الصباح اليمني_مساحة حرة|
كم نحن مشفقون على إخوتنا الطيبين سكان عدن، الذين أوقعهم سوء حظهم بين مطرقة الانتقالي (المدعوم إماراتيًا) وسندان الشرعية (المدعومة سعوديًا ـ إماراتيًّا)!
فكلا الطرفين (المدعومين خليجيًّا) يتعمَّدان، منذ سنوات، إهمال، بل تخريب ما هو قائم من الخدمات الضرورية هناك، عنوة، من أجل أن يلقي كل طرف بالمسؤولية على الطرف الآخر !؟
إنها مهزلة حمقاء يدفع ثمنها المواطن العدني المتحضر، على يد هؤلاء الأجلاف المتعصبين من قرويين وبدو، في أشكال من المعاناة والمنغصات الحياتية، التي لاذنب له فيها سوى أنه متمدٍِن مسالم مترفِّع عن الخصومات والثارات البدائية، جراء هذا الصراع الجبان، المفتقد لأبسط حقوق المواطنة والقيم الأخلاقية والإنسانية! وكأن الطرفين المتصارعين لايريدان للمواطن العدني المغلوب على أمره أن ينسى ما ألحقاه به من أضرار مادية ونفسية، منذ مابعد الاستقلال، وتم تعميدها بكارثة 13 يناير 86 م المناطقية المؤسفة.
من وجهة نظر قانونية صرفة لايمكن تبرئة قيادة الشرعية من مسؤوليتها الكاملة عن هذا الصراع القائم ومانتج عنه من مآسٍ كبيرة تكبَّدها المواطن اليمني، في عموم مساحة البلاد، وليس في مدينة عدن وحدها، بسبب تخلِّي قيادة الشرعية عن واجباتها الدستورية الوطنية، وبسبب ترهلها المخزي، الذي أتاح لمجموعات همجية، مستهترة منافسة الشرعية ومزاحمتها، حتى نالت من صلاحياتها، بل وألغت دورها تمامًا، في أحايين كثيرة.
كما لايمكن التردد في إلقاء اللائمة على بقايا الفكر الاشتراكي المغامر، المهووس بمقاتلة طواحين الهواء وبمخالفة الواقع رغبة في العودة إلى كل ماهو ماضوي رجعي، بعد سنوات من الحنين الذي أنساهم سلبياته كاملة ولم يحتفظ لهم إلا بشيء من إيجابيات لاتكاد تُذكر؛ كالعودة إلى حالة التشطير المدمرة !
هذه البقايا المريضة، التي أسمت نفسها، تفاؤلًا، المجلس الانتقالي الجنوبي ، وكان عليها، لو أنها أنصفت أن تضيف إلى مسماها كلمة(الانفصالي)، لن تتوانى عن التضحية بكل شيء، حتى بأمن واستقرار المواطن، بل وحتى بحياته من أجل الوصول إلى مبتغاها في إعلان كيانٍ انفصالي، مقدَّر له، حتمًا، أن يتعرّض لامتحانات الاقتتال البيني، كما هي عادة العصابات المناطقية، الغوغائية، الميالة، طبعًا، وسجيَّة، لحل خلافاتها بقوة السلاح ، لابتحكيم العقل والمنطق وتغليب مصلحة الوطن والمواطن على ماعداها من مصالح أنانية ضيقة.
لقد بالغت هذه العصابات الانفصالية بمطامعها كثيرًا وهي تستغل كل نقطة ضعف في قيادة الشرعية البائسة، التي أرادت، في بداية الأمر، جبر خواطر الطرف، الذي تفاجأ بأحداث يناير وخسر أبرز قياداته. ومع أن هذا الطرف هو الذي كسب الجولة الأخيرة، فسيطر على كل شيء، إلا أن الرئيس هادي قرر تعويضه، بكل ما في وسع الدولة تقديمه، لأنه لن يخسر شيئًا، ولكن الشعب والوطن هما الخاسر، في كل حال.
