الصباح اليمني_مساحة حرة|
عدالة الضرر:
إلى وقت قريب، كان مَن في جيبه ريال يمني مكتئبًًا متذمّرًا، بينما مَن كان في جيبه ريالات سعودية جذلان مستبشراً، ولم يكن المقياس نزول الصرف أو طلوعه في محلات الصرافة، بل في ما يدفعه المواطن لدى دخوله إلى السوق للشراء؛ ليشعر صاحب الريال اليمني أن ما في جيبه لم يعد يستر عيبه، فيقف خذلان عند أسعار مرتفعة لكل بضاعة كان يظن أنها في المتناول، فيرتد بصره عن تلك البضائع خاسئًا وهو حسير، ثم يأتي العيال أباهم عشاء يبكون؛ لأن مصروفهم لم يعد يوفي بحويجة العصرية مساء، ولا فسحة المدرسة صباحًا.
لكن مَن في جيبه ريال سعودي لم يكن يشعر بذلك الفرق السعري؛ لأنه يتحصّل عليه من تاجر الصرافة، أما اليوم وقد تهاوى الريال السعودي دون أن يتعافى سميه اليمني، فقد علاه الاكتئاب، ومسّه وأهله الضر؛ لأن هذا التغيير سلبه الفرق وجعله يشعر بالقلق، ومن ثم تمكنت حكومتنا المعينية من تحقيق عدالة الضرر بين مواطنيها، أسوة بالحكمة اليمانية (المساواة في الظلم عدالة) المعهودة عن سلفها الصالح.
الوجه القبيح للتاجر الحضرمي:
أظهرت الهزة الأخيرة لاضطراب أسعار الصرف الوجه القبيح المعطل من الحياء لتجارنا الكرام الفجرة؛ فهم لم يتـأنوا لدى الهبوط المفاجئ لصرف الريال، ولم يفكروا في كونه ظرفًا عابرًا يحتمل الزوال، فلم يمهلوا مواطنيهم حتى تتضح حقيقتها، بل عجلوا إلى رفع كل ما تحت أيديهم من الأسعار والإيجار والعقار، دونما أي حسبان لحالة المستفيدين من زبون أو مستأجر أو غيره، وهي حالة تتكرر لدى كل أزمة، وهذا هو سر تتابع النكبات عليهم عند كل منعطف في الداخل والمهجر، لكنهم لا يعتبرون ولن يعتبروا، وتكفينا فيهم عدالة السماء.
بين الصرف والغرف:
التجار في سوق بلادي نوعان لا ثالث لهما، تجار صرف وتجار غرف، فتجار الصرف يطلعون وينزلون، وعلى الفرق يستولون، أما تجار الغرف فإذا طلعوا لا ينزلون ولا يتنازلون، فيغرفون ما في جيوبنا، ويقال إن ذلك من ذنوبنا، فكأننا نعيش في أرض المحشر، وتجارنا هم ملائكة العذاب.
أحمد باحارثة _ العربي
خليك معنا