الصباح اليمني_مساحة حرة|
بصرف النظر عن الرسوم الجمركية الهائلة التي تستخدم كمخلب قط لعرقلة فوران الصادرات الصينية الرخيصة حول العالم، إلا أن الأسبقية الرقمية والتكنولوجية تعد العنصر الأكثر إثارة وتشويقاً في الصراع الراهن بين الغرب الليبرالي المتحالف مع الولايات المتحدة زعيمة الرأسمالية العالمية، والصين الاشتراكية، في صراع لا يخلو بطبيعة الحال من نزال أيدلوجي مكتوم.
لا تزال بعض الدول الغربية تناقش ما إذا كانت ستسمح لعملاق التكنولوجيا الصيني هواوي بتوفير المعدات اللازمة لشبكات الجيل الخامس الجديدة التي ستدعم البنية التحتية الوطنية الحيوية، فالولايات المتحدة وأستراليا رفضتا بصرامة السماح لهواوي بالعمل داخل سوقيهما، فيما لا تزال بقية المنظومة الغربية المتحالفة مع واشنطن تتحسس طريقها، وتتخوف مصالحها في الصين، أحد أبرز شركائها التجاريين.
يمكن أن نلحظ هنا تطورين هامين، الأول هو قرار الحكومة الصينية الأخير بالاستغناء عن برامج وأجهزة الكمبيوتر الأجنبية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وفي حال تطبيق هذه السياسة، فسيؤثر ذلك بصورة كبيرة على عملاقة التكنولوجيا الأمريكية مثل “مايكروسوفت”، و”إتش بي”، و”ديل”، وستكون ضربة قوية للشركات الأجنبية العاملة في الصين والتي تحقق إيرادات سنوية تقدر بنحو 150 مليار دولار، وبهذا التطور الذي يفوق الخيال، يمكن القول بأن بكين تعكف حالياً على تمزيق دفاتر التكنولوجيا الأجنبية القديمة، وتتمرد على فكرة السماح للغرباء بلعب دور في بناء اتصالات الجيل المقبل في بلد المليار نسمة ويزيد.
أما التطور الثاني، فهو اعتزام مجموعة هواوي تصنيع مكوّنات معدّاتها في بلد أوروبي لم يتحدد بعد، حيث تجري الشركة الصينية، التي باعت العام الماضي أكثر من مئتي مليون هاتف محمول في شتى أنحاء العالم، دراسة جدوى في الوقت الراهن، وبناءً على هذه الدراسة ستختار الشركة البلد الأوروبي المناسب لإقامة مصنعها، هذا يعني أن الدولة الصينية لديها بدائل جاهزة للالتفاف على العراقيل الأمريكية.
وفي ظل هذه الظروف، لن تتوانى الصين عن استخدام كل الأدوات المتاحة لسرقة التفوق التكنولوجي في الغرب، سواء بالتجسس المزعوم، والذي قد يكون حقيقي بالفعل، أو بالاستحواذ على شركات التكنولوجيا الغربية وخاصة الألمانية، لتصبح في الوقت المناسب، المزود المهيمن وواضع المعايير في التكنولوجيات الجديدة، خاصة وأن بكين أقرت في حزيران (يونيو) 2017 قانون الاستخبارات الوطني، والذي يتضمن تعريفا هلاميا للاستخبارات مما يفتح الباب لجمع المعلومات بأي شكل من الأشكال، حيث ينص على ضرورة أن تدين الشركات بالولاء النهائي للدولة، وبالتالي، فإن على “هواوي” أن تحمل وزر الشكوك الدولية.
بالطبع، لا يجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأمر سهلا على حلفاؤه، فنهجه المتشدد يفضي بالتأكيد إلى حدوث شقاق مع بكين، كما أن ترهيبه للحلفاء له نتائج عكسية، فتهديده بالانتقام منهم أو التلويح بعدم الحماية الأمريكية لأوروبا إذا لم يسيروا وراء بلاده دعوة مؤكدة للتحدي ومستفزة في آن واحد للأوروبيين.
لكن الاستهانة بترامب ليست سببًا لكي يتجاهل الأوروبيون مصالحهم الخاصة، إذ يتجاوز حجم التجارة اليومية بين الصينين والاتحاد الأوروبي مليار يورو، كما أن دولة مهمة كألمانيا، والتي تعد أكبر اقتصاد أوروبي، تتخوف إجراءات انتقامية إذا حظرت معدات شبكات الجيل الخامس لشركة هواوي، لأنها تتوقع من الصين رد فعل عنيفة، حيث تصبح ملايين السيارات الألمانية المباعة في الصين في كفة، ووجود هواوي في أسواق برلين في الكفة الأخرى.
في هذه اللحظة التاريخية يدرك الأوروبيون تماماً أنهم يقبعون في مجال التكنولوجياً بالمركز الثالث خلف أمريكا والصين، وبالتالي يشعرون بالقلق من أن يتركوا في المؤخرة، إذ تفوقهم واشنطن وبكين في تكنولوجيات مهمة تتعلق بالآلة والذكاء الاصطناعي، وهنا يتشبث الأوروبيون بوجود شركتي “نوكيا” و”إريكسون”، وهما اللاعبين الأوروبيين الوحيدين القادرين على منافسة “هواوي” و”آبل” وسائر العائلة التكنولوجية في واشنطن وبكين، وسيكون من الغريب تماما على أوروبا التخلي عن هذه الميزة المتواضعة عن طريق الاكتفاء بشراء الأجهزة الصينية.
في الوضع الطبيعي، يجب أن تكون المنافسة حافزًا لتحسين الأداء بدلاً من اعتماد سياسة مشاكسة وتمزيق الخصوم، إذ ليس المتنافسون بحاجة لأن يصبحوا أعداء صريحين، أو بعبارة أخرى، إذا أرادت أمريكا والغرب عموماً الفوز بسباق التكنولوجيا، فعليهم أن يقدموا اللعبة الخاصة بهم، والتركيز على تقديم نهج بديل للخصم الصيني، وهنا نتكشف عوار استراتيجية ترامب المفضلة، والتي تركز على إسقاط المنافسين، والتي ستؤدي حتماً إلى تفاقم النزاع التجاري، وهنا يجب أن تكون الرسالة الموجهة إلى الصين مباشرة وواضحة، وهي أن آلية التنافس تكون بإنتاج أفكار أفضل وتكنولوجيات أكثر ذكاءً، وليست بالتنمر واختلاق العراقيل لقصف جبهة الخصم التجاري.
د. خالد رمضان عبد اللطيف
خليك معنا