ثلاثة عشر بنداً، وهو رقم مشؤوم من أولها، انتهت إليه مشاورات القبائل مع البدوان في مدينة المكلا العاصمة (الحالية) لحضرموت، هذا البيان الغاضب والمزمجر لرجال قبائلنا الأشداء أتى مبدوءاً بالنعومة واختتم بنعومة، افتتح بالشكر الجزيل وانتهى بالتقدير الجميل، البدء بالشكر للرئيس المصلوع دونما الإشارة لثمن للاعتراف بشرعيته، وكأنهم منظمة حكومية أو ربما انسلوا من كل حدب وصوب بترتيب حكومي مسير وليس عن حاجة ماسة دفعتهم للقاء ورفع المطالبات. إنه شكر متقدم على مطالب لا يعلم أحد منهم إن كانت ستنفذ أو لا، بل هل سيسمع لها، أو هي سترفع أصلا أم سترمى مع المخلفات بعد رفع الموائد.
وتلا شكرهم للرئيس، التلاهف على التحالف الذي وصفوه بالعربي، فالبيان نص على تقدير دور هذا التحالف، لكنه لم ينص على ذلك الدور، وتركوا الباب موارباً للتخمين، والتفسيرات المفتوحة، كلا بحسب استفادته من ذلك التحالف، أهو في تقديم سلال الغذاء أو صدقات الدعم والمنح، ربما، أو دوره في ملء جيوب بعض من شارك في اللقاء من مشايخ ومقادمة ربما؛ إنما الأدوار بالنيات، ونحن لا نعرف ما دوره في محافظة تخلو من الحوثة المنقلبين؟ وخاصة في الوادي والصحراء التي أكثر البيان من التنويه بها حيث توجد الاغتيالات المريعة وإشكالات الوديعة والمنطقة الذريعة.
وبخبث شديد لا نعرف إن كان مقصوداً أو غير مقصود، شدد البيان على وحدة لحمة أبناء حضرموت، فمن يعني هنا بمصطلح أبناء حضرموت الذي تعقدنا منه، خاصة أن البند المجاور تحدث عن العناصر الإرهابية، وللمجورة أحكام، وهل تحتاج وحدة لحمة الحضارمة إلى تأكيد وهم من دم ولحم واحد؟ هل البيان يقصد وحدة النسيج الاجتماعي أو الجانب الإداري والسياسي؟ لماذا لم ينص على وحدة محافظة حضرموت أو حضرموت كمحافظة واتجه مكرراً كلمة الأبناء؟ وفي حالة توزيع المحافظة إلى محافظتين، هل سيؤثر ذلك على وحدة أبناء حضرموت وهم الذين كانوا تحت كيانين سياسيين منفصلين بينهما جمارك بل ثار بينهما التعارك، ومع ذلك لم يفكك أو يمزق ذلك النسيج؟ لقد كان على التأكيد أن ينصرف إلى وحدة حضرموت كمحافظة لا إلى أبناء المحافظة، الذين هم أقوى من أن يضيرهم مجرد تقسيم إداري إذا حدث في إطار إقليم يحمل اسم بلدهم بمفهومه الكبير.
ثم تجشم المشايخ والمقادمة القادمين عناء التعبير عن تقديرهم لما حققته النخبة الحضرمية من انتصارات ضد من وصفوهم تقليداً بالعناصر الإرهابية، لكنهم ما استأنسوا أن يعملوا بنداً أو حتى إشارة في هذا البند إلى مستوى تسليح تلك النخبة وتأهيلها القتالي، كما أنهم قد تورعوا في الحديث عن المسؤول عن تلك العناصر، ربما لأن بعض الظن إثم، ويكفيهم أنهم طالبوا في البند التالي بضرورة تجنيد العدد الكافي من أبناء الوادي والصحراء، من دون أن يبين البيان أين سيتم تجنيدهم، أفي إطار المنطقة الأولى؟ أم يطلبون تشكيل نخبة سيوونية على غرار جامعة سيوون؟ لكن هل النخبة الحضرمية هي مقتصرة على أبناء الساحل فقط في عناصرها؟ لست متأكداً، لكنني هنا أتذكر جيش البادية الحضرمي الذي كان شاكي السلاح ويهابه الجوار قبل من بالدار، وأخشى على جيش النخبة إن استمر على هذا الحال في التسليح والتمويل أن يتحول قريبًا إلى جيش خبة.