خضوع الرئيس هادي المبالغ فيه لمطالب هؤلاء المبتزِّين الانفصاليين شجَّعهم، منذ أن كانوا لايزالون، جميعًا، في صنعاء، على التمادي في مطالبهم، وعلى فرض إرادتهم الانفصالية عليه.
كان ذلك في مجلس الرئيس هادي بمنزله، الذي خصصه ( مقيلًا) للجنوبيين، دون غيرهم، سواء أكانوا من(الزمرة) أم كانوا من (الطغمة).
ومن خلال المجالسة تمكن الانفصاليون، في الطرفين، من استمالة هادي نحو شطريته، ومن ثم تمكنوا من إقناعه بضرورة الانفصال والعودة إلى التشطير، بدعوى صعوبة التعايش مع الشماليين، ورغبة منهم في التخلص من (الاحتلال الشمالي)، الذي كان لهادي دور فيه، كوزير دفاع لعلي عبدالله صالح في حربه عليهم صيف 1984م.
كان الشماليون يراقبون هذا التصرف اللامسؤول باستخفاف، لكنهم يرون في انفرادات الانفصاليين الجنوبيين الدائمة بالرئيس هادي فرصة جيدة لاستكمال ما أسماه الجنوبيون، كذبًا، ب(التصالح والتسامح)، فباركوا للإخوة إزالة رواسب الماضي كي يتمكنوا من قيادة الوطن اليمني بنجاح، وقد باتوا هم الأمل الوحيد، بعد زوال الفاسدين من مراكز القرار. وبحسن نيَّة تغلّب المراقب الشمالي على شكوكه في احتمال أن يتمكن الانفصاليون من تجريد هادي من وحدويته.
وحتى عندما كان يخرج الانفصاليون الجنوبيون من تلك الجلسات ( المقايل) الرئاسية وقد ارتفعت نبرتهم الانفصالية، لم يكن الشماليون يرون في ذلك شاهدًا على انحراف هادي عن خطه الوطني الوحدوي ودعمه لهؤلاء الانفصاليين المعاندين. لكن التعيينات الجديدة للجنوبيين الانفصاليين في مناصب عسكرية كبيرة، والكثيرون منهم ليسوا أكفاءَ لشغلها، كانت كافية لإثارة الشكوك واستشعار المخاوف، خاصة مدراء بعض دوائر وزارة الدفاع، المعروفون بتعصبهم المناطقي المقيت، وبميلهم الحاد لفكرة الانفصال المدمرة لآمال وأحلام الوطنيين الوحدويين.
كان بعضنا يبرر لهادي تلك التعيينات الهوجاء على أنها شكل من أشكال المراضاة والمداراة، التي درج عليها الرئيس صالح، من قبله، في استقطاباته لمعارضيه من العسكريين الجنوبيين.
لكن معظمنا بدأ يشعر، جديًّا، بأن مجالسة هادي لأبناء شطره الجنوبي قد فعلت فعلها. وأن تلك التعيينات كانت إجراءً تمهيديًّا لتمزيق المؤسسة العسكرية، التي ظل الانفصاليون يجاهرون بحقدهم عليها، كونها كانت الذراع القوية التي مكنت علي عبدالله صالح من هزيمتهم في عام 94.
تسلم القادة الانفصاليون أعمالهم، وفي أذهانهم رغبة في تقليد أسلافهم من قادات علي عبدالله صالح الفاسدين العابثين. فأخذوا يقلدونهم قليلًا، قليلًا، حتى جاء اليوم الذي تفوقوا فيه عليهم وبدأوا بتخلصون من الكوادر الوطنية التي عاتبتهم على أفعالهم، وقد كان الأمل فيهم أن يقودوا عملية تصحيح تقتلع الفساد من جذوره. وعند مرحلة معينة أخذ هؤلاء القادة ينهبون كل شيء ويدمرون كل شيء ويعبثون، جهارًا، نهارًا، من دون حسيب أو رقيب.
