وصل عبد ربه منصور هادي الرئيس المعترف به دولياً إلى السلطة في اليمن عبر توافق تم بين مراكز النفوذ المتصارعة، بعد الإنتفاضة التي شهدتها المدن اليمنية ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وفي الحقيقة، لا يمثل هادي طموحات ولا تطلعات اليمنيين، ناهيك عن المنتفضين من الشباب الذين ملأوا الساحات في مدن مختلفة رغبة في التحرر والانعتاق من الظلم والجور والفساد الذي كان يمثله النظام السابق وأركان حكمه، الذي من ضمنهم هادي نفسه، فقد كان نائباً لعلي عبد الله صالح لأكثر من عشرين عاماً، قبل أن يسلم له علي صالح السلطة بوصفه الأيدي الأمينة التي حرص على أن لا يسلم السلطة إلا إليها.
يمثل هادي رئيس المصلحة لكل الأطراف المتصارعة، وكل الأطراف التي قبلت به أو تقبل به حالياً ليس إلا من أجل مصالحها هي فقط، أو لتنفيذ رؤيتها عبره، وليس بوصفه صاحب برنامج خاص يتقاطع مع رؤيتهم وتفكيرهم وتخطيطهم.
ناور علي صالح أشهراً عديدة بعد المبادرة الخليجية، قبل أن يرضخ أخيراً لتسليم السلطة لنائبه في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب: هادي، وكان هذا التنازل لأنه يرى فيه أنه سيستمر بتحقيق مصلحته ومصلحة حزبه وجماعته ومراكز النفوذ المحيطة به، تلك المصلحة التي ربما تعيد إليهم السلطة مرة أخرى. ونتيجة لهذا، لم يتنازل له في السلطة فحسب، بل جيّش «المؤتمر» كل إمكاناته لانتخاب هادي رئيساً، وإعطاء التنازل صبغة شرعية وقانونية، وإن كانت الإنتخابات قد جرت بدون منافسة. ولكن ما إن بدأ هذا الرجل بممارسة مهامه كرئيس، وبدأ بالاقتراب من
كل الأطراف التي قبلت به أو تقبل به حالياً ليس إلا من أجل مصالحها هي فقط
مراكز النفوذ المرتبطة بالرئيس السابق، بدأت تلك العلاقة بالتخلخل، لأنها بدأت تمس مصالح رجال صالح الخاصة، واستمرت الهوة تتسع بين الطرفين كلما تزايد تأثر مراكز النفوذ والمصالح، حتى وصلت مرحلة اللاعودة. لقد انتخب «المؤتمر» وصالح مصالحهم الخاصة ولم ينتخبوا هادي رئيساً.
«الاصلاح»، بدوره، دعم هادي كثيراً منذ الإنتخابات وما قبلها ومابعدها، وهو لا يدافع عنه أيضاً كرئيس، بقدر ما يدافع عن شبكة المصالح التي يستطيع أن يمررها عبره. في كثير من الأحيان، نرى الماكينة الإعلامية لـ«الاصلاح» وقد تحولت إلى طوفان ضد هادي لأنه يقترب من مصالحهم، وحين يكون في صالحهم يتحول إلى رمز وطني. وعلى مدى السنوات الفائتة، يحتفظ «الإصلاح» بعلاقته بهادي بالقدر الذي يستطيع أن يكسب منه قليلاً من المصلحة.
الحوثيون لم ينتخبوا هادي، لكنهم حاولوا في اللحظات الأخيرة أن يمرروا قرارات انقلابية مشرعنة عبره، وحين رفض ذلك كان مصيره الإقامة الجبرية والسجن ثم مصادرة سلطته من العاصمة. لقد حاولوا هم أيضاً أن يكسبوا مصالحهم منه، بيد أنهم لم يكتفوا ببعض مراكز النفوذ، إنما أرادوا كل شيء، فكان خطأهم الإستراتيجي في التعامل معه الذي أدى في الأخير إلى نشوب الحرب الشاملة.
قوى الحراك الجنوبي هي التي وقفت بقوة ضد هادي، وأحرقت صناديق الإنتخابات، وأقفلت المراكز بالقوة. كانت رافضة تماماً لهادي وسلطته وكل ما يتصل به. هذه القوى هي نفسها وكثير منها من وقف معه بعد غزو الحوثيين لصنعاء وتعز ومدن الجنوب، وكثير منهم من قاتل تحت راية شرعيته، لقد أصبح الرئيس الشرعي المعترف به من قبلهم وهم الذين وقفوا بقوة ضد انتخابه. في الحقيقة، إنهم رفضوه لأنه كان لا يحقق مصالحهم، والآن يقفون مع مصلحتهم فيه التي قد تؤدي إلى تحقيق رؤيتهم التي يناضلون من أجلها. كان رئيساً لمصلحة تتناقض مع مصلحتهم، والآن أصبح رئيساً تتقاطع مصلحتهم معه ولا بأس من توظيفه مرحلياً.
هل يدرك هادي بالفعل أنه رئيس المصالح الخاصة؟ فالأمر لم يعد متعلقاً بالداخل فحسب، بل أيضاً بمراكز النفوذ الإقليمية التي توظف هذه الشرعية لتحقيق مصالح إقليمية خارج إرادة وتطلعات الشعب الذي يمثله الآن.