ولم ينس بيان مشايخنا الأفاضل عمل تزكية لبيئة حضرموت بأنها بيئة نقية غير حاضنة للإرهاب، مع أن أكثر عناصره المعلن عنهم أفراد من قبائلهم، فهل هم بذلك يعلنون براءة منهم وخلع من الانتماء القبلي للعناصر الحضرمية الإرهابية؟ أو هم يردون على نائب رئيس الجمهورية (السابق طبعاً)؛ لأنه شوه أبناءهم ووصم نقاءهم؟ الأمر غير واضح. إذن ما تفسيرهم لوجود الإرهاب ونشاطه في حضرموت، ومن أين تأتي عناصره غير الحضرمية، ومن يرعاهم؟ البند لا يجيب لأنه في حقيقته مجرد كلام إنشائي ومكرور.
وتلفتت قلوب المجاميع القبلية في بند آخر إلى أبنائها العاطلين عن العمل، فيؤكد بيانهم على ضرورة الاستفادة من طاقات الشباب، بسم الله ما شاء الله والله أكبر، وتوظيفهم في الشركات النفطية وتوفير لهم خانات وظيفية أو تعاقدية في مكاتب المؤسسات الحكومية، ولا نعرف لمن الكلام موجه، أللسلطة المحلية أم للحكومة المركزية أم لمؤسسة الرئاسة؟ وهم يؤكدون ولا يطلبون؛ لأنهم أصلاً غير متأكدين من أن هؤلاء قادرون على النظر في تأكيدهم هذا، هم فقط يطيبون من خاطر من حضر خيمتهم من الشباب الذي استسلم للفراغ وتعود التنقل بين الطاقات، وملأ فراغه الأيدي العملية والفنية للطاقات غير الحضرمية من الصومال وأبناء الشمال، مع إشادتي الشخصية ببعض شبابنا الهمام وقليل ما هم.
ولأن القبائل والبدوان أهل وفاء وشهامة، فقد خصوا بنداً يؤكد مساندتهم ومؤازرتهم للبحسني كمحافظ وقائد منطقة، ولمزيد من الحشمة اختاروا لبنده رقماً مميزاً، وهو رقم 11 الذي يحتوي على تكرار، والأدهى أن فيه إشارة إلى أحداث عام 2011، ففيه هبت نسمة الربيع العربي التي تباركت في بلادنا إلى عاصفة التحالف العربي، فأزهر فينا موسم البحسني؛ لذا حرص المشاركون في اللقاء التشاوري على تأكيد ضرورة أن تقوم السلطة المحلية بتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين، ولأن أكثر هؤلاء المشاركين أتوا من الوادي والصحراء، فلا أشك في أنهم يقصدون خدمات إزالة القمامة والمجاري والحفر، التي أزعجتهم في المكلا، ولولا الحياء الحضرمي فإنهم كادوا يضعون بنداً يطالب فيه المشاركون في اللقاء التشاوري بضرورة إعلان مدينة أخرى عاصمة مؤقتة للمحافظة.
وفي آخر البيان أكد الحاضرون على متابعة تنفيذ مخرجات اللقاء مع المحافظ والرئيس، ولست أعلم لماذا اختار من صاغ البيان هنا لفظ الحاضرين دون المشاركين، وماذا عن الضمانات، وأوراق الضغط، والخيارات الأخرى في حالة عدم الاستجابة؟ لا جواب، البند مبند تماماً عن الإشارة لذلك.
وبصدور البيان غاب الشيبان، وتقوضت خيمة الضيف وانزاحت كغيمة صيف، وعاد قاطني الوادي والصحراء، ليستقبلوا في سيوون من سيزيل آثار التشاور، من البيت المجاور.