كان الرئيس هادي قد أغلق أذنيه وعينيه، كما أغلق مجلسه عن كل من يحاول لفت انتباهه إلى تلك الممارسات الخاطئة للانفصاليين. ولم يصدر عن مكتبه مايفيد باطلاعه على تنبيهات وانتقادات الكتاب الصحفيين، تمامًا كما هو موقفه اليوم في فندقه بالرياض.
في ذات الوقت كانت كل الأخبار الواردة من مجالس الرئيس المخلوع غير مشجعة وغير مطمئنة. لقد أصبح انفصاليَّا أكثر من الانفصاليين أنفسهم، وهو الذي كان قد وصفهم، عدة مرات سابقًا ب(المرتدين)!
وفي تسجيل صوتي له يخاطب مقربيه الخلَّص من مشائخ وضباط ومسؤولين، وحتى بلاطجة قتلة وكل أتباعه الفسدة، وبصريح العبارة قال لهم آمرًا: ( دمروا كل شيء جميل في اليمن.. ) !!
حينها تأكدنا بأن لا أمل لنا بالاستنجاد بصالح بعد الآن وأنه قد بلغ به اليأس والحقد ورغبة الانتقام، مبالغ بعيدة، قد تلحق الضرر البالغ باليمن واليمنيين، وفي المقدمة أجمل منجز تحقق في عهده ( الوحدة اليمنية)!؟
عفوًا.. عفوًا..أراني قد ذهبت بعيدًا مع الذاكرة. وعليَّ أن أتوقف عن السماح للكلام بأن(يَجُر بعضه). فلاحاجة لنا اليوم بنكئ الجراحات ولابتوزيع التهم، فالتأريخ كفيل بفضح الجبناء الخسساء المتآمرين على شعبهم ووطنهم، وحينئذٍ سيلعنهم الأولاد والأحفاد ويلعنهم اللاعنون.
في بداية هذا الأسبوع نقل قادة الانتفالي نسخة من صراعهم مع الشرعية إلى وادي حضرموت، مستغلين معاناة المواطن لصالح مشروعهم الانفصالي الخبيث، فجاءت شعارات المندسين في صفوف المتظاهرين واعتداءاتهم على قوات الشرعية، وأكدتها فيما بعد، تصريحات وتهديدات القيادي في الانتقالي أحمد سعيد بن بريك لتقول بأن هؤلاء الانفصاليين مقدمون على مرحلة جديدة من الشغب وإثارة الفتنة وتأجيج الصراع.
وقبل ثلاثة أيام جدد الانتقالي أعماله الفوضوية الطائشة المستهترة بالشرعية وبحكومة الشراكة وبالاتفاقات بينهما، وحتى بالضمناء، الذين حضروا تلك الاتفاقات في الرياض. فأخرجوا مجموعة من السفهاء المتعصبين العسكريين المناطقيين،(بملابس مدنية!) إلى الشارع للتظاهر ضد الشرعية وحكومتها، احتجاجًا على تردي الأوضاع، ثم وجهوهم لمهاجمة الحكومة في القصر الرئاسي، فوصلوا، بالفعل، إلى مكاتب الوزراء في داخل القصر، بعد أن تجاوزوا عددًا من الأسوار والبوابات والحواجز، في حين لم تحرك الحراسات الانفصالية ساكنًا!
القادة الانفصاليون متعجلون، كما يبدو، في تحقيق ماوعدهم به هادي ذات يوم. يريدون تجاوز الظروف الاستثنائية الحالية وإعلان دولتهم الانفصالية الجديدة، بأسرع مايمكن. ربما بإيعاز متعجل من داعميهم في أبو ظبي، لربما لأسباب تحتمها طموحات توسيع الإمبراطورية الإماراتية، على وجه السرعة!
لكن الرئيس هادي لايرى أن الوقت مناسبًا لإعلان الانفصال الآن، وأن على الانفصاليين ضم جهودهم إلى جهوده للخلاص من الحوثيين، أولًا، كما يقول مناصروه.
