الصباح اليمني_مساحة حرة|
التوقعات بإمكانية نجاح أو فشل مهمة المصالحة المنتظَرة وبين أطراف الأزمة الخليجية(السعودية ـ قطر)، في قمّة مجلس التعاون، المزمع عقدها في الكويت، خلال الشهر الجاري… تستدعى رحلة مهمة إلى الماضي القريب، للتعرف على جذور هذه الأزمة، بل وجذور كلِّ الأزمات، التي عصفت، ومازالت تعصف، بأمن منطقة الخليج والجزيرة العربية عموما!
وهناك مسلمة قد يختلف ويتفق حولها الكثير , وهي أن ما من أزمة ولا مشكلة عكَّرت صفو علاقات شعوب هذه المنطقة إلَّا كانت المملكة العربية السعودية خلفها!
وتوضيحا لذلك , فان السعودية دولة توسُّعيَّة، بامتياز، ويعرفها القاصيُّ والدَّاني، وما مِن دولة من دول جوارها الثماني إلَّا وقد تعرَّضت سيادتها للانتهاك وحقوقها وأراضيها للبسط التعسفي، غير المشروع، وبالقوة، أو تملَّكتها بالقضم الممنهج والمستمر، حتى أن حُرَّاس حدود خُدَّام الحرمين الشريفين لايَكِفُّون عن ممارسة هوايتهم السيئة هذه، كلَّما وجدوا إليها سبيلا!؟
وطبعاً يبقى الطَّمع الفاضح واللَّهث الدِّائم الجامح وراء الوصول إلى مناطق نفطية وغازية جديدة هو الدَّافع وهو الدَّيدن لذلك النظام الملكي المستهتر، المُترَف والعابث!؟
فضلاً عن ذلك، وفي الوقت الذي تصارع فيه شعوب الجوار السعودي موروثاتها الثقيلة، طامحة إلى مستقبل الحرية والديمقراطية..فإن الاستخبارات السعودية لم تتوقف عن حَبك المؤامرات الخبيثة ضد الأنظمة السياسية لهذه البلدان، باذِلة أموال وثروات الشعب السعودي، وبسخاء، لشراء ذمم الخونة وتحويلهم إلى عملاء يخدمونها؛ إمًّا في تمزيق الصف الوطني وإمَّا في زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي وحتى في تنفيذ مخططات انقلابية دموية تغيَّر مسار التأريخ لصالحها !؟
ودولة قطر واحدة من هذه الدول المجاورة للسعودية، وربما كانت من أكثرها تعرُّضاً لممارساتها الظالمة!
فقد استضعفت السعودية دولة قطر القليلة السُّكان، الصغيرة المساحة، الغنيَّة بالثروات، حتى أخضعت أميرها الأب ( خليفة آل ثاني) لإرادتها والانقياد خلف سياستها الخارجية مدَّة طويلة، وذلك ما ظلَّ يحزُّ في نفس ولده، قائد حراسته الأمير حمد بن خليفة !
وبسبب الأطماع السعودية بأراضي دولة قطر فقد ظلت الخلافات قائمة بين البلدين، حتى توقيعهما اتفاقية الحدود الأولى في 4 ديسمبر من عام 1965 م.
مع ذلك ظلت الخلافات تتفاقم بين الطرفين إلى أن انتهت في عام 1992 بمناوشات عسكرية خلَّفت قتلى وجرحى.
وأخيراً تم التوصَّل إلى اتفاقية حدودية جديدة في 21 مارس من عام 2001 م، ولكن بعد أن نالت السعودية مبتغاها من خلال اتفاقية الحدود مع الإمارات إذ فصلت الحدود البرِّية المستركة بين قطر والإمارات، للحيلولة دون تقاربهما الجغرافي والتعاوني والنفسي، فحرمت قطر من الحدود البرية إلَّا معها! فاستحوذت على شريط ساحلي في منطقة( خور العديد) يبلغ طوله 50 كم!؟
هذا الجشع السعودي في نهب أراضي الغير وهذه التدخلات السافرة في شؤونهم الداخلية..أوغلت صدور شعوب المنطقة كلَّها وأجَّجت الاستياء والكره للسعودية، حتى بات الجميع يتمنَّون زوال نظام آل سعود، وليس الشعب هناك، بل ويتحيَّنون الفُرَص للانتفام من هذا النظام واستعادة أراضيهم المنهوبة!
وفجأة! في 27يونيو 1995 م قاد الأمير الشاب انقلاباً على والده وسيطر على كرسي الحكم، لتتغيَّر الأحوال في قطر والمنطقة كلِّيا، بعد ذلك!
يبدو أن الأمير الشاب الثائر كان قد ضاق ذرعاً باستكانة والده المستضعَف للنظام السعودي المستبِد، فجاء انقلابه ليمثِّل أقوى صرخات الرَّفض للتسلُّط السعودي في المنطقة برُمَّتها!
