الصباح اليمني_مساحة حرة|
قد يجهل كثيرون أن النظام اليمني السابق كان قد بنى جسوراً نحو العلاقة مع “إسرائيل”، لكنها لم تصل إلى حيث أراد الطرفان، بسبب ظروف متعددة، أبرزها الرفض الشعبي الكبير، الذي كان الهاجس الأبرز للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، ثم الأحداث التي توالت منذ مطلع الألفية الثالثة وانتهت بإسقاط النظام.
أما السبب الرئيس للعلاقة، فكان البحث عما يُرضي الإدارة الأميركية، ويلفت نظرها إلى إمكانية أن يؤدي صالح دوراً محورياً في المنطقة.
كان معروفاً، ولا يزال، أن الشارع اليمني ينتمي إلى القضية الفلسطينية، وسبق أن قدّم الشهداء في سبيلها. ولهذا السبب، اتجه نظام صالح إلى مدّ جسور العلاقة عبر طرق ملتوية، أبرزها الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية. وقد جاءت العلاقة مع هذه الجالية من بعض اليهود ذوي الأصول اليمنية.
لا يمكن تحديد تاريخ تلك العلاقة، إلا أنها كانت قائمة بعد العام 1995م، حين احتلت أريتريا، بتحريض ودعم إسرائيلي، جزيرة حنيش اليمنية في البحر الأحمر، قبل أن تعيدها بتحكيم دولي.
عقب تلك الحادثة، رأى صالح أنّ عليه إبراز موقف ليّن مع تل أبيب، وإيصال رسائل ودّية بأنه لن يكون في الضفة المقابلة. اعتمد صالح طوال فترة حكمه لعبة التمويه بالكلام المعسول عن فلسطين في العلن، وعقد الصفقات من تحت الطاولة، وهذا حال أغلب الزعماء العرب.
أبرز لقاء عقده صالح كان مع رؤساء الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة في العام 2000م خلال رئاسة بيل كلينتون. علِمَ البعض حينها بعقد ذلك الاجتماع، إلا أن تفاصيله بقيت غامضة، إلى أن كشفت السلطات في صنعاء مطلع العام 2019م عن المحضر الرسمي لذلك اللقاء، وقد أنتجت فيلماً وثائقياً حول تلك الحادثة وغيرها.
كان واضحاً أنّ علي عبدالله صالح سعى إلى توطيد العلاقة مع اللوبي اليهودي، ليقرّبه خطوات باتجاه الإدارة والمؤسسات الأميركية، عارضاً لهم بعض الخدمات، بالتقريب بينهم وبين الرئيسين حافظ الأسد وصدام حسين، بالنظر إلى العلاقة التي تربطه بالرجلين، وكذلك بالعمل للإفراج عن 13 يهودياً تم اعتقالهم في إيران بتهمة التجسّس.
تلك الاجتماعات أنتجت حضوراً لبعض عناصر اللوبي اليهودي في صنعاء، إما من خلال العمل في السفارة الأميركية وإما بواسطة الاستثمارات الأجنبية وبعض المنظمات.
ثمة محضر آخر تم الكشف عنه خلال لقاء جمع صالح ببوش الابن في العام 2007م في البيت الأبيض. جزء من الحديث دار حول فلسطين، وأعلن صالح الاستعداد للتطبيع مع “إسرائيل” ضمن “مبادرة السلام العربية” التي أطلقتها السعودية، واعتبر أن تنفيذها سيخمد ما نسبته 70% من بؤر الصراع، وسيتم احتضان الدولة السورية وحركات المقاومة، كما أنها ستقطع الطريق أمام إيران.
مع المسارعة نحو واشنطن، فإنَّ الأخيرة كانت قد جعلت اليمن ضمن دائرة استهدافها، من خلال مسرحية تفجير المدمرة “يو. إس. إس. كول” في خليج عدن في العام 2000م، والتي هيأت لفرض تواجد أمني أميركي، قبل أن يتطوّر إلى تواجد عسكري عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001م.
حينها، أعلن علي عبدالله صالح الانخراط ضمن مشروع محاربة الإرهاب الذي أطلقه بوش. وقد وصلت العلاقة إلى تسليم قاعدة “العند” الجوية، جنوب اليمن، للمارينز الأميركي، إلى جانب تعزيز الحضور العسكري في شيراتون، إلى جوار السفارة الأميركية في صنعاء.
سرعان ما تُرجم ذلك التواجد باستباحة الطيران الأميركي للأجواء اليمنية، وتنفيذ ضربات عدة، ثم بالحرب التي استمرت 6 أعوام ضد حركة أنصار الله في صعدة.
وفي تلك السنوات، كان صالح قد سمح بتدمير الدفاعات الجوية اليمنية بإشراف ضباط أميركيين. وقد كشفت الأجهزة الأمنية في صنعاء مطلع العام الجاري جانباً من مشاهد التدمير.
تعثّرت مساعي صالح باندلاع “الربيع العربي” وسقوط نظامه، لكن إعادة إنتاج النظام برعاية سعودية ضمن “المبادرة الخليجية”، فتح الباب على مصراعيه أمام واشنطن، التي سارعت إلى محاولة تدمير الجيش اليمني وتعطيل القدرات الباليستية تحت مبرر “إعادة هيكلة القوات المسلّحة”.
اصطدم المسار الأميركي بانتصار ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014م بقيادة “أنصار الله”، والتي أعلنت توجّهها نحو دعم المقاومة الفلسطينية ومناهضة الهيمنة الأميركية في المنطقة.
من الوهلة الأولى، أبدى نتنياهو مخاوفه من صعود “أنصار الله” إلى السلطة، وتمحورت تلك المخاوف حول الوصول إلى باب المندب، وتلتها تصريحات ومواقف تتجدد بين الحين والآخر.
في ظلّ العدوان على اليمن، قال صالح في مقابلة مع قناة الميادين في العام 2015م وهو لا يزال حليفاً لـ”أنصار الله”، قبل أن ينقلب عليهم: “إن الحل لمعالجة أزمات الدول العربية هو التطبيع مع إسرائيل”. كان هذا التصريح ناتجاً من قناعة تشكّلت خلال فترة حكمه، ودليلاً على عدم حرجه من إظهار موقفه إزاء التطبيع، رغم خروجه من السلطة.
ما بعد صالح، وَضَع عبد ربه منصور هادي بيضة كاملة في سلة السعودية، التي دفعت به نحو التقارب مع “إسرائيل”، كما هو الحال مع البحرين. تجلّى ذلك في مشاركة وزير خارجية هادي السابق، خالد اليماني، في مؤتمر وارسو التطبيعي في العام 2019م، وجلوسه إلى جوار نتنياهو.
لا يتم التعويل من قبل واشنطن وتل أبيب على أي تقارب، سواء مع حكومة هادي أو المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، ما دامت اليد العليا لـ”أنصار الله” وحلفائهم.
سبق أن أعلن السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي استعداده لإرسال آلاف المقاتلين لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيلي.
هذا الموقف أتى تعبيراً عن حالة شعبية تحضُرُ في الساحات بمسيرات مليونية حين يتعلق الأمر بفلسطين. وصنعاء، رغم استمرار العدوان والحصار، تعلن اليوم من دون أي مواربة حضورها ضمن محور المقاومة الممتد من طهران حتى القدس.
*الآراء والمصطلحات السياسية لا تعبر بالضرورة عن السياسة التحريرية للموقع.
خليك معنا