نعتقد بأن لاصحة لما يقال عن وجود تخادم بين الانتقالي الجنوبي وبين الحوثيين على خلفية المعارك في مارب. فالانفصاليون يعاجلون في سعيهم لإعلان دولتهم الموعودة، بوجود الحوثيين وبدونهم، رغبة في اعتلاء مناصبها قبل أن يداهمهم عَجْز الكِبَر. قبل أيام عبَّر عيدروس الزبيدي، عن رغبته في إجراء حوار متكافئ مع الحوثيين، حوارًا بين دولتين، بعد سيطرتهم على محافظة مارب. لكن رد الحوثيين عليه جاء سريعًا وصادمًا إذ عبروا عن رفضهم إجراء أي حوار مع أي قوى عميلة للخارج.
ربما ظن الانفصاليون الجنوبيون أن الحوثيين، لايزالون عند موقفهم السابق من الانفصال، عندما عرض عليهم الانفصاليون الجنوبيون، ذات يوم، قبل عام 2014، العودة للتشطير، بحيث يحكم الحوثيون الشمال ويحكم الجنوبيون الجنوب، فوافقوهم على تصورهم ذلك على مايبدو، ربما تهيبًا من عدم قدرتهم على حكم دولة الوحدة الواسعة. لكن الحوثيين، بعد سيطرتهم على المحافظات الشمالية وجدوا أنفسهم قادرين على حكم اليمن الموحد. فواصلوا تمددهم إلى المحافظات الجنوبية وكادوا أن يسيطروا عليها، كاملة، ضاربين، عرض الحائط، باتفاقهم السابق مع الجنوبيين، لولا خيانة الشريك المتربص، الذي وجَّه وحداته العسكرية بالانسحاب من الجنوب، لكي تتمكن دول التحالف من القضاء على القوات الحوثية هناك، فتتسنى له العودة لحكم الشطر الشمالي، من جديد.
الضعف والارتباك في صفوف القيادات الانتقالية بسبب خيبة آمالهم من رفض المجتمع الإقليمي والدولي والوطني لتطلعاتهم الانفصالية، بديا واضحين من خلال تصريحاتهم المتضاربة حيال المظاهرات الأخيرة.
فالقيادي البارز في الانتقالي أحمد بن بريك الذي أيد تلك المظاهرات وزاد هدد وتوعد بالمزيد من الاجراءات الانفصالية، بل إنه وصف حكومة الشراكة الحالية بأوصاف المحتل الظالم ، عاد وأنكر ماقاله، فور أن علم ببيان الخارجية السعودية الذي أدانت فيه أفعال الانتقالي تلك ودعت فيه قادة الانتقالي والحكومة إلى سرعة الحضور إلى الرياض.
تفيد التوقعات أن تكون تهربات الانتقالي من تنفيذ البنود العسكرية والأمنية في اتفاق الرياض الحالي هي سبب الدعوة وهي مجال البحث القادم في الرياض، الذي سينتهي بتعهد الانتقالي بالتطبيق الكامل لبنود الاتفاق السابق، فورًا ومن دون مماطلة أو تلكؤ.
أخيرًا وجب التنبيه إلى أن المجلس الانفصالي الجنوبي لم يعد يستحي أو يتحرج من وصفه، إدانة، بالانفصالي، كعدو مخالف لشعبه الوحدوي، كما أنه لم يعد يستاء من وصفه، سخرية، ب(المدعوم إماراتيًّا)، بعد أن تفهَّم أن كل الأطراف الفاعلة في القضية اليمنية مدعومة، بهذا القدر أو ذاك، من الخارج ومن الإمارات تحديدًا، وفي مقدمة هذه الأطراف الشرعية نفسها، التي باتت مسلوبة القرار الوطني من قبل داعميها الرئيسيين (السعودية والإمارات).
المصدر: البوابة الإخبارية اليمنية
خليك معنا