بدأ الأمير الشاب يرسم خطوط سياسة قطر الخارجية، باستقلالية كاملة عن موالاة ومداراة النظام السعودي، مُتّخِذاً من جماعة الإخوان المسلمين حليفاً دينياً، يقابل تحالف النظام السعودي، منذ وقت مبكِّر، مع الجماعة السلفية الوهابية، التي أخذت تعطيه الشرعية الدينية وتبرِّر ممارساته التسلطيِّة الكهنوتية في الداخل، وتزيِّن صورته في العالم الإسلامي للإبقاء على مكانته الدينية في محل ثقة الجميع!
مع العلم أن القطريين مازالوا يؤكدون على أن الوهابية هي مذهب الشعب القطري، أيضا! بمعنى أن تحالف النظام القطري مع الإخوان المسلمين لايتعدى مجال السلطة الفوقيَّة والعمل السياسي وأنه تحالف مؤقت، الغرض منه معاندة ومكايدة النظام السعودي المعادي للإخوان المسلمين، سلفاً، واستفزازه ومضايقته ومحاصرته من التمدُّد في الشرق الأوسط، وهو يتخذ من السلفية الوهابية وسيلة تجتر وراءها تدخلات السياسة السعودية الوقحة!
وإذن فقد استقدم الأمير حمد قيادات الإخوان إلى قطر لهدف مرسوم وأطلق فضائية الجزيرة كمنبر إعلامي لهم ولغيرهم من الناقمين على النظام السعودي لفضح خفاياه والتحذير من ومؤامراته. ثم أخذ أمير قطر الجديد يُنشِّط سياسته الخارجية لدعم فروع الإخوان المسلمين في العالم من جهة، ولمحاصرة السياسة السعودية وفضح مساوئها وكشف مخاطرها، في كل اتجاه، من جهة أخرى!
كان الأمير حمد بن خليفة يدرك مخاطر ماذهبت إليه سياسته الخارجية تجاه النظام السعودي، فكان يتوقع ردات فعل معادية كثيرة، فكان أن فتح قاعدة العديد العسكرية للقوات الأمريكية، كما فتح، فيما بعد، أرض قطر لقواعد عسكرية أخرى، فأمن من شرِّ العنتريات السعودية المألوفة وتفرَّغ لتمديد سياسته وتحالفاته الخارجية مع أي نظام يخالف السعودية ويناصبها العداء ، وفي المقدمة تركيا وإيران!
فشلت كل محاولات السياسة السعودية في احتواء أو مجاراة السياسة القطرية الشَّابة النشطة والمناوئة لها. فقد أعطى راسم السياسة السعودي، حينها، جُلَّ اهتمامه للشأن الداخلي، الذي بات ينذر بإشكالات خطيرة؛ أسرياً وشعبياً، تاركاً السياسة الخارجية تتخبَّط؛ يمنة ويسرة، وقد أصاب الملل والعجز شخص الأمير سعود الفيصل، في الوقت الذي عاشت فيه (السياسة الخارجية السعودية الهَرِمَة، أيضا) حالة من الارتباك بسبب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية في 2001 م، وقد بدأت أصابع الاتهام الأمريكية تشير إلى وقوف السعودية وإرهابييها خلف تلك الجريمة العالمية، التي هزَّت العالم وغيَّرت مساره، إلى الأبد!
فكان أن لجأت السعودية، كعادتها الأصيلة، إلى التخطيط والتمويل لانقلاب عسكري ضد أمير قطر في فبراير/ 1996 م، لكن انقلابها باء بالفشل، الأمر الذي زاد النظام القطري ثقة بنفسه وثباتاً على موقفه وتنبُّهاً لما يدور حوله، وزاده إصراراً على مواجهة ومحاصرة السياسة السعودية العتيقة والمملولة!؟
وفي عام 2011 م كان الصراع بين الدولتين قد تقارب أداؤه وباتت السياسة القطرية تناطح غريمتها السعودية في أماكن عِدَّة؛ صراعاً من أجل الهيمنة في المنطقة، وقد بلغ الصراع ذروته، عندما ساندت قطر الشعوب الثائرة، وقد طفح كيلها فنزلت إلى الشوارع والساحات تطالب بإسقاط الأنظمة الفاشلة المستبدَّة فيما عُرف بثورات الربيع العربي!
في حين وقفت السعودية، كعادتها، هي ومن معها، إلى جانب تلك الأنظمة الديكتاتورية التعيسة، فكانت النتيجة أن اتضح للشارع العربي، الذي كان يجهل الكثير عن عمالة حكامه، كما اتضح للعالم بأسره، كيف أن النظام السعودي هو الآمر الناهي في المنطقة، وأن حرمان شعوبها من نعيم الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، تقف خلفه السعودية وعملاؤها الحكام!
لكنَّ السعودية ومن معها في مثلث الشر العربي لم ترفع الراية البيضاء أمام تحدِّي وتفوق السياسة القطرية، وإنما ظلَّت تقاوم، باستماتة، للبقاء!
