو الصهيوني، ولما لم يستجب هذا الجيش الوطني رافضاً استبدال عقيدته، صار الوعد مجرد كلام، السعوديون يعلنون اليوم أنّ لبنان رفض الهبة…! وحرّضت البعض في لبنان والشام على المقاومة وعلى النظام الداعم لها، وانضمّت جوقة الخليج للمخطط الصهيو سعودي في التمويل والتحريض والنقل والإمداد وكلّ العمليات التي أشعلت حرباً كونية على الشام، حتى أنهم نجحوا في تأليب بعض الفلسطينيين على النظام الأكثر احتضاناً لهم، والأكثر حرصاً على حقوقهم، واستطاعوا تصوير هذه الحرب على أنها شرعية تهدف إلى الحرية ونيل الحقوق وكأن الحقوق في غير مكان قد تحققت وما بقي من ظلامة إلا في الشام، أنفقوا المليارات، ودفعوا بعجلة الصناعات العسكرية الغربية إلى الانتعاش.
قطر كانت رأس حربة تعاون الإثم والعدوان، بأموالها وإعلامها، وطيرانها الذي نشط في نقل عتاد الجيش الليبي المنهوب إلى تركيا ومن ثم إلى العصابات على الساحة السورية، وكان كلّ شيء على المكشوف، ولأنّ قطر لا يجب أن تخرج عن الطاعة فقد تصبح الولد العاق، يجري الآن عزلها والتحريض عليها وشراء الذمم ورشوة الدول لمقاطعتها، وإذ لا يجب أن يزعجنا الأمر إلا أنّ الحديث لا بدّ أن يأخذ مجراه للمقارنة والقول إنّ أقطاب التآمر والإثم والعدوان لا بدّ من سقوطهم على قاعدة اختلاف اللصوص، لكن الغنيمة هنا كانت في موقع المستحيل، فبدأوا بتوزيع المسؤوليات والتهم، والهروب الكبير من مسرح الجريمة، فهل يكفي التضحية بقطر ثمناً وتكفيراً عن جرائم الإرهاب الذي خرج عن السيطرة وفاض نهره…؟
السعودية التي يصرّ أركان نظامها القبلي العشائري على فرض سطوتهم، وصاية وولاية على كلّ من حولهم، ويمارسون الرشوة لشراء المواقف المؤيدة لهم سيدفعون في القريب العاجل إلى فرط عقد ما يسمّونه مجلس تعاونهم الخليجي، كما تنفرط السبحة عند انقطاع الخيط الضامن لها، وما نراه خيطاً ضامناً لهذا المجلس هو خدمة الحق والعدالة والحقيقة بصدق، ونهج تحقيق مصالح الشعوب وليس دمارها، وإذا كان فهم الموقف المصري ممكناً، فمواقف باقي الدول إنْ هي فعلت ما تطلبه السعودية مثل ليبيا أو السودان أو باكستان، تبقى غير مفهومة إلا في سياق الاستجابة لمطلب سعودي مقابل… المال، الرشوة بطبيعة الحال، إلا أن تكون المسرحية من وضع وإخراج الادارة الأميركية وتكون الخاتمة تجريد محتويات الصندوق القطري اسوة بصندوق بني سعود وإلى أجل غير محدود… وفي الأمثال: مال الخسيس، يذهب فطيس. خليك معنا