الصباح اليمني_مساحة حرة|
من كان يتصور أن بعض اليمنيين الحفاة والمحاصرين سيدفنون مشروع هيمنة سعودية في الوطن العربي كان كالحصان الجامح وبدايته كانت الانتصار في حرب اليمن.كانت الثقة بالنصر مطلقة. أساءت السعودية التقدير واستعجلت الحصاد عندما قال قائل منها بعد أسبوعين على عاصفة تدمير اليمن أنها ستدك صنعاء حجرا فوق حجر.
هذه العنجهية ساحت في جبال وسهول اليمن.ولم تكن هذه النتيجة المرة في حسبان المعتدِي والمعتدَى عليه.ولكنها الإرادة وقوةالحق.انتصارالسعودية عبودية طويلة المدى لليمن وللخليج كله لجار لم يسلك يوما ما نحوهم سياسة تطمئنهم إلى أنه يقيم لمصالحهم ولسيادتهم ولوحداتهم الترابية الوزن الواجب. وليس لدي أدنى شك في أن إفشال مشروع الهيمنة السعودية هومحل تقديرالشعوب العربية الصامتة من المحيط إلى الخليج. أما الشعب السعودي فإنه لايعرف لماذا تحارب حكومته جارا لم يعتد عليه ولم يطلق تجاه حدودهاطلقة نار واحدة قبل 26 مارس 2015 ولم يشكل تهديدا لها بل يقول دائما أنه جاهز لحماية السعودية من أي عدوان.
نزعة الهيمنة السعودية ليست سرا ففي عام 1979 قال السفير الفرنسي بصنعاء أن اليمن وفرنسا تشتركان في حرصهما على استقلالهما وفي القاهرة وصف السفير الالماني السابق السيد برند اربل الذي عمل في شبابه بصنعاء الشعب اليمني بأنه شعب يعتز بكرامته، وفي ابريل 2013 قال الخبير الدستوري الفرنسي السيد فرانسوا فريزو – روش في صنعاء بأن “السعوديين عندهم شهية لأكل الأراضي اليمنية” وكرر الباحث الفرنسي في شؤن اليمن السيد لوراه بونفوا القول في مؤلفاته بأن السعودية تريد سعودة اليمن عبرالسلفيين وواحد مننا قال أن اليمن لايمكن أن تكون سعيدة وسعودية في نفس الوقت وغيرهؤلاء كثير. لم تستوعب السعودية منذ إنشائها حقيقة أن اليمنيين عصيين على التطويع حتى ولوشذ نفر منهم وزار اللجنة الخاصة في الرياض وسُجّلوا في كشوفاتها المالية أوتحولت قلة شاذة من الحداثيين إلى مؤيدي السياستين السعودية والامريكية في المنطقة ويرون أن أعداء الدولتين هم أعداء لهم .هؤلاء هم متفرجون في مباراة كرة قدم سياسية للّاعِبين السعودي والإماراتي في ملعب يغط صاحبه في نوم عميق بالرياض.
ومن عجب أنه لايكل ولايمل من ترديد الشكر.السعودية في حربها تنتهك بشكل صارخ القرار الأممي 2216وقد خلقت فراغا في السلطة التي تحارب لاستعادتها سعيا للهيمنة على اليمن الاستراتيجية وهي مطمئنة إلى أن السلطة الأسيرة لديها لن تجرؤ حتى على التأتأة. الوضع الشاذ الحالي صناعة سعودية وهدفه شرعنة هيمنة طويلة المدى على دولة قد تستمر موحدة ولكن سينقص منها الجزء الذي سيربط آبار بترولها ببحر العرب الذي سيصبح مستعمرة لها ولاسيادة لليمن عليه.يحدث هذا والسلطة المعترف بها دوليا لاتحرك ساكنا ومعها حلفاؤها من النخب الحداثية والتقليدية التي تقيم مع حكومة المنفى في الرياض ويضمها تحالف مشبوه يسمى ب”تحالف الأحزاب والقوى الوطنية”.
هذه النخب لاتخجل من خدمة أكثر النظم السياسية العربية رجعية وترتكب خيانة وطنية إما بالصمت أوبالتواطئ.السعودية قال عنها في 13 مايو السيد فرانك جاردنرالكاتب في الشؤن الأمنية في هيئة الإذاعة البريطانية ماكانت تقوله هذه النخب حتى الأمس القريب. ” لقد تعاظم القمع في السعودية ولايجرؤ أحد أن يتساءل عن سياسات محمد بن سلمان لأنه يخاطر باعتقاله وسجنه وتهمته بأنه يهدد الأمن الوطني.إن قطع الرؤوس لم يتوقف ولايزال هذا البلد من أكثر الدول انتقادا من قبل منظمات حقوق الإنسان وحلفاؤه ينظرون إليه كشريك محير وأحيانا مسببا للإحراج. هناك مناخ من الخوف ولايجروء أحد على النقد خوف الاعتقال”.
أكيد أنكم أيها المقاومون غيابيا تشعرون بذلك ولكنكم لاتجرأون حتى على الهمس مع أقرب الناس إليكم. وباختصار هل تظنون أن السعودية تريد لليمن نظاما أفضل من نظامها؟. اليوم أمامكم خيارالعودة لتكونوا مع شعبكم وفي وطنكم لتقاوموا ماتعتبرونه انقلابا حوثيا . أما ما كتبه جاردنرعن ورطة السعودية في اليمن ودعم امريكا وبريطانيا لها ومسؤلية الثلاثي عن الجزء الأكبر من معاناة اليمنيين فلا جديد فيه وهو تأكيد للمؤكد.