ففي 5 مارس 2014 م أعلنت كلٌّ من السعودية والإمارات والبحرين بياناً مشتركاً أكَّدت فيه سحب سفرائها من قطر، ( على قاعدة آخر الدواء الكَيُّ)، مبررة ذلك بعدم وفاء قطر بالتزاماتها في الاتفاقية الأمنية لمجلس التعاون الخليحي، الموقعة في 2013. وهو اتفاق، وإن بدا من صياغته اللغوية متحذلقاً، متدثِّراً بدعاوى الإرهاب إلَّا أنه يهدف إلى فرملة السياسة الخارجية لقطر أولاً وثانيا!
لكن قطر كانت الأذكى، إذ لم تسحب سفراءها من تلك الدول، تاركة العالم يَحكُم بنفسه على من هو الأحمق والأضعف! ولم تُعِد تلك الدول سفراءها إلا في 2014 م.
تواصلت الخلافات بين قطر و السعودية، كالعادة بسبب إصرار قيادة قطر على السير وفق سياستها الجديدة. وفي 5 يونيو 2017 قرَّرت السعودية اتخاذ خطوات عقابية أقسى ضد قطر، فقطعت، ومعها تابعوها؛ الإمارات والبحرين ومصر، كافة علاقاتها الدبلوماسية، وكان المبرِّر، كما قالوا هو (احتضان قطر لمختلف الجماعات الإرهابية والطائفية، التي تهدف لزعزعة أمن واستقرار المنطقة )! والحقيقة هي أنه بسبب معارض سعودي ظهر يتحدَّث على قناة الجزيرة!
وفي 19 يونيو أغلقت اللَّجنة الرباعية، بقيادة السعودية، مجالها الجوي ومياهها الإقليمية وحدودها البرية أمام قطر، وزات السعودية أن علَّقت مشاركة قطر في التحالف العربي في اليمن، فاتحة بذاك مجال اتهام القوات القطرية بالخيانة.
إنها مقاطعة فحصار، وإنه سباق بين الدولتين على النفوذ!
وفي محاولة لإنقاذ مجلس التعاون الموشك على الانهيار، والذي استغلَّته أطماع التوسع والهيمنة السعودية أسوأ استغلال، طيلة سنوات عمره، وتحت إلحاح الوساطات المتعددة لفك الحصار، اشترطت الدول الأربع على قطر 13 نقطة، وبالغت فيها، على سبيل التَّعنُّت ومواصلة الحصار، فكان أن وصفتها قطر بالشروط التعجيزية وغير المنطقية ، وقالت : إنها مجرَّد مسوٍّغات لثَنْي قطر عن سياستها الخارجية وسلبها قرارها الوطني.
من خلال الحقائق السابقة التي اعترت علاقة السعودية بقطر، فلا بد من طرد الكثير من التساؤلات :
لماذا الآن وقبيل مغادرة ترمب منصبه، أرسل صهره ـ كبير مستشاريه ـ إلى السعودية وقطر للتوسُّط في حل الأزمة الخليجية؟
هل عجزت أمريكا، بكل ثقلها ومكانتها لدى الطرفين، عن حل الأزمة طيلة السنوات الثلاث من عمر الأزمة أم أن وراء الأكمة ماوراءها؟
لقد أدلى كثير من الكتاب بدِلاهم للإجابة على السؤال، لكن الذي لفت انتباهنا، بشدة، هو ما لمَّح إليه كاتب قطري، بدا من كلامه أنه مقرَّب من حاكمها، إذ قال مامعناه إن ترمب هو من أحدث الأزمة وهو من افتعل الحصار، بدليل أن الأمريكيين لم يكونوا متحمسين للحل طيلة السنوات الثلاث.
هذه واحدة.. وزاد على ذلك أن قال وبالنَّص: (سيغادر الجميع البيت الأبيض، وستبقى القضايا الدولية الكبرى كما هي، وسيربح كلُّ من حاربه ترمب، وسيبقى الحل الخليجي خليجيا)!
من خلال ما سبق ” أهكذا يفعل تلاقي الثراء بالجهل؟! وما حكاية تبادل الاتهامات بالإرهاب : فإذا كان تنظيم الدولة الإسلامية هو ـ بالفعل ـ الجناح العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين، فمن المعقول،جداً، أن تكون قطر قد دعمته بالمال والسلاح، عملاً بمقتضيات التحالف بين الطرفين، وذلك ما أحدث موقفاً ما لإدارة ترمب تجاه قطر!
أمَّا تنظيم القاعدة فهو منتج سعودي خالص، لن ينازعها فيه أحدٌ من العالمين، ولاخلاف حوله، بدليل قانون(جاستا) الأمريكي الذي يحمِّل السعودية مسؤولية وتبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2002م.
المصدر: البوابة الإخبارية اليمنية
خليك معنا