الصباح اليمني_مساحة حرة|
يقول المتفائلون إنَّ السلام يمنع الحروب، لأن من لسعته نار الحرب وذاق مرّ ويلاتها ودمارها وكوارثها ومآسيها المتعدّدة على جميع الصعد، يحرص على ألا يضع قدمه في نارها المستعرة للمرة الثانية، لكنني أعتقد أن الحروب هي من تصنع السلام ـ وليس العكس وفي الكثير من الأوقات، قد تكون الحرب رسولاً للسلام في المستقبل.
وبحسب المقولة المنسوبة إلى الفيلسوف أرسطو، إن غاية الحرب هي الوصول إلى السلام. ومن هنا جاء المثل اللاتيني، إذا أردت السلام فتأهّب للحرب. ولنا في التاريخ الكثير من العبر والمواعظ، أقربها السلام الذي ساد بين من شارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
بالنسبة إلى العدوان السعودي الأميركي على اليمن، الذي انطلق مساء 26 آذار/مارس 2015م بالإعلان عنه من واشنطن بواسطة عادل الجبير سفير المملكة حينها، أعتقد أنّ أول بادرة سلام جاءت بعد تحفّظ القيادة الثورية في اليمن على الردّ على العدوان طوال 40 يوماً من بدئه، وكان رأي السيّد عبدالملك الحوثي أن هذه الفترة كافية كي تراجع السعودية حساباتها، وتتأكّد أن صنعاء لا تضمر شراً للرياض، وعلى الأخيرة أن تعي ذلك، لكن السعودية قرأت الرسالة بالمقلوب والأصحّ أنها لم تقرأها أصلاً، لأنَّها لم تكن سوى أداة أو قفّاز استخدمته الولايات المتحدة لتحقيق عدوانها، ولا تمتلك الأداة خياراً سوى تنفيذ ما يُطلب منها.
بعد ذلك، كانت صنعاء تطرح مبادرات السلام، منها المبادرات المتعدّدة التي كان يطرحها رئيس اللجنة الثورية سابقاً ـ وعضو المجلس السياسي الأعلى حالياً ـ محمّد علي الحوثي، وكذلك المبادرة التي أطلقها مهدي المشاط ـ رئيس المجلس السياسي الأعلى ـ في 21 أيلول/سبتمبر 2019م، وآخرها مبادرة القوى الوطنية المشاركة في حكومة الإنقاذ عن الرؤية الوطنية للسلام الشامل في اليمن، والتي سلّمتها إلى مبعوث الأمم المتحدة، مارتن جريفيث، قبل أيام من إعلان تحالف العدوان كذبة الهدنة من طرفٍ واحدٍ مساء الخميس 9 نيسان/أبريل الحالي.
كل تلك المبادرات أعطت تحالف العدوان السعودي الأميركي انطباعاً خاطئاً عن الحال المعنوية والسياسية والعسكرية والاقتصادية التي يعيشها الجيش واللجان الشعبية وحكومة الإنقاذ في صنعاء، وفحواه: إن المبادرات تنمّ عن الضعف المادي والمعنوي الذي يعيشه من قدّمها.
كانت قراءة دول التحالف لتلك المبادرات ودلالاتها خاطئة، وقوّلتها ما لم تقل، وحاولت من خلال تلك القراءة أن تكتشف نقاط ضعف الجيش واللجان وحكومة صنعاء، وتبني عليها، بأن تطلب في كلّ مبادرة قادمة المزيد من التنازلات.
وفي الأخير، سوف تكتشف صنعاء، إذا ما قدّمت مبادرة مستقبلية للسلام، أنها تقدّم وجهة نظر التحالف للاستسلام الذي تريده واشنطن، وليس السلام الذي تريده صنعاء، وبذلك يحقّق التحالف في ميدان القراءة ـ من خلال تأويل النصوص السياسية عبر المفاوضات ـ ما عجزت عنه قواته العسكرية طيلة 5 أعوام منصرمة.
والشّيء المهم الذي استفاد التحالف منه في تلك المبادرات، أنه رفع من معنويات جنوده وضبّاطه المنهارة، بفعل الهزائم المتلاحقة التي تلقّوها من الجيش واللجان الشعبية، وزاد من طاقتهم للقتال مجدّداً، لأن التحالف أوهمهم أن صنعاء وقواتها منهارة وتطلب الاستسلام ـ وليس السلام ـ ما دفع تلك القوات إلى القتال، لعلّها تظفر بانتصارٍ وهمي على ورق السياسة، ما أطال من أمد العدوان.
من وجهة نظري الشخصية، تلك المبادرات غير مبرّرة، لا سياسياً، ولا عسكرياً، فالعقل والمنطق يقولان إن المعتدى عليه لا يمتلك سوى الدفاع عن نفسه، حتى يدرأ العدوان وينتصر على عدوّه، وليس له أن يبادر إلى السلام، لأنه ليس المبادر بالعدوان كي يفعل ذلك، ولأن كل مبادرة منه للسلام سوف يفهمها المعتدي بأنها تعني الوصول إلى حافّة الهزيمة، ما يشجّعه على عدوانه.
ومن الناحية الدينية، يؤكد القرآن الكريم على المؤمنين به ألا يرضخوا للسلام، إلا إذا طلب العدو ذلك، وجنح له فعلاً لا قولاً، بمعنى أن العدو يرفع يده مستسلماً، كما قال تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكّل على الله إنه هو السميع العليم} (الأنفال: 61).
لقد تعامل تحالف العدوان السعودي مع مبادرات السلام التي قدّمتها صنعاء، كما تعامل العدو الصهيوني المحتل مع مبادرات السلام الدولية حول القضية الفلسطينية في مدريد وأوسلو، والمبادرة العربية التي قدّمها الملك السعودي للقمّة العربية التي عُقدت في بيروت في العام 2002م، فبينما كانت المبادرات تتحدّث عن عودة الأرض الفلسطينية المحتلّة العام 67م مقابل السلام والتطبيع مع العدو الصهيوني، أصبح الكيان الغاصب يطالب بالسلام مقابل السلام فقط، عندما أدرك أن السلطة الفلسطينية تخلّت عن شعار المقاومة وتماهت مع وهم السلام.
ما نودّ تأكيده أن العدوان على اليمن هو عدوان أميركي بدأ الإعلان عنه منها، وسوف ينتهي متى ما أدركت أميركا أنه أصبح يشكّل كابوساً بالنسبة إليها، ولن يتأتّى ذلك إلا من خلال استهداف الجيش اليمني واللجان لأهدافٍ حيويةٍ تجبر الأميركي على وقف عدوانه، منها استهداف العدو الصهيوني بالصواريخ البالستية أو الطائرات المسيّرة – التي أثبتت فاعليّتها في ضرب العمق السعودي – أو قطع طرق التجارة في مضيق باب المندب. وما سوى ذلك هو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
أخاف أن تكون مبادرات السَّلام كعب آخيل بالنسبة إلى حكومة الإنقاذ في صنعاء، وهي نقطة الضعف التي ستمكّن تحالف العدوان من جعلها حصان طروادة للوصول إلى مآربه وأهدافه.
*نقلاً عن موقع قناة الميادين.
الكاتب/ عرفات الرميمة:
خليك معنا