الصباح اليمني_مساحة حرة|
إنّ أغنى الدّول العربيّة، بما تمتلك من الذهب الأسود (النفط) والعدد القليل من السكّان، مهدّدة بالإفلاس. إنه تهديد حقيقيّ ومؤشّرات واقعيّة وعلميّة قد تجعل الدول الخليجية الغنية فقيرةً ما لم تُجرِ إصلاحاتٍ حقيقية على أكثر من صعيد.
تعود هذه المؤشرات إلى فترة هبوط أسعار النفط عالمياً بين العامين 2014 و2015، خلال سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من العراق وسوريا. كشفت تلك الأزمة النقاب عن بوادر هذا الخطر في المستقبل، لأنَّ اقتصاد الدول الخليجية ريعيّ يعتمد على النفط حصراً، ولا سيما السعودية والإمارات.
أشار صندوق النقد الدولي مؤخراً إلى تلك الدول، ولفت إلى إفلاس الصندوق السيادي الخاصّ بها بحلول العام 2034، أي بعد 14 عاماً، مقدِماً لها نصائح لتغيير سياساتها المالية وحجم إنفاقها والقيام بإصلاحات اقتصاديّة جادة لتجنّب كارثة الفقر التي تهدّدها.
في الواقع، لم يكشف صندوق النّقد الدّولي أمراً جديداً، بل أكَّد مخاوف خبراء الاقتصاد السّابقة وتحذيراتهم من بدء نفاد النّفط والغاز وتراجع إيراداتهما، في ظل هبوط الأسعار في السوق العالمية منذ سنوات، في حين أنَّ السّعودية والإمارات، أبرز الدول الخليجية، تخصصان موازنات ضخمة لشراء الأسلحة وشنّ الحروب بالوكالة في أكثر من بلد عربي، وتنفقان بصورة غير مدروسة على وسائل الترف، وفي الوقت ذاته، تشهدان استفحالاً في الفساد الإداري والمالي، وهي سياسات لا تتماشى ومؤشر الإصلاحات.
أخذت الدول الخليجية تلك المخاوف بعين الاعتبار، وخصوصاً السعودية. وعلى هذا الأساس، أعلن ولي العهد محمد بن سلمان، عن رؤية المملكة للعام 2030 في شهر نيسان/أبريل 2016، وهي خطَّته لمرحلة ما بعد النفط، وتتكوّن من مجموعة مشاريع عملاقة بمليارات الدولارات، تُعدُ مصادر متنوعة للدّخل، وتعود بالنفع إلى موازنة الدولة من دون الاعتماد على النفط كمصدر رئيس.
على صعيد آخر، انعكست سياسة إبن سلمان المالية الجديدة في ارتفاع الأسعار وفرض الضرائب ومحاولة فرض رسوم عالية على وجود الأجانب في السعودية. هذه الإجراءات تندرج ضمن الإصلاحات الاقتصادية من وجهة نظر الدولة، لكنَّ الواقع مختلف تماماً.
أولاً، إنَّ رؤية العام 2030 هي خطّة تحتمل النجاح والفشل. وما يُقدِّمُ تصوّراً على آخر هو الطّريقة التي تدار بها الدولة في الوقت الحالي، وخصوصاً من قبل ولي العهد، فالمملكة السعودية خسرت مليارات الدولارات في السنوات الأخيرة، نتيجة سياسة اقتصادية متسرعة لا تمتلك الرؤية الواقعية في عالم الاقتصاد.
تبدأ خسارات المملكة على أكثر من صعيد من سياسة رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب معها، بحصوله على المليارات من دون مقابل ملموس، تحت مُسمى توفير الحماية لها، ولا تنتهي عند الصّفقات التجارية الخاسرة والمتسرعة!
أبرز تلك الصفقات تتمثّل في بيع المملكة أسهمها في شركة “تسلا” العالمية للسيارات بخسارة مدوية، وإعلان مدير مجموعة “سوفت بنك” اليابانية ماسايوشي سون في العام 2018 عن كيفية إقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باستثمار 45 مليار يورو في صندوق الرؤية للاستشمارvision fund) )، ليفجّر بذلك صدمةً للجميع، عندما قال إنَّ ذلك الحدث الكبير احتاج إلى 45 دقيقة فقط لإقناعه.
