اتجهت حكومة «الإنقاذ» في صنعاء مؤخراً، نحو تفعيل عدد من المصانع الحكومية المتوقفة، وعملت بقدرات مالية بسيطة على الدفع بعودة ماكنة الإنتاج الوطني إلى الدوران، وبأكثر من خطوة أعادت عدد من المصانع الوطنية التي كادت أن تصبح ذكرى، إلى واجهة العمل الإنتاجي، في محاولة من «الإنقاذ» تخفيف فاتورة الاستيراد التي كان لها إسهام بارز في تدهور العملة الوطنية.
بعد تسع سنوات من توقف عجلة إنتاج مصنع «يدكو» التابع للشركة اليمنية للصناعات الدوائية، التي تعد أول شركة يمنية عاملة في مجال إنتاج الدواء في البلاد، دشّنت حكومة «الإنقاذ» يوم أمس، العمل في عدد من خطوط الإنتاج في الشركة الدوائية.
وزير المالية في حكومة «الإنقاذ» حسين مقبولي، أكد أن «إعادة تشغيل المصانع الوطنية ومنها مصنع (يدكو) ولو بالحد الأدنى، يأتي في ضوء خطة حكومية للتغلب على آثار الحرب والجصار»، مشيراً إلى أن «هناك رؤية حكومية جادة وصادقة من قبل الحكومة لإعادة تشغيل كل المصانع الحكومية، وذلك انطلاقاً من الاستشعار بالمسؤولية في إيجاد البديل المحلي ومحاربة وسائل وسبل الاحتكار والغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار».
ولفت إلى أن «وزارتي المالية والصناعة في صنعاء ستشكل فريق مشترك لإعادة تشغيل خطوط الإنتاج في مختلف المصانع، لما له من إسهام في توفير فرص العمل وكسر الاحتكار، والإسهام في الحد من الاعتماد على الخارج».
خطوة في مواجهة الحصار
إعادة تشغيل عدد من خطوط الإنتاج في مصنع «يدكو»، التابع لشركة للصناعات الدوائية في صنعاء، أثار اهتمام نطاق واسع من المجتمع، اعتبرها مراقبون خطوة في الاتجاه الصحيح في ظل الحصار المفروض على البلد، والذي أدّى إلى اختناقات في السوق المحلي بالمحاليل الوريدية الذي كانت شركة «يدكو» تغطي السوق من تلك المحاليل.
مصدر في وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء، أكد لـ«العربي» أن «(يدكو) تمتلك أربعة مصانع احداها مصنع للأدوية العام، وآخر للمضادات الحيوية وآخر للمحاليل ورابع للتغليف»، مشيراً إلى أن «إعادة الإنتاج بدأت بتشغيل خطوط إنتاج مصنع المحاليل الوريدية، نظراً لعدم توفرها في السوق المحلي، يضاف إلى جودة منتجات (يدكو) من تلك المحاليل والتي ستوفر على البلد مئات الملايين من الريالات».
ولفت المصدر إلى أن «وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء، عملت مع الأمم المتحدة على تحييد المنشأة الصناعية من القصف والاستهداف لضمان ديمومية إنتاجهما، وتأمين سلامة قواها العاملة».
تشغيل المصانع المتوقفة
تعمل وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء، على تشغيل كافة الوحدات الاقتصادية والإنتاجية التابعة للدولة، أو المساهمة فيها، التي تعثرت بسبب سوء الإدارة، أو ضعف الأداء، أو لتعرضها للحرب من قبل التجار، حيث تمتلك اليمن أكثر من 60 وحدة اقتصادية من أصل 100 وحدة تعرضت للتدمير الممنهج خلال العقود الماضية، وخلال السنوات الماضية فشلت الحكومات السابقة في حل مشكلة تلك الوحدات الاقتصادية الإنتاجية، وكان هناك اتجاه لخصخصتها، إلا أن الكثير من أصول تلك الوحدات تم بيعها. حالياً تسعى حكومة «الإنقاذ» بتوجيهات من «المجلس السياسي الأعلى» بتفعيل وتشغيل تلك الوحدات الإنتاجية، بعد أن اتضح أن مسببات توقفها وتعثرها يندرج في إطار مسلسل تدمير الاقتصاد اليمني، الذي وقفت ورائه قوى محلية وخارجية.
ووفقاً لما كشفته مصادر في قطاع الصناعة في وزارة الصناعة لـ«العربي»، فإن «معظم الشركات الإنتاجية الحكومية التي تعثرت خلال العقود الماضية، أفشلت بقصد ولم تفشل من حد ذاتها»، لافتاً إلى أن «هناك العديد من المصانع والشركات تم إيقافها، وتحملت الدولة مبالغ باهضه، كنفقات وأجور لموظفيها، ولكن عندما تم تقييم وضع تلك المصانع والشركات، أتضح أن إعادة تشغيلها ممكنه، وأن جدوى إعادة الإنتاج فيها مشجعة»، منوهاً إلى أن «التعثر الذي أصاب الشركات والمصانع الحكومية خلال العقود الماضية، شمل قطاعات هامة كقطاع الغزل والنسيج، وقطاع الصناعات الإسمنتية، والذي يعد من القطاعات المرتفعة الجدوى الاقتصادية».
الاقتصاد المقاوم
الاتجاه الحكومي نحو تشغيل الوحدات الإنتاجية الحكومية، تزامن مع إعلان صنعاء الاتجاه نحو الاقتصاد المقاوم، وتعهد «المجلس السياسي الأعلى» بتنفيذ مشروع رئيسه السابق، صالح الصماد «يد تبني ويد تحمي»، والذي كان أحد أسباب اغتياله، كونه مشروع وطني يهدف إلى الإنتقال من مرحلة الاعتماد على الخارج إلى الإنتاج والاكتفاء الذاتي، وفرض سيادة النظام والقانون، وتحسين بيئة الاستثمار.
ولذلك، بتوجيهات عليا، اتجهت حكومة «الإنقاذ» نحو إعادة تشغيل عدد من المصانع الوطنية كمصنع «يدكو» للصناعات الدوائية، ومصنع «الغزل والنسيج» بصنعاء المتوقف منذ 15 عام، والذي دُشّّن العمل في قسم الخياطة فيه الأسبوع الماضي، كخطوة أولى في طريق إعادة تشغيل اقسام المصنع الأخرى، كقسمي الغزل والنسيج، بهدف الوصول إلى إعادة تشغيل المصنع بطاقته الكاملة، وصولاً إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي في الكساء».
كما تم إعادة تشغيل مصنع إسمنت باجل في محافظة الحديدة، المتوقف منذ عام 2014م، والذي تصل طاقته الإنتاجية إلى أكثر من 200 الف طن سنوياً، وقبلة أُعيد تشغيل مصنع إسمنت عمران الذي تعرض لسلسلة غارات جوية، أدّت إلى مقتل العشرات من العاملين فيه عام 2015م، مما تسبب بتوقف المصنع الذي تبلغ طاقته الإنتاجية أكثر من مليون طن سنوياً.