أليس من حق اليمنيين أن يفخروابأنهم نيابة عن العرب أنقذوهم من مشروع الهيمنة السعودية على المنطقة لخدمة تحالف استراتيجي مع امريكا وضع أسسه روزفلت وعبد العزيز عام 1946 ولم يخدم أي قضية عربية بل كان ولايزال وباء ووبالا على العرب.حذر كتاب وليس دول ، السعودية من مقبرة اليمن لأن لادولة أرادت تقديم النصح ل”الأخ الكبير” الذي أفرغ اليمنيون بالونته من هوائها وسيحررونه من أهوائه وسيقبرون طموحاته غير المشروعة في اليمن والوطن العربي إلى الأبد. قد تصبح السعودية قوة اقتصادية وهذا هو قدرها وحده لكن أن تلعب دورا سياسيا وقوميا أو حتى إسلاميا فاقرأوا الفاتحة على هكذا طموح والفضل لليمنيين. لماذا لأنه لايمكن الجمع بين قيادة الأمتين العربية والإسلامية وبين التبعية لامريكا التي تتأكد بإحجام السعودية عن توظيف تحالفها الاستراتيجي معها لصالح القضايا العربية ولو كانت قضية فلسطين وهي اليوم في أحرج أوضاعها من همومها لما تجرأ ترامب على نقل سفارته إلى القدس ثم تبنيه لضم ثلث الضفة إلى الكيان الغاصب.
القيادة تعني تبني مشروع نهضوي عربي ليس صديقا للهيمنة الأجنبية.القيادة موقف.القيادة فعل.والقيادة تضحية.السعودية تضخمت بدون أن تحسب حسابا دقيقا لقدراتها وأنها ليست أكثر من بنك كما أنها لم تحسب حسابها لحساسيات من هم أجدر منها بقيادة المنطقة. في 20 مايو 2017، اليوم الذي كان فيه ترامب مع 55 من القادة العرب والمسلمين في الرياض قال المتحدث السعودي فهيم في نشرة الثانية والنصف لإذاعة القاهرة أن “الرياض الآن هي البوصلة وبوصلة العالم وأن السعودية أتاحت للرؤساء العرب والمسلمين فرصة الجلوس مع الرئيس الامريكي”. الجلوس مع ترامب أصبح غاية. وفي نشرة الثامنة والنصف مساء تجاهلت إذاعة القاهرة كليا وقائع زيارة ترامب للسعودية ووجهت اهتمام المستمعين إلى كلمة الرئيس السيسي في القمة عن رؤية مصر 20- 30ولقائه برئيسي طاجيكستان وبوركينافاسو. وفي تلك الغُمة لم يسمع ترامب من المُضيف مايَكره .. “فلسطين”.
واستعجلت السعودية المزهوة بالزيارة برفع شعار” العزم يجمعنا Together we prevail ” أي أن الشمل العربي – الامريكي – المسلم الذي طالما فرقه “الأعداء” قد اجتمع بإذن الله بقيادة امريكية لأن امريكا تاريخيا لا تقبل، بتعبير الرئيس رونالد ريجان، أن تكون الثانية Second – to- none. كان يجب توظيف انعقاد تلك القمة الفريدة من نوعها لإعطاء ترامب دروس في تاريخ فلسطين وحقوق الإنسان وتاريخ الثورة الامريكية المسلحة ضد الاستعمار البريطاني والدستور الامريكي ،كما فعل عظيم العرب جمال عبد الناصر في مراسلاته مع الرئيس الامريكي جون كنيدي عندما ذكًّره بجوهر قضية فلسطين وحفرفي ذاكرتنا ولأجيال قادمة عبارته الخالدة عن وعد بلفور “وعد ممن لايملك لمن لايستحق”. بدأت قيادة عبد الناصر برفضه للأحلاف العسكرية واليوم نسمع عن “ناتو عربي”! لايجد أي ممانعة عربية.عام 2017 صادف الذكرى المئوية ،التي لن ولن تتكرر، لوعد بلفور وكان ينبغي تذكير ترامب به ولو كانت السعودية كدولة مضيفة تعي ماهي مقومات القيادة لما صمتت. بعد الغُمة وقعت السعودية صفقة تسليح لاتحتاجها ب460 مليار دولار لجيش لم يُعَد مطلقا للحرب.
شنت السعودية حربها علينا لأنها لاتريد أن يكون لليمن الفقير جيشا أفضل من جيشها ومن وسواس لدى الملك عبد الله انتقلت إلى مشروع ثلاثي يشبه تحالف عدوان السويس عام 1956 إعدادا وتخطيطا وتحديد أهداف. وظف الحلف الثلاثي معلومات قدمها فريق عسكري أردني عن مخابئ ونوعية السلاح اليمني شارك في إعادة هيكلة الجيش اليمني بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صالح تنفيذا للمبادرة الخليجية المسمومة.وكان “جحيم صنعاء” من صنع أردني أيضا. الجيش السعودي برزت عدم كفاءته في استعراض عسكري في حفر الباطن قبل سنوات طويلة عندما فشل الجنود السعوديون بضبط خطواتهم التي هي من بديهيات فرق الكشافة وكان من حضورذلك الاستعراض الرئيس صالح. وهذا الجيش هو الذي يدافع عن الدين والوطن بحسب خطباء الحرمين الشريفين وغيرهما. إن انتصار اليمن سينقذ السعوديين من طغيان محمد بن سلمان أيضا.
*كاتب يمني
نقلاً عن صحيفة رأي اليوم.
خليك معنا