ثانياً، توجّه المملكة إلى فرض الضرائب وعدم مكافحة الفساد المالي بصورة جدية، في وقت ما زالت السعودية تشتري الأسلحة بأثمان باهظة من الولايات المتحدة، وتستمر في الحرب على جارتها اليمن، وهي حرب استنزفت أموالها إلى حدّ كبير.
إنَّ إنفاق السعودية في حرب اليمن لا يقف عند دفع مبالغ كبيرة لأميركا مقابل الأسلحة، بل الإنفاق على حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وشراء الذّمم في اليمن، ودفع مبالغ كبيرة للمنظمات العالمية لشطب أيّ إدانات للسعودية نتيجة المجازر والحالة الإنسانية المتردية، ناهيك بالحرب على سوريا التي خسرت فيها مبالغ كبيرة من موازنتها من دون أدنى فائدة، وما فعلته في العراق ولبنان ومصر، ليكون لها تأثير سياسيّ داخل تلك البلدان، إضافةً إلى السّودان والحرب الدائرة في ليبيا.
لنتخيَّل كم تكلّف هذه الملفات الموازنة السعودية من دون جدوى! فكيف إذا ما تحدَّثنا عن الأزمة الخليجية المستمرة، والمبالغ التي خسرتها السعودية والإمارات، وقطر أيضاً، بسببها!
لا تختلف الإمارات عن السعودية كثيراً في سياستها وتوجّهها في السياسة وإيجاد مصادر متنوعة للدّخل، وربما توجّهها نحو الاستثمار في الصناعات الفضائيَّة. يدلّ ذلك على أخذ الإمارات المخاوف من نفاد النفط وتراجعه خلال العقد الآتي على محمل من الجدّ، لكنَّ الإمارات شريكة للسعودية في جميع الملفات السابقة، وهي تنفق المليارات أيضاً من دون جدوى واضحة أو فائدة تعود على الدولة.
أثناء الحديث عن السعودية والإمارات بالدرجة الأولى، وعن الدول الخليجية الستّ، يجب أن نقف على الإرادة والإمكانيّة، إن وجدت، لإجراء إصلاحات حقيقية في أنظمة الحكم، وتعديل السلوك المتّبع في الإنفاق، واستثمار الأموال المهدورة في الحروب الخارجية بالوكالة على رفاهية المجتمع، ليس من خلال شراء الولاءات، بل من خلال مشاريع متنوعة تعتمد على القطاع الخاصّ أو تقوم على الشراكة مع القطاع العام.
كما أنّ الاقتصادات التي تُبنى على مصادر متنوّعة للدخل، يجب أن تتبعها سياسة خارجية متزنة مع أغلب الدول. وهنا لا نرى أنّ السعودية والإمارات تسيران في هذا الطّريق، فالعواصم التي تعاديها الرياض وأبو ظبي في المنطقة أكثر من العواصم التي تناصرها بكثير، وهي مشكلة حقيقية ستزيد المأساة في المستقبل. وعلى الشَّعبين السّعودي والإماراتيّ أن يدركا جيّداً خطورة الأزمة القادمة.
في الختام، ثمة أسئلة أريد طرحها على من يقرأ هذا المقال: ما كانت مصلحة السعودية والإمارات في تمويل الحرب على سوريا؟ وأين المصلحة الآن في استمرار الحرب على اليمن؟ وما جدوى تغذية الصراع في ليبيا؟ ولماذا تتبرّع السعودية والإمارات لتمويل غالبية متطلّبات “صفقة القرن” المالية؟ وما حاجة السّعودية، مثلاً، إلى كل الأسلحة الَّتي تشتريها؟ ولماذا تدفع لترامب، مرغمةً، مئات المليارات من الدولارات مقابل حمايةٍ وهمية، في ظلِّ استهداف منشآت حيوية في السعودية قبل فترة؟
خليك معنا