الصباح اليمني_ ثقافة وهوية|
يعاني الأديب اليمني صراعاً وجوديّاً رهيباً في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه دول «التحالف» على اليمن منذ أربع سنوات، فهو محروم من السفر، محروم من حضور الندوات والمؤتمرات العلمية العربية والدولية بسبب الإجراءات الصارمة التي تعيق سفره وتنقله، فضلاً عن عدم السماح بمرور الكتب والمطبوعات إليه. هذا الصراع انعكس سلبيّاً على المشهد الثقافي، وعلى نفسية الأكاديمي والمثقف والمبدع، الذين يرون أنهم يقبعون في زنزانة انفرادية؛ كما يؤكد الأكاديمي في جامعة عدن محمد مسعد العودي، بعد منع كتبه من المرور عبر الحدود السعودية وصولاً إلى اليمن، ولم يكتف الأمر عند المنع فقط بل وصل حد التهديد بحرق هذه الكتب، أو بيعها بعدما مرت عليها 10 أيام من دون إيجاد حل لمرورها من قبل الجهات السعودية المخولة.
رفض وتهديد
أسبوعٌ كاملٌ مرَّ على كتب العودي وهي تقبع خلف قضبان شرطة منفذ الحديثة الحدودي السعودي، وقد حاول طيلة هذا الأسبوع أن يبحث عن الحلول كلها، ولبى طلبات المنفذ كلها أيضاً، لكن الرفض ما يزال قائماً.
العودي منح الجهات المختصة تأكيداً من دار النشر بأن الكتب غير ممنوعة، وأنها قد شاركت في معارض كثيرة في السعودية وبلدان عربية أخرى، وهي كتب أكاديمية لا تناقش سوى قضايا الأدب والفكر ولا تتطرق إلى أمور سياسية أو دينية مثلاً، وبعد ذلك كله رفضت وزارة الثقافة والإعلام السعودية منح تصريح مرور لهذه المؤلفات، التي كانت قد احتجزتها شرطة الحدود السعودية في منفذ الحديثة المحاذي للأردن الأسبوع الماضي.
محمد مسعد العودي يقول في تصريح خاص لـ«العربي»، إن «وزارة الثقافة والإعلام السعودية ترفض أن تمنح تصريحاً لمرور مؤلفاتي برغم توفيري الوثائق التي طلبها مني منفذ الحديثة في حدود الأردن»، مؤكداً أن «الجمرك في الحدود يهدد بإحراقها أو بيعها إن مر على بقائها في الجمرك 10 أيام من دون تصريح وزارة الثقافة».
وأضاف متسائلاً «هل منكم من يملك حلاً لمشكلتي؟ لقد مرت 6 أيام ولم يبق إلا 4، وأخشى على كتبي الحرق أو البيع».
خبر قاس
نزل خبر منع كتب العودي على الكاتب نفسه كما نزل على المثقف اليمني شديداً ومهولاً، ما دفع إلى التساؤل لماذا تمنع هذه الدولة مرور مجموعة من الكتب إلى بلد يرزح تحت وطأة الحصار والحرب منذ أربع سنوات؟ وهل المنع سياسي أم أيديولوجي أم يحمل طابعاً تمييزيّاً؟ هل لأن المؤلف يمني حقوقه كلها مصادرة ولن يتحدث عنها أحد؟ لماذا تظل حقوق المؤلف اليمني مهدورة؟ وهل تشكل هذه الكتب أي خطر على أمن هذه الدولة؟
العودي الذي يعتبر كتبه، التي منحها جل عمره ووقته رأس ماله، يؤكد أن خبر منع كتبه كان «خبراً قاسياً وغير متوقع؛ لأن الكتب ستمر بالسعودية فقط.. وهي كتب عرضت في جدة والرياض في معارض الكتاب في عواصم عربية من دون أن تثير أي إشكال».
ويؤكد أنه لا يعلم سبباً لمنع الكتب، لا سياسياً ولا إيديولوجيّاً، ويقول متابعون إن «السبب قد يعود إلى أسباب الحصار التي يفرضها التحالف على اليمن، ويمنع بموجبه مرور الكتب والمطبوعات إلى اليمن منذ 4 سنوات».
ويتأسف العودي «أن نعاني هذا الحصار الخانق في كل شي»، مضيفاً «لكنني لم أتوقع أن تمنع كتبي وهي ليست ممنوعة»، ويستطرد بأسى «إن الأَمَرَّ من هذا أن تهددني الجمارك بإحراقها»، ويعبر عن شعوره إزاء ذلك بقوله: «أنا محبط جداً ولا أملك إلا أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وأنا إليه راجعون».
ويشدد على الآثار التي سيخلفها إحراق كتبه على نفسيته يعني الموت، ويقول «إحراق كتبي يعني قتلي بدم بارد، هذه الكتب هي كل رأسمالي».
تنديد!
«منتدى باهيصمي» العدني الشهير ندد بهذه الحادثة، كما ندد بها أدباء ومثقفون كثر، ورأوا أنها تحمل منزعاً «تمييزياً؛ لكون الكتب تنتمي إلى مؤلف من اليمن»، ويقول «منتدى باهيصمي» في بيان حصل «العربي» على نسخة منه: «إننا في منتدى باهيصمي الثقافي الفني بمديرية المنصورة عدن، نتضامن مع الدكتور محمد مسعد، ونقف إلى جانبه ضد عجرفة القائمين على كبت الإبداع والثقافة والمعرفة»، مطالبين «بفك الحظر (الذي جاء) بلا مبرر».
لا شك أن حادثة منع مرور كتب مؤلف يمني عبر الحدود السعودية ووصولها إلى اليمن سابقة خطيرة، وتمثل انتهاكاً أخلاقيّاً صارخاً. ففي تاريخ النشر لم يحدث أن منعت اليمن مرور كتب أي مؤلف من أي بلد عربي، كما لم يحدث أن منعت دولة عربية ذلك، لكنها حادثة تؤكد على أن المثقف اليمني محاصر بشكل مرعب، في زمن الحرب التي حرمت الإنسان اليمني من كثير من حقوقه في التعلم والسفر والحصول على حقوقه المكفولة قانونيّاً وعرفياً وأخلاقياً في سائر الدول.
المصدر: عصام واصل _ العربي
